تركيا فتحت أبوابها على مصراعيها للاجئين الذين تصفهم بـ"الضيوف" منذ اندلاع الثورة في سوريا وتؤكد أن سياسة الباب المفتوح ستستمر ولن تغلق حدودها في وجه الهاربين من القتل والمجازر على الرغم من تجاوز عددهم مليون لاجئ. ومن الطبيعي أن يجلب هذا العدد الكبير معه بعض المشاكل الاقتصادية والاجتماعية، مثل ارتفاع الإيجارات وانتشار العمالة الرخيصة، بالإضافة إلى المشاكل الأمنية التي قد تحدث بين المواطنين واللاجئين خارج المخيمات بسبب عملية التحريض التي يقوم بها الموالون للنظام السوري.
هناك حملة تدعو منذ بداية الثورة السورية إلى إغلاق الأبواب والحدود في وجه
اللاجئين السوريين وطردهم من الأراضي التركية، وتقود هذه الحملة جهات معروفة بولائها للنظام السوري، وتستغل هذه الجهات السلوكيات الخاطئة التي تصدر أحيانا من بعض اللاجئين وتقوم بتضخيمها، وليس من المستبعد أن تصدر تلك السلوكيات من أشخاص موالين للنظام السوري تسللوا إلى تركيا كلاجئين لتشويه سمعة السوريين الهاربين من القتل والمجازر، ولإثارة المشاكل بين المواطنين الأتراك واللاجئين.
وفي ظل حملة التحريض ضد اللاجئين، قام يوم الأحد الماضي في مدينة مرعش عدد من المتظاهرين بالاعتداء على سيارات اللاجئين السوريين ومحلاتهم، وحاول المتظاهرون الاعتداء على عائلات سورية تمر في الشوارع ولكن الشرطة تدخلت لمنع الاعتداء، كما قامت بتكثيف تواجدها في المناطق التي يقطنها السوريون منعا لحدوث اعتداءات أخرى. وفي اليوم التالي تكرر اعتداء المتظاهرين على محلات اللاجئين السوريين مطالبين بمغادرتهم ولكن هذه المرة في مدينة أضنة.
اللافت أن النسخة المحلية لصحيفة "حرِّيت" التركية في تلك المناطق صدرت يوم الجمعة الماضي، أي قبل أحداث مرعش بيومين، بعنوان عريض يقول: "أصحاب المحلات في ضيق"، وكتبت أن السوريين فتحوا في مدينة مرسين 250 محلا تجاريا خلال ثلاثة أشهر ويعملون في مقابل أجور منخفضة وبذلك يلحقون الخسائر باقتصاد مرسين، كما زعمت أن السوريين يفتحون محلات بشكل مخالف للأنظمة وأن محلاتهم لا تخضع للمراقبة، ما يؤدي إلى اضطرار الأتراك لإغلاق محلاتهم بسبب التنافس في ظروف تجارية غير متكافئة.
وقوع الاعتداءات على اللاجئين السوريين في مرعش وأضنة بعد تحريض صحيفة "حرِّيت" التابعة لمجموعة "دوغان" الإعلامية المتحالفة مع المعارضة التي قامت بترشيح أكمل الدين إحسان أوغلو لرئاسة الجمهورية يثير علامات استفهام حول هذه الأحداث الأخيرة، علما أن إحسان أوغلو نفسه صرح قبل أيام بأن تركيا كانت عليها أن لا تفتح أبوابها للاجئين السوريين.
السؤال الذي يطرح نفسه هو: "هل هذه الاعتداءات التي استهدفت اللاجئين السوريين ومحلاتهم في مدينتي مرعش وأضنة قبيل
الانتخابات الرئاسية التي ستجرى بعد أقل من شهر هي جزء من إستراتيجية التحالف الذي يدعم إحسان أوغلو في سباق رئاسة الجمهورية أم أنها أحداث غير مخطط لها ولا علاقة لها بالانتخابات؟". ومهما كان الجواب فإن الحكومة التركية يجب أن تتخذ كافة التدابير الأمنية حتى لا تتكرر هذه الاعتداءات، سواء في المدن نفسها أو مناطق أخرى يقطن فيها الضيوف السوريون، كما أن اللاجئين السوريين عليهم أن يظلوا يقظين حتى لا ينجروا وراء الاستفزازات وأن يتركوا حل الإشكاليات للجهات الحكومية المختصة، لأن عملية التحريض التي تستمر منذ بداية الثورة السورية ليس من المستبعد أن يتم تصعيدها قبيل الانتخابات لأغراض سياسية.
قضية اللاجئين السوريين قضية إنسانية، ومن المفترض إبعادها عن التجاذبات السياسية، وأما محاولة تأليب الشارع التركي ضد اللاجئين لإثارة الفتنة وإحراج الحكومة بغية الحصول على عدة نقاط أخرى في الانتخابات فلا شك في أنها خسة ودناءة يجب أن يبتعد عنها كل حزب سياسي يحترم نفسه.
تركيا قادرة على استيعاب هذا العدد من اللاجئين السوريين، والمشاكل التي تحدث مؤقتة ويمكن حلها إن كان المقصود هو حل المشاكل، ولا أحد يأكل رزق غيره, ولعل المفرح في الموضوع أن عموم الشعب التركي يستنكر هذه الاعتداءات التي تستهدف اللاجئين ويعتبرها غير أخلاقية وعنصرية بغيضة.