في الثلاثين من نيسان/ أبريل عام 2000 أصدر الرئيس
الفلسطيني الراحل ياسر عرفات مرسوما رئاسيا بإنشاء "
ميناء غزة البحري".
بينما أشير أول مرة إلى مسألة الميناء البحري بعد توقيع منظمة التحرير الفلسطينية على اتفاق سلام مع
إسرائيل والمعروف بـ"أوسلو"، في عام 1993.
وكلّف الرئيس الراحل الوزارات المختصّة باختيار موقع مناسب لتثبيت موقع "الميناء"، بعد إنشاء سلطة الموانئ البحرية الفلسطينية، ووقع الاختيار على منطقة "الشيخ عجلين" غرب مدينة غزة.
ومع بداية "انتفاضة الأقصى" في أيلول/ سبتمبرعام 2000، منعت إسرائيل السلطة الوطنية الفلسطينية من البدء في تنفيذ المشروع.
وكان من المفترض، وفق خطط السلطة، أن ينجز مع نهاية عام 2002، إلا أن اندلاع انتفاضة الأقصى، وما تلاها من أحداث، وفرض إسرائيل حصارا بريا وبحريا مشددا على القطاع، في عام 2007 عرقل كافة الخطط والمشاريع الخاصة بتطوير وتشغيل الميناء البحري.
وتمتلك مدينة غزة، المطلة على البحر الأبيض المتوسط، ميناءً متواضعا، يُستخدم كمرسى لصيادي الأسماك، ولم يسبق استخدامه في استقبال السفن التجارية من قبل.
واليوم، يُراود الفلسطينيون حُلم إنشاء ميناء غزة البحري، بعد أن أعادت فصائل فلسطينية، طرحه على طاولة المفاوضات في القاهرة من أجل التوصل إلى اتفاق على وقف دائم لإطلاق النار، مع إسرائيل، ينهي الحرب المستمرة منذ السابع من يوليو/تموز الماضي.
ويطرح الوفد الفلسطيني في مفاوضات القاهرة مطالب من بينها إنشاء ميناء بحري، وإعادة بناء المطار، إلى جانب فك الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة، بكافة أشكاله.
وتشترط الفصائل الفلسطينية إقامة ميناء بحري في قطاع غزة، للقبول بتهدئة كاملة مع إسرائيل، وطي صفحة الحرب القاسية التي، خلّفت أكثر من 2000 شهيد، وقرابة عشرة آلاف جريح.
وهذا الميناء، وفق مراقبين فلسطينيين، هو الحل الوحيد والأمثل لإنهاء معاناة 1.8 مليون فلسطيني في قطاع غزة، يعيشون أزمات إنسانية، واقتصادية تتفاقم إلى حد غير مسبوق، بسبب الحصار الإسرائيلي المفروض للعام الثامن على التوالي.
ويقول رامي عبده، مدير المرصد الأورمتوسطي لحقوق الإنسان (منظمة حقوقية أوروبية غير حكومية، مقرها جنيف)، إنّ مشروع ميناء غزة البحري، هو مطلب إنساني، لا تتبناه المقاومة الفلسطينية، فقط، بل العديد من الدول والجهات الأوروبية.
وأضاف عبده، أنّ مقترح الميناء البحري، هو مقتر تبناه مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية في عام 2004، وأعاد المرصد الأورمتوسطي طرحه في إبريل/نيسان 2014 بشكل تفصيلي.
وفي شهر نيسان/ إبريل الماضي، قدّم المرصد الأورومتوسطي تصورًا كاملًا للحكومة التركية ورئاسة السلطة الفلسطينية والحكومة السابقة في غزة، والتي كانت تديرها حركة حماس، عن آلية بناء الميناء البحري، والجهة المشرفة عليه، ومدى قانونيته، والاعتبارات الأمنية لإسرائيل.
وأكد عبده، أن فكرة الميناء البحري، فكرةتتبناها، العديد من الأطراف الدولية، التي تريد لحصار قطاع غزة أن ينتهي.
وتابع: "افتتاح ممر مائي يربط قطاع غزة بالعالم الخارجي، يمثل حلا طويل الأجل، في ضوء تحوّل معاناة حرية الحركة ونقل البضائع ومستلزمات الحياة لقرابة مليوني مواطن إلى أزمة مزمنة".
وكانت قوافل تضامنية بحرية قد اتجهت نحو غزة في السنوات السابقة.
وفي الثالث والعشرين من آب/ أغسطس 2008 رست على شاطئ بحر غزة سفينتا "الحرية" و"غزة الحرة"، قادمتين من مرفأ لارنكا القبرصي بعد رحلة طويلة شاقة واستعدادات استمرت لأكثر من عامين.
وشارك عشرات المتضامنين القادمين من 17 دولة أوروبية في تدشين أولى قوافل التضامن البحرية الحاملة على متنها الغذاء والدواء.
وشنت إسرائيل اعتداء داميا على أسطول مساعدات بحري تركي، عرف باسم "أسطول الحرية"، كان متوجها إلى غزة في 31 من مايو/ أيار 2010، وأسفر عن مقتل 10 متضامنين أتراك.
وقال عبده إن "تطوير وتشغيل ميناء غزة البحري فكرة أخرجتها معاناة غزة، وإغلاق المعابر التجارية، وخضوع المعبر التجاري الوحيد كرم أبو سالم للمزاج الإسرائيلي، وإغلاق معبر رفح بشكل شبه دائم".
وشدد عبده على أن طرح الموضوع في الوقت الحالي بات من الأمور المهمة، وأحد أدوات التحرك الشامل الهادف لإنهاء حصار غزة.
ووفق عبده فإنّ الحكومة القبرصية أعلنت ترحيبها بأن تكون محطة للانطلاق إلى غزة، فيما قالت ألمانيا إنّ منفذ لغزة سيكون موضوع ترحيب وله دلالة من الناحية الاقتصادية.
وفي بريطانيا أوصى تقرير للبرلمان البريطاني بضرورة أن تدعم الحكومة البريطانية الخطط القائمة لفتح ميناء غزة.
وأكد عبده، أن المرصد أجرّى، حملة واسعة من المراسلات استهدفت صناع القرار على مستوى الاتحاد الأوروبي، ودول الاتحاد بهدف دفعهم للتحرك جهة دعم تدشين ممر مائي، يصل بين غزة والعالم الخارجي، كأساس حقيقي لإنهاء الحصار، وتفكيك الأزمات الإنسانية الناتجة عن حصار قطاع غزة.
وأشار إلى أنه تلقى تأكيدات أوروبية، بأنّ الاتحاد الأوروبي يضغط من أجل المساعدة في إنهاء الصراع المدمر في غزة عبر خطة لتطوير الميناء، وتدشين ممر مائي عبر الميناء القبرصي، بوجود مراقبين دوليين بما يضمن عدم تهريب السلاح.
ووفق خطط المرصد، فإن تطوير الميناء سيستخدم للأفراد والبضائع، مع وجود نقطتين للمراقبة أساسية، الأولى في غزة، والأخرى في ميناء لارنكا في قبرص، وذلك كمحطة أساسية من أجل التأكد من عدم تهريب أسلحة.
ويقدر باحثون في المرصد، أنّ الممر المائي، سيكون جاهزا في غضون عام، فيما أكد عبده، أن الميناء جاهز في الوقت الحالي لاستقبال الأفراد، عبر القوافل والسفن البحرية.
واعتمدت السلطات الإسرائيلية معبرين وحيدين فقط، مع قطاع غزة، إذ أبقت على معبر كرم أبو سالم معبرًا تجاريًا وحيدًا، حصرت من خلاله إدخال البضائع إلى قطاع غزة، بشكل محدود وجزئي.
وعدا عن إغلاقه يومي الجمعة والسبت من كل أسبوع، وفي الأعياد اليهودية، تغلق إسرائيل المعبر لأسباب تقول إنها "عقابية" بحق الفلسطينيين في قطاع غزة.
أما المعبر الثاني الذي أبقت عليه مفتوحا، فهو معبر بيت حانون (إيريز)، أقصى شمال قطاع غزة، ويستخدمه الفلسطينيون كممر إلى الضفة الغربية.
وتشترط السلطات الإسرائيلية على فئات خاصة عبوره، في مقدمتهم المرضى ورجال الأعمال والبعثات الأجنبية.
كما تغلق السلطات المصرية، معبر رفح، الواصل بين قطاع غزة ومصر، بشكل شبه كامل، وتفتحه فقط لسفر الحالات الإنسانية، عقب إطاحة قادة الجيش، بمشاركة قوى شعبية وسياسية ودينية، بالرئيس المصري السابق محمد مرسي، في يوليو/ تموز 2013.
وخلال الحرب، الإسرائيلية على قطاع غزة، قامت السلطات المصرية بفتح المعبر أمام سفر المصابين، والجرحى، والحالات الإنسانية.
ويقول ماهر الطباع، مدير العلاقات العامة في الغرفة التجارية بغزة إن مشروع إنشاء الميناء، سيساهم في دفع عجلة التنمية في قطاع غزة.
وأضاف أن هذا المشروع سيكون له أثره الايجابي على الاقتصاد الفلسطيني وذلك بالمساهمة في زيادة الحركة التجارية بين فلسطين و دول العالم المختلفة و ربط الاقتصاد المحلي بالاقتصاد العالمي و مساهمته في تنمية الصادرات و الصناعات المحلية و الخدمات التجارية.
وتابع:" وسيساهم المشروع، في حل مشكلة البطالة المرتفعة في قطاع غزة، والتي تجاوزت في الوقت الحالي 55%، كما وسيعمل على فك تبعية الاقتصاد الفلسطيني عن الاقتصاد الإسرائيلي للوصول إلى اقتصاد فلسطيني حر قادر على التطور و النمو".
ورأى الطباع، إحياء مشروع إنشاء ميناء غزة البحري تحت إشراف و حماية دولية واعتباره من الأولويات الفلسطينية، سيساهم في تخلص السلطة الوطنية الفلسطينية من ابتزاز الجانب الإسرائيلي المستمر في حجز أموال الضرائب (تبلغ قيمتها الشهرية ما يزيد عن 100 مليون دولار)، تساهم بشكل أساسي في موازنة السلطة، و التحكم في فتح و إغلاق المعابر.