في تقرير أعدته كونستانز ليتسش في صحيفة "الغارديان" عن مصير الأطفال السوريين في
تركيا، قالت إن هؤلاء الأطفال على خلاف بقية الأطفال في العالم الذين سيبدأون العام الدراسي، لن يتمكنوا من فعل هذا لأن الآلاف منهم يشكلون
عمالة رخيصة يستغلها أصحاب الأعمال.
والتقت ليستش بأطفال في المدن التي يتجمع فيها السوريون في جنوب تركيا، من غازي عنتاب إلى كلس وأنطاكية.
ويعمل الأطفال في حرف متعددة من البيع في
الشوارع أو المحلات، إلى المصانع، فيما يتعرض آخرون للاستغلال. فحمزة (7 أعوام) يعمل في فرن صغير، منذ أن هربت عائلته من سوريا إلى أنطاكية، ستة أيام في الأسبوع.
ويقول: "أريد الذهاب للمدرسة، لأنني أحبها.. ولكن أمي لم تسجلني في المدرسة لأنها تحتاج إلى المال كي نعيش".
وحمزة هو أكبر إخوته الثلاثة ويعمل أحيانا 12 ساعة في اليوم لمساعدة عائلته، في حين تمارس والدته التسول في الشوارع. أما والده "فقد أصيب ولم يستطع الحصول على عمل" و"الحياة في تركيا مكلفة".
ويعمل مع حمزة شقيقان من مدينة حماة، عمراهما 12 و13 عاما، ويعملان مثل حمزة في المخبز، منذ وصولهما لتركيا قبل ستة أشهر. ويقول ناصر (12 عاما): "أفضل العمل على الذهاب إلى المدرسة". فأجر الغرفتين اللتين يعيش فيهما ناصر وشقيقه مع 23 فردا من العائلة، يصل إلى 750 ليرة تركية، ولهذا فهما بحاجة للمشاركة في دفع الإيجار كما يقول ناصر.
وبحسب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، يعيش في تركيا حوالي نصف مليون سوري هم من الأطفال. وفي الوقت الذي سجلت فيه نسبة 60% من الأطفال ممن يعيشون في المخيمات في المدارس المتوفرة فيها، فإن نسبة 73% ممن هم خارج المخيمات لا يذهبون للمدارس.
وبحسب تقرير أعدته قبل فترة منظمة الطفولة العالمية (يونيسف) فإن واحدا من كل 10 أطفال ممن هم في مخيمات اللجوء يعمل إما في المزارع أو في المطاعم أو ضمن الباعة المتجولين أو متسولا في الشوارع.
ونقلت الصحيفة عن ناشط تركي في مجال حقوق الإنسان أن "هناك زيادة ضخمة في نسبة العمالة بين الأطفال، ولم يكن الوضع هكذا، وتحاول السلطات مواجهتها، ولكنه في بعض الحالات ليس لدى العائلات أي خيار".
ويبلغ عدد الأطفال العاملين في تركيا حوالي 900 ألف طفل، ومنهم 300 ألف طفل ما بين سن السادسة والثانية عشرة، بحسب الأرقام الرسمية. وبحسب القانون يبدأ سن العمل في الخامسة عشرة.
ويقول حقان أتشار ـ الخبير في حقوق الأطفال من جامعة كوتشالي - إن العدد ربما كان أعلى "لأنه لم يتم احتساب الأطفال العاملين في الشوارع، مثل الأطفال الذين يبيعون الماء أو المحارم أو من يتسول منهم".
ولأن اللاجئين السوريين لا يحصلون على رخصة عمل، فإنه لا يتم احتساب الأطفال ممن ليسوا في سن العمل "ما يعرضهم للانتهاك"، حسب أتشار. وأضاف أنه "يعتبر الأطفال والنساء السوريون من أكثر الجماعات عرضة للانتهاك في تركيا في الوقت الحالي".
ففي كلس، البلدة التي يسكن فيها سوريون أكثر من السكان المحليين، ارتفعت نسبة عمالة الأطفال.
