كتب عماد الدين حسين: بما أنه لا توجد أحزاب سياسية مدنية فاعلة فى مصر، فإن وسائل الإعلام صارت تلعب الدور الذى كان يفترض أن تلعبه الأحزاب، وبالتالى فإن من يسيطر على الإعلام صار يسيطر على الشارع.
ونتيجة لهذا الواقع فإن هناك معركة شرسة تجرى منذ شهور طويلة وربما منذ سنوات بين كثيرين للسيطرة على الإعلام.
قبل عام 2000 كان يقال إن الهدف الأساسى لأى رجل أعمال كبير هو ضمان صداقة أو شراء أحد الصحفيين المؤثرين، ثم اكتشف رجال الأعمال أن امتلاك صحيفة بكاملها أمر أقل تكلفة وأكثر يسرا والأهم أنه يشبه امتلاك سلاح استراتيجى لأنه يضمن حماية الثروة وتعظيمها والتأثير فى صناعة القرار.
الصحافة الخاصة فى مصر، لم تكن شرا مطلقا كما يعتقد خصومها، لولا هذه الصحافة ومعها الفضائيات الخاصة، ما تراكم الوعى السياسى الذى قاد إلى ثورة 25 يناير، ولولا هذا النوع من الصحافة ربما ما كانت ثورة 30 يونيو. هذه الصحافة أجبرت نظيرتها الحكومية أو القومية على التطور بعد أن تكلست وابتعد عنها القراء والمشاهدون.
المشكلة أنه وسط الإيجابيات الكثيرة للإعلام الخاص أو المستقل برزت خطورة وجود احتكار فى هذه الصناعة الاستراتيجية وبدأنا نلمس بعض آثاره الآن. ثم اكتشفنا أيضا أن هذا الإعلام قد يلعب دورا خطيرا فى انتخابات مجلس النواب المقبل، بعد أن حاول إيهام الرأى العام أنه هو الذى أقنع الناس بانتخاب عبدالفتاح السيسى رئيسا للجمهورية.
الآن لم نعد نعرف الفارق بين ما هو إعلامى وما هو سياسى فى أداء وسائل الإعلام.
السؤال الذى يشغل الجميع ونحن نستعد الآن لتأسيس مجالس الإعلام الثلاثة التى نص عليها الدستور هو: كيف تخرج هذه المجالس إلى النور، من يشكلها، من يعين أعضاءها، كيفية اتخاذ القرار، ثم وهذا هو الأهم هل ستكون هذه المجالس فاعلة على الأرض؟!.
ونحن نناقش كل ذلك، علينا أن نلاحظ أن البنود والمواد المكتوبة فى القوانين لابد أن يكون لها ما يسندها على أرض الواقع.
على سبيل المثال: كيف يكون لدينا إعلام قومى فعلا يوازن الإعلام الخاص الذى تتمدد مساحاته كل
يوم والأهم تأثيراته فى ظل أن غالبية الصحف القومية مهددة بالإفلاس والإغلاق؟!.
ثم كيف يمكن للتليفزيون القومى أن يخرج من مأساته المالية والإدارية ليتحول إلى قنوات إعلامية تستطيع المنافسة وعلى أسس اقتصادية؟. ثم وهذا هو السؤال الأهم: كيف يصبح هذا الإعلام قوميا فعلا بمعنى أن يعبر عن كل المصريين فى حين أنه يتلقى معظم أمواله من الحكومة؟!. بعيدا عن الدخول فى جدل وتفاصيل كثيرة ينبغى أن ننشغل بقضيتين أساسيتين فى هذا الملف : هما التمويل والمهنية.
فيما يتعلق بالتمويل، ينبغى أن نحرص على وجود منابر كثيرة للإعلام حتى نوقف ظاهرة الاحتكار الآخذة فى الاتساع بشكل سرطانى لا يلاحظه إلا المهتمون بالصناعة وبالأمن القومى.
ثم علينا الحرص طوال الوقت على المهنية والاحتكام لقواعدها والاهتمام أكثر بتدريب الإعلاميين وغالبيتهم يعانون ضعفا هائلا فى هذا المجال، لا نلاحظه إلا عندما نحتك بالصحفيين الاجانب.
القاعدة الأساسية التى ينبغى أن نركز عليها هو أننا لن نستطيع أن نبنى هذا البلد فعلا على أسس صحيحة إلا إذا كان لدينا إعلام حقيقى، حر ومتنوع يعرف المصالح العليا للوطن وفى نفس الوقت ينشر الحقائق. الإعلام سلاح خطير.. إن لم نستخدمه بحكمة ينقلب إلى أداة دمار.
(بوابة الشروق المصرية)