ما أن خمدت فوهات المدافع وقصف الطائرات حتى تنفست سماء
غزة وأرضها الصعداء، بعد عدوان
إسرائيلي استمر 51 يوما، إلا أن معركة أخرى تدور بالأفق، أطلق عليها بعض السياسيين "معركة التحديات"، والتي تواجه الكل الفلسطيني، تتمثل بعدة قضايا منها الإعمار، وتطبيق الوحدة الداخلية على أرض الواقع والشراكة السياسية.
ويرى المحلل السياسي إياد أبو زنط، أن تحدي البقاء على الوحدة الوطنية هو أبرز التحديات التي تواجه الفلسطينيين بعد العدوان الإسرائيلي، والذي قد يواجه الكثير من "التحديات الإقليمية، وكذلك تحديات داخلية تتمثل ربما بحدوث خلافات على إعادة إعمار غزة ولأي جهة تذهب الأموال".
ودمر الاحتلال آلاف المنشآت خلال العدوان، ويوجد 130 ألف غزي بدون بيوت، بعد تدمير قوات الاحتلال 4 آلاف وحدة سكنية، مما يجعل ملف إعمار القطاع من القضايا الأكثر سخونة وأهمية.
وبحسب تصريح لوزارة الأشغال العامة والإسكان الاثنين، فإن قطاع غزة يحتاج بشكل طارئ إلى 5 آلاف كرفان لإيواء المشردين والنازحين، ومعالجة 2.5 مليون طن من مخلفات الردم، وصيانة البيوت المدمرة، وإعادة الإعمار.
وأضاف أبو زنط في حديثه لـ"عربي21"، أن التحدي الثاني الذي يواجهه الفلسطينيون هو "التزام إسرائيل بالتهدئة، فمن الممكن أن تنقض التهدئة وبالتالي ترجع الأمور إلى سابق عهدها، ليس إلى حرب كما حصل وإنما إلى تصعيد آخر. هناك أيضا تخوفات من إعادة تنظيم الحصار وليس رفعه، فيعيدون تنظيمه بحيث يتهيأ العالم أن الحصار رفع عن القطاع، ولكن في الحقيقة تمت إعادة تنظيمه".
وكانت القناة العاشرة العبرية كشفت مساء الاثنين، عن نية رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، عدم إرسال وفد التفاوض إلى القاهرة لمتابعة مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة، والمفترض إجراؤها خلال شهر من بداية سريان وقف إطلاق النار.
وتوصل الفلسطينيون والإسرائيليون، الثلاثاء الماضي، إلى هدنة برعاية مصرية، تنص على وقف إطلاق النار، وفتح المعابر التجارية مع قطاع غزة، بشكل متزامن.
وذلك بعد حرب شنتها إسرائيل على قطاع غزة في السابع من الشهر الماضي، واستمرت 51 يوما، أسفرت عن استشهاد 2145 فلسطينيا، وإصابة أكثر من 11 ألفا آخرين.
ويعتقد أبو زنط، أن الضامن الوحيد لتنفيذ شروط الفلسطينيين هي "المقاومة نفسها. سابقا خلال عدوان 2012 كان الضامن مصريا، ولكن عادت إسرائيل واعتدت على غزة، الضامن هو الوحدة الوطنية مع ضرورة عدم الاقتراب من سلاح المقاومة لأنه للجميع ليس للسلطة أو
حماس، ومهمته حماية الشعب الفلسطيني".
تحدي المصالحة وتطبيقها
بدوره قال خليل عساف رئيس تجمع الشخصيات المستقلة بالضفة الغربية، إن أهم تحد هو الوحدة الوطنية، لأنها برأيه "الخط الأول الذي يجب المحافظة عليه، ويجب أن تكون وحدة فلسطينية ولو بالحد الأدنى حتى نتمكن من التغلب على التحديات الأخرى، مثل التحديات المجتمعية".
وأشار في حديثه لـ"عربي21"، إلى أن في غزة الكثير من الأسر المشردة بدون مأوى، وحاجة آلاف الأسر للبيوت والأكل والملبس، واصفا هذه المشكلة بـ"القنبلة" التي قد تنفجر إذا لم يكن هناك عمل جاد، لإنهاء هذه المعاناة ولو بالحدود الدنيا.
وأضاف أن الفلسطينيين بحاجة إلى استراتيجية وطنية موحدة للاتفاق على برنامج فلسطيني موحد، وربط ذلك بقوله: "عندنا جولة مفاوضات ثانية بعد شهر لاستكمال مفاوضات القاهرة وإن لم نكن متفقين ستكون المخرجات ضدنا، ونحن بحاجة إلى تصحيح العلاقات الفلسطينية مع الدول العربية، خاصة مع مصر لأننا نحن كشعب فلسطيني بحاجة لكل العالم وكل الدول العربية وأي عداء مع أي دولة في غير صالحنا، نحن بحاجة أيضا لتصحيح الحالة الداخلية الفلسطينية بخصوص الاستيطان والتنسيق الأمني والاتفاق على عمل أجهزة الدولة، وبالتالي وضع القانون في سياقه الطبيعي واحترام حق المواطن، وإعطاء الحقوق".
