اتهم عضو لجنة الدفاع بالبرلمان
الجزائري، حسن عريبي، في تصريح حصري لصحيفة"عربي21" الأربعاء، وزير الدفاع الجزائري بفترة التسعينيات، خالد نزار، كونه المسؤول عن "إقصاء وتهميش" تعيشه فئة من العناصر التي نشطت سابقا ضمن "الجيش الإسلامي للإنقاذ"، واستفادت من تدابير "المصالحة الوطنية" التي أقرها الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، العام 2005، "دون أثر إيجابي" على هذه الفئة.
ورفع الأربعاء، عدد من "واضعي السلاح" المستفيدين من المصالحة الوطنية، بالجزائر إلى الرئيس بوتفليقة، لائحة مطالب، ضمن وثيقة تحصلت "عربي21" على نسخة منها، وضعها على طاولة أحمد أويحي مدير ديوان الرئيس، المكلف بمشاورات
المراجعة الدستورية الجارية منذ قرابة أسبوعين، الهاشمي سحنوني، أحد مؤسسي "الجبهة الإسلامية للإنقاذ"، بمناسبة لقاء المشاورات الدستورية التي دعيت إليها قيادات "الجبهة" الممنوعة من النشاط.
وأهم مطلبين من المطالب الواردة بالوثيقة، مطلب "ترقية المصالحة الوطنية إلى عفو الشامل واستحداث وزارة خاصة بمعالجة قضايا المأساة الوطنية".
وقال المسلحون السابقون، في الرسالة، التي تسلمها أحمد أويحي، مدير ديوان الرئيس الجزائري، عبد العزيز بوتفليقة، "إننا نعد أنفسنا من ضحايا المأساة الوطنية التي عصفت ببلادنا زهاء عقدين من الزمن، وبعدما وضعنا السلاح وانخرطنا بالمصالحة الوطنية، وجدنا أنفسنا نعاني الإقصاء والتهميش والحرمان، وهذه المؤشرات لها مفعول مزدوج وسلبي، إن لم تؤخذ معالجتها بجدية وصرامة وحزم، بعيدا عن التعامل الإداري وبعض المسكنات والمهدئات".
وأورد هؤلاء في نص الرسالة التي وقعها تسعة أفراد من مختلف جهات الوطن، سبق وأن قاتلت ضمن صفوف "الجيش الإسلامي للإنقاذ"، وهو الجناح المسلح لـ"الجبهة الإسلامية للإنقاذ: "نتوسل إليكم أن تبادروا بمعالجة قضايانا معالجة جذرية وشاملة بما يحفظ لنا كرامتنا في بلدنا.. ونحن لا ندخر جهدا في ترقية المصالحة الوطنية إلى مستوى عفو شامل نطوي بموجبه صفحة سوداء قاتمة من تاريخ الجزائر ونفتح بدلها صفحة بيضاء".
ووقع "الجيش الإسلامي للإنقاذ" اتفاق الهدنة مع السلطة بالجزائر، ودخل حيز التنفيذ في كانون الثاني/ يناير من العام 2000، وبموجبه وضع الآلاف من عناصره، السلاح. وفي أيلول/ سبتمبر من العام 2005، دخل قانون المصالحة الوطنية حيز التنفيذ بعدما أقره الرئيس بوتفليقة.
لكن قيادات "الجبهة الإسلامية للإنقاذ" رفضوا القانون، بداعي "إقصاء عناصر الجبهة من العمل السياسي للأبد".
ويقول حسن عريبي، عضو لجنة الدفاع بالبرلمان الجزائري، وهو واحد ممن لعبوا دورا هاما في إقناع المسلحين بالنزول من الجبال ووضع السلاح، نهاية التسعينيات: "فعلا فهؤلاء المسلحون سابقا ما زالو مهمشين ومنبوذين من طرف الدولة، فلا حق لهم في بلادهم إلا حق التنفس، أما الحقوق المدنية والسياسية فهي غير موجودة إطلاقا".
ويضيف عريبي: "أعتقد أن رجالات السلطة خلال مرحلة التسعينيات وفي مقدمتهم الجنرال المتقاعد خالد نزار الذي كان وزيرا للدفاع يمسك كل السلطات بيده، مسؤول عن الوضعية التي يعيشها، سواء المسلحين السابقين أم قيادات الجبهة الإسلامية، بسبب الانقلاب الذي وقعه ضد الجبهة بعد فوزها بالانتخابات النيابية فوزا ساحقا