نشرت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية مقالا لأستاذ السياسة والتاريخ في جامعة تل أبيب يواف فورمر، يقول فيه إن "الأمر أصبح طقسا، ففي كل صباح في الأيام القليلة الماضية وكل مساء تسقط
الصواريخ المنطلقة من غزة على المدينة وضوايحها، مطلقة صفارات الإنذار التي ترسل بالناس المرعوبين إلى الملاجيء. وكما هو الحال في القصة القصيرة التي كتبها فرانز كافكا حول الفهود التي تزور المعبد كل يوم، حتى أصبحت جزء من الطقوس الدينية. أصبحت هذه الصواريخ المرعبة جزء من الحياة اليومية لملايين
الإسرائيليين"، على حد قوله.
وأضاف في وصفه الحالة الإسرائيلية إثر سقوط صواريخ المقاومة الفلسطينية حولهم: "ردة فعل الجماهير المكبوحة أشاهدها من شباك شقتي، وهو رد فعل إسرائيلي مميز، فبدلا من الذعر معظمهم يسير نحو الملاجيء بهدوء غريب، وبعضهم يجلس في أي مكان في الطريق. وهم بذلك إما مستسلمون للقدر أو يطمئنون أنفسهم بأن لا ضرر سيحدث لهم. وعندما يسألهم الإعلام لماذا هم غير خائفين يجيب معظم الإسرائيليين الذين يعيشون في تل أبيب نفس الإجابة:
القبة الحديدية".
ومع أن هذه الجولة مع "حماس" لم تنته بعد، -وفق فورمر- فإن الإسرائيليين "يتسرعون في إعلانهم عن نجاح نظام القبة الحديدية، النظام الدفاعي الخارق الذي طورته الصناعة الحربية الإسرائيلية بتمويل كريم من الولايات المتحدة، والذي يتحدث عنه المعلقون في إسرائيل وخارجها على أنه المنتصر الرئيسي في هذه الجولة، ولسبب مهم جدا وهو أنه عمل بشكل رائع، فقد اعترضت صواريخ الدفاعية تقريبا جميع الصواريخ التي أطلقت تجاه تل أبيب ومراكز التواجد السكاني الأخرى"، وبحسب الجيش الإسرائيلي فإن النظام كان فعالا بنسبة 90%.
وتابع: "شكرا للنظام الذي منع وقوع ضحايا إسرائيليين وعدد جرحى قليل نسبيا بين المدنيين الإسرائيليين، فلحد الآن يمثل هذا النظام عزاء واقعيا ونفسيا يمكنهم من الاستمرار في أعمالهم".
ولكن مع الوقت فإن القبة الحديدية قد تجلب لهم الأذى أكثر من المنفعة، بحسب فورمر- "فما يبدو اليوم معجزة تكتيكية قد يساعد عرضا على توليد خطأ استراتيجي فادح. فالتكنولوجيا يمكنها أن تخدعنا بإعطائنا إحساس كاذب بالأمن. ولكنها لا يمكن ويجب ألا تصبح بديلا عن الدبلوماسية الفعالة. كما أن القبة الحديدية التي استطاعت حماية الإسرائيليين من هذه الهجمات لحد الآن لن تنهي الصراع ولا السخط التي ولدت الرغبة في إطلاق هذه الصواريخ بلا رحمة من الأساس"، على حد قوله.
وكانت القبة الحديدية أصلا صممت لحماية إسرائيل من الصورايخ التي تطلق من لبنان ومن غزة، "ولكن ما كان نظام دفاع تكتيكي لحماية المدنيين مؤقتا من الهجمات أصبح استراتيجية بحد ذاته"، بحسب فورمر، مضيفا "قد يؤدي ذلك إلى تقويض أمن إسرائيل على المدى البعيد. فبتخفيف المخاطر التي تشكلها حماس وحزب الله مؤقتا قد ننسى أن نسعى للحصول على
حل سياسي عريض على مستوى المنطقة سيؤدي في النهاية إلى شل شبكات الإرهاب، ويجعل أنظمة مثل القبة الحديدية قابلة للنقاش".
وقال فورمر إنه "يمكن القول بأن حكومة نتنياهو طرحت الكثير من الأفكار البناءة لإعادة تفعيل عملية السلام مع الفلسطينيين. ومع وجود القبة الحديدية فما الذي يحدوها لفعل ذلك؟ فما دام الشعب الإسرائيلي يعتقد أنه في أمان بفعل التكنولوجيا فلن يطلب من السياسيين القيام بحملات دبلوماسية لإنهاء العنف الذي برر الشروع بتطوير القبة الحديدية أصلا. وما فعلته القبة الحديدية هو أن حولت واقع مريرا إلى محنة يمكن تحملها، ولذلك فقد الإسرائيليون الشعور بالضرورة التي كانت قد تؤدي بحكومتهم لتقديم تنازلات أليمة إن احتاج الأمر مقابل السلام".
وأضاف في مقاله أن هناك مقارنة أمريكية مناسبة، فعندما كان ريغان يسعى لتحقيق (مبادرة الدفاع الاستراتيجي) والمعروفة بحرب النجوم في بداية الثمانينات من القرن الماضي، كان يريد أن ينهي موضوع الردع النووي والخوف من -الدمار المتبادل المؤكد- عن طريق جعل الصواريخ الروسية غير فاعلة، ولكن مبادرة الدفاع الاستراتيجي كانت وسيلة وليست غاية، وكان من المفروض أن تكون وسيلة أخرى للضغط على قيادة الاتحاد السوفييتي للجلوس على طاولة المفاوضات.
ومع أن هناك خلاف بين المؤرخين عن مدى فعالية المبادرة في إنهاء الحرب الباردة، "إلا أنه مما لا خلاف عليه أن حسنت من وضع أمريكا على طاولة المفاوضات، وأدت إلى اتفاقات الحد من الأسلحة، وخففت من حدة التوتر بين القوى العظمى، وساعدت في النهاية على سقوط الستارة الحديدية"، وفق فورمر.
وختم في مقاله بالقول: "يخشى على الإسرائيلين أن يهملوا هذا الدرس من التاريخ إذا خلطوا بين التفوق العسكري قصير المدى الذي تقدمه القبة الحديدية، والحاجة إلى حل سياسي طويل الأمد، حيث لن يكون هذا مهزلة بل ستكون مأساة".