سمير (12عاما) فر من حلب قبل عامين مع أشقائه الستة وأبيه وأمه وعمته، وكلهم يعيشون في شقة صغيرة. ولم يذهب سمير للمدرسة منذ ذلك الوقت. ولمساعدة عائلته، عمل في محل للجزارة مدة عام ثم انتقل للعمل في محل للأحذية في مركز المدينة، وفي هذا المحل يعمل سبعة أيام من الساعة الثامنة حتى حلول الظلام مقابل 35 ليرة تركية في الأسبوع، وهي أقل من الحد الأدنى من الأجور.
ويقول صاحب المحل التركي الذي يملكه منذ 29 عاما، إن التجارة ازدهرت مع وصول السوريين وإن سمير عامل مجد.
وينتقد أتشار السلطات المحلية لفشلها في حل مشكلة استغلال الأطفال ومعاقبة من يقوم باستغلالهم، ويقول: "هناك عدد قليل من مفتشي الأعمال، وهناك غياب في الإجراءات حول ما يجب عمله مع ظاهرة عمالة الأطفال، ولا تتم معاقبة أصحاب الأعمال ممن يشغلون الأطفال".
ويقول محمد الناظر، وهو ناشط سياسي سوري يعمل في مجال حماية الأطفال في غازي عنتاب، إن الحاجة الماسة هي وراء دفع العائلات لأبنائها كي يعلموا، و"قد تقوم الكثير من العائلات بإخفاء حقيقة عمل أولادها لخشيتها من قيام المنظمات الإغاثية بإنقاص حصتها من الدعم".
ويضاف إلى المشكلة غياب المدارس في مخيمات اللاجئين في تركيا، ما يزيد من أعداد الأطفال العاملين، "فالمدارس مزدحمة، أما المدارس الخاصة فتكاليفها عالية. وعليه، فإن معظم الأطفال يجب عليهم متابعة دراستهم في سوق العمل".
ورغم أن معظم الأطفال العاملين هم من الذكور، إلا أن هناك نسبة من السوريات اللاجئات يعملن في المحلات أو المساكن الخاصة أو في المزارع.
عائشة (12 عاما) وخديجة (13 عاما) من حلب، تعيشان في تركيا منذ عامين ونصف العام، وكلاهما تعملان في محل للألبسة في كلس. وتعمل خديجة 6 أيام في الأسبوع مقابل أجر 50 ليرة تركية، وتقول إنها تركت المدرسة لمساعدة عائلتها لأن المدرسة السورية التي كانت تدرس فيها سيئة.
وتقول خديجة: "كنت في سوريا أحب الذهاب إلى المدرسة، ولكن المدرسين هنا ليسوا جيدين، وموضوعي المحبب كان الجغرافيا، ولكن هنا لا أتعلم شيئا". وكل شقيقاتها الثلاث وشقيقها يعملون.
رضوان (12 عاما) من حلب، يبيع البسكويت من صينية مع شقيقه محمد (8 أعوام) في شوارع كلس، حيث يحصلان على 12 ليرة تركية في اليوم. وتظهر القروح على قدميه بسبب الصندل الذي يلبسه ولا يناسب قدميه. ويقول: "كان موضوعي المفضل في سوريا هو الرياضيات، وكنت أتمنى أن أصبح طبيبا". ويعيش مع والدته منتهى وأخيه (7 أعوام) في مستودع صغير بدون ماء ساخن. وقتل والده في غارة جوية على حلب. ويجب على العائلة أن تدفع 200 ليرة تركية للإيجار.
وتقول الأم: "ستة من أبنائي كانوا يذهبون إلى المدرسة في سوريا.. وكيف سيصبح رضوان يوما طبيبا؟ كل أطفالي كانوا مجتهدين في الدراسة، هذا الوضع يجعلني حزينة كأم".
أحمد (10 أعوام) فر من قرية تركمانية عندما تقدم تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا – داعش. ويقول إنه يفتقد المدرسة، خاصة أنه يعمل في مطعم سوري في غازي عنتاب، ويعمل 14 ساعة في اليوم وسبعة أيام في الأسبوع مقابل 40 ليرة. ويقول: "أريد العودة للمدرسة والتعلم"، و"لا أريد بشار ولا داعش ولا الجيش السوري الحر، لا يهموني وكل ما يهمني هو السلام وعودة سوريا لي".