حين انتشر الفيديو وشاهده بعضنا وهاله هول ما رأى من سفالة ووحشية وانحطاط يصعب أن يصل إليه الإنسان في ظروف عادية، فتاة يحيط بها عشرات الشباب، يجردونها من ملابسها، تصرخ، تستنجد، تتوسل لهم، وما من مجيب، الكل ينهش جسمها، في غل يتجاوز شهوة مريض أو محروم، كان السؤال الأكثر إلحاحا: كيف يصل المرء إلى هذه الدرجة من التدني؟
المصريون، ملوك "الجدعنة"، ليست مبالغة، إلى وقت قريب كان فينا من يستحيل عليه مهما بلغ من تدن أخلاقي أن يسمع ويرى توسلات فتاة بمفردها بين عشرات الذئاب دون أن يجيبها، اليوم لم تزدهم توسلاتها إلا عهرا، ما الذي حدث، انهمرت التحليلات في الأيام القليلة الماضية في محاولات جادة للبحث عن جواب، دون جدوى.
جاءتني الإجابة دون افتعال لأسباب ما ورائية من فيديو آخر، لا يقل عهرا، لميس الحديدي تتصل بإحدى الفتيات اللائي تعرضن للتحرش في الميدان لكن ليس بالقدر الذي تعرضت له فتاة التحرير، الفتاة أخبرت "لميس" بوقائع المواجهة الأولى بين فتاة التحرير وأحد الجناة، انهارت الفتاة حين تعرفت إليه في مكتب رئيس المباحث، هذا الشاب الذي أمسكوا به لم يكتف بمحاولة انتهاك عِرض الفتاة المسكينة في الميدان لكنه أيضا أطفأ في عينها سيجارة وهو يصرخ في وجهها: يا كافرة ..!!
حاول أحدهم أن يطرح عليه السؤال نفسه: لماذا فعلتم ما فعلتم بكل هذه الوحشية، لماذا حاولت المشاركة في اغتصابها ولم تحاول إنقاذها، لماذا أطفأت في عينها السيجارة بكل هذا الحقد والغل، لماذا قلت عنها أنها كافرة؟ ... ألف لماذا، وأخيرا أجاب الشاب: أخبروني إنها إخوانية!!!
لميس الحديدي تلقت الإجابة بصدمة أسكتتها، نظرت إلى الأرض ولم تستطع مواجهة الكاميرا لثوان، فيما ظلت جملة الشاب ترن في أذني لأيام، بات من السهل أن تخبر أحدهم أن فلانا إخوان، أو فلانة إخوانية، لتمنحه تصريحا غير مشروط بفعل أي شيء، من الاغتصاب إلى التعذيب إلى القتل .. افعل ما شئت فهو إخوان.
ربما يكذب الشاب، لكن، من أقنعه أن كذبته كافية لتبرير جريمته؟، لعله يستخدم أقرب الوسائل لإنقاذ نفسه، السؤال المنطقي الذي يلي إجابة الشاب: وهل يبرر كونها إخوانية أن تفعلوا بها هذا؟، لكن أحدا لم يسأله، ذلك لأن الجميع شارك في شحن ملايين المصريين طوال عام كامل حتى قيل على الشاشات أنهم بالفعل كفار ويستحقون الفرم، افرم يا سيسي، واستجاب السيسي وفرم الآلاف وأحرق جثثهم، ومن نجا من فرم السيسي فالناس أولى به.
فتاة التحرير ذبحت بدم بارد، وجرى انتهاك عرضها والتمثيل بها وإطفاء السجائر في عينها وكأنه مشهد مقتطع من أحد المعتقلات لكن في ميدان عام، وبدلا من الضابط السادي المجرم، عشرات المصريين، الشباب، يدفعهم غل وحقد جرى تكييفه على مقاس الحالة، وجاءهم محمولا على أجنحة الوطنية، كان كل منهم يفرغ شحنة آلاف البرامج، الصراخ، الأخبار، المقالات، التغريدات، التعليقات، الشحن الطائفي بكافة أشكاله، كانوا يندفعون بقوة آلاف الخطابات التي لم تكن كلها كاذبة لكن كذب أصحابها ونافقوا ودلسوا حين اختاروا لخطاباتهم هذا التوقيت الذي تنتظر الدولة فيه كل ما من شأنه أن ينال من الإخوان كي تغدق على صاحبه من بركاتها وينضم، شاء أم أبى، صَدق أم كَذب، إلى جوقة الطبالين، حتى الثوار الذين أُعدهم شرفاء تورط بعضهم في هذا الشحن من باب النقد، وضرورة التقويم، وأهمية أن نلفت أنظار الإخوان وسط هذه المعمعة إلى أنهم "ولاد ستين كلب" جرى تعبئة الجميع، ليس مستغربا أن تكون هذه النتيجة، ولئن رأينا فيديو فتاة التحرير، فما لم نره أكثر بكثير.
المشاركون: شيوخ باعوا دينهم بدنيا غيرهم، وتطوعوا بفتاوى التكفير الضمني والصريح، وطوعوا النصوص، والتاريخ، ليتحولوا إلى جناح ديني للدولة العسكرية، صحفيون، كُتاب، إعلاميون، ثوار، إخوان منشقون، ساكتون، الكل شارك، والكل "قلوظ" لنفسه مبرراته، وسكّن ضميره بما تيسر من مرارات الماضي القريب والبعيد، مقال لسيد قطب يمدح فيه العسكر ويبرر لهم قد يصبح تكأة للتبرير للعسكر الآن انتقاما من سيد قطب، تويتة للمغير أو لغيره من المهاويس ربما يكون ثمنها في مكان آخر عِرض فتاة، تصريحات سافلة بأن السيسي وزير بنكهة الثورة، وأن الشرطة في القلب من ثورة يناير يجري استدعائها في سياقات الحديث عن مجزرة رابعة وحرق الجثث ربما تهديء من خواطر الناس وتقنعهم أن حرق البسطاء كان جزاء ما اقترفت أيدي وعقول قياداتهم.
لا تسمح لنفسك باستنكار ما فعله حيوانات الميدان بالفتاة، فقد أخبروهم أنها إخوانية، ألم تخبرهم بدورك؟ .. ربما فعلت وأنت لا تدري أنك تشارك في حفل الاغتصاب .. اغتصاب وطن بأكمله، نكاية في الإخوان!.