ودعا الفصائل وخاصة حركتي فتح وحماس إلى أن "تتوحد حتى نتمكن من إعادة إعمار القطاع وإجبار الاحتلال على تنفيذ شروط المقاومة، عيب اللغة التي نسمعها من بعض الأشخاص، فيجب الاتفاق على حالة وطنية محترمة واحترام القانون وعقل المواطن لا أن يبقى الصراع".
وكانت اللجنة المركزية لحركة فتح قررت تشكيل لجنة للحوار من جديد مع حركة حماس بشأن مختلف قضايا المصالحة، في الوقت الذي أعلنت فيه حكومة الوفاق الوطني في اجتماعها الأسبوعي في رام الله عدم دفع رواتب موظفي القطاع العام في غزة الذين عينتهم حكومة إسماعيل هنية المستقيلة، وعددهم نحو 50 ألفا.
وأبرز الملفات التي سيعاد طرحها للحوار: المصالحة، ودور حكومة الوفاق الوطني في غزة، وقرار الحرب والسلم مستقبلا، والشراكة السياسية.
وشهدت العلاقة بين حركتي فتح وحماس تدهورا بعد توقف الحرب على غزة، كما لم يتلق موظفو القطاع العام في غزة رواتبهم منذ شكلت حكومة الوفاق الوطني نهاية أيار/ مايو الماضي.
وكانت حركتا فتح وحماس وقعتا اتفاق مصالحة في نيسان/ إبريل الماضي في مخيم الشاطئ بغزة، أفضى إلى تشكيل حكومة توافق وطني.
محاسبة الاحتلال على جرائمه
وتتفق النائب عن كتلة التغيير والإصلاح منى منصور، فيما قيل حول تحدي تحقيق الوحدة الوطنية في الساحة الفلسطينية.
وقالت لـ"عربي21": "أبرز التحديات هو موضوع الوحدة الوطنية الفلسطينية وإلزامها على الواقع العملي وتطبيقها، إضافة إلى مدى الدور الفاعل الذي تقوم به حكومة الوحدة الوطنية في ما بعد الحرب والقيام بواجباتها بالضفة الغربية وقطاع غزة خاصة أنها حكومة وحدة وطنية، كذلك موضوع الإعمار الذي يعتبر من التحديات الكبيرة التي تواجه الشعب الفلسطيني".
إضافة إلى "تحقيق التوافق الفلسطيني الذي تم الاتفاق عليه بين الفصائل المختلفة وتفعيله، وأهم نقطة إعادة إحياء منظمة التحرير الفلسطينية وضم جميع الفصائل غير الموجودة في داخل المنظمة بما فيها حركتي حماس والجهاد الإسلامي".
ونوهت منصور، إلى أن أهم التحديات أيضا هو محاسبة الاحتلال على جرائمه التي قام بها في قطاع غزة من خلال التوجه إلى محكمة الجنايات الدولية.
دعوة إلى تقييم أداء حكومة التوافق
بدورها قالت ماجدة المصري عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، إن "الشعب الفلسطيني أمام تحديات كبيرة بعد انتهاء الحرب والعدوان على غزة، وهذا جزء من تحديات الحكومة فعليها كحكومة تحمل ملف كامل وتحمل تعبات الحرب والانقسام ومعالجة الإشكالات الناجمة عن الحرب".
واعتبرت أن إعادة الإعمار هو موضوع رئيس في التحديات الجديدة، إضافة إلى إنهاء مشكلة المواطنين اللذين ليس لديهم مسكن.
داعية الحكومة إلى التوجه إلى قطاع غزة للوقوف عن كثب على مجريات كل ذلك.
وأكدت في حديثها لـ"عربي21"، أن من أهم التحديات أن تسعى إسرائيل إلى أن يكون الإعمار عبرها، والمطلوب أن يكون الإعمار عبر البوابة العربية، معتبرة هذا تحديا ومطلبا وطنيا ولا يمكن القبول بعكس ذلك.
وترى أن استكمال ملف التفاوض حول وقف اطلاق النار يعد تحديا آخر، داعية إلى "دعم شعبي وحراك على مستوى سياسي، وعدم ترك الوفد المفاوض لوحده في ظل تعنت الحكومة الإسرائيلية، مما يستلزم الاستفادة من نتائج الحرب على غزة وعودة روح الاستنهاض الوطني من جديد خاصة في الضفة".
ودعت المصري إلى "تقييم حكومة التوافق والعمل على إجراء تعديلات أو إعادة تشكيل حكومة وحدة وطنية".