كتب حسام عيتاني: صحيح كل ما كُتب في معرض الدفاع عن
المسيحيين ودورهم في المشرق العربي. وسليم تماماً الاعتراف بفضلهم على الثقافة واللغة العربيتين والإقرار لهم بدور جوهري في منح معنى إنساني شامل لتمسكهم بالبقاء في هذه المنطقة من العالم على رغم كل ما عانوه ومروا به على امتداد القرون، تارة باسم الدين وطوراً باسم الاستبداد السلطاني.
وجاهل من لا يرى في اضمحلال الدور والحضور المسيحيين في المنطقة ضربة قاسية الى قلب المجتمعات والثقافة العربية والإسلامية، ذلك أن اختفاء المسيحيين من المشرق سيحيله صحراء عرقية ودينية وحضارية لا أمل فيها بنمو وتطور أي ظاهرة حضارية تتأسس حكماً على التفاعل والتبادل والحوار. ملامح الصحراء هذه بدأت تتكرس في نواح شاسعة اجتاحتها جحافل الإرهابيين المستترين بستار الدين، الذين لا يخجلون من وضع عبارة «الحمد لله» تحت صور الرؤوس التي يجزونها.
ويصب في إطار الحرص العربي على دور مهم لمسيحيي المشرق، الحفاظ على موقع رئاسة الجمهورية في
لبنان في عهدة شخصية مسيحية تحظى بتمثيل وازن في صفوف طائفتها وتمارس سلطات واسعة في إطار الدستور والقوانين اللبنانية، بالإضافة طبعاً إلى المناصب الحساسة الأخرى من قيادة الجيش وحاكمية المصرف المركزي وسوى ذلك.
هذه المناصب، في واقع الأمر، شهادة ليس فقط على دور المسيحيين المركزي في لبنان، بل أيضاً على قدرة المسلمين على التعايش والتفاعل مع التعدد المذهبي والديني والثقافي. وهذا كلام كان بمثابة البداهات طوال العقود التي أعقبت استقلال لبنان. وفي هذين التعايش والتفاعل دليل على مرونة و «عقلانية» إسلامية –إذا جاز التعبير- تقدم مصالح الأمة والجماعة على ما عداها. وهذا كلام يتمنى المرء أن يصح على كل الأقليات العرقية والدينية في المنطقة العربية.
بيد أن تثمين دور المسيحيين في المشرق والإقرار بضرورته للمسلمين قبل المسيحيين، ينبغي ألا يغطي على جملة من الحقائق تتطلب علاجاً من المسيحيين قبل غيرهم.
فالضغط الهائل الذي يتعرض المسيحيون له هذه الأيام لا يكفي أن يقابَل بدعوات الاستغاثة والنجدة على ما يفعل بعض الهيئات الدينية، بل إن التجارب الحديثة تظهر وجود خلل بين المسيحيين يساهم في زيادة الخطر على أدوارهم ويهدد بانتزاع مواقعهم منهم.
وإذا أخذنا معضلة انتخاب رئيس جمهورية جديد للبنان، نرى أن المسألة المطروحة منذ ما قبل نهاية ولاية الرئيس السابق ميشال سليمان بعامين على الأقل، لم تشهد أي تقدم إلى أن انتهت مدته الدستورية وترك قصر بعبدا خالياً.
المسؤولية عن الفراغ هذا يتحملها بالتساوي أطراف الانقسام السياسي اللبناني على ما هو بيّن، بيد أن المسيحيين بقواهم المختلفة، أبدوا قدراً مذهلاً من تجاهل الأخطار التي تواجههم قبل غيرهم ولم يجدوا مانعاً من التوزع على المعسكرات
المذهبية، السنّية والشيعية، المتنافسة.
ويصعب التصور أن المسلمين اللبنانيين كانوا ليستطيعوا التلاعب بالمسيحيين لو أن هؤلاء حزموا أمرهم واتفقوا على مرشح واحد له من القاعدة التمثيلية ما يكفي لإدارة البلاد وحكمها. ربما يُحمل هذا الكلام على محمل المثالية أو السذاجة لتجاهله حقيقة الخنق المتعمد الذي قام به النظام السوري للقوى المسيحية على امتداد ثلاثين عاماً من وصايته على لبنان.
لكن في المقابل، يُفترض بالمسيحيين أن يعثروا على علاج لانقساماتهم إذا أرادوا الحفاظ على دور لهم في لبنان يتعدى استعطاء واستعطاف المشاعر النبيلة عند الآخرين.
(عن صحيفة الحياة اللندنية 8 آب/ أغسطس 2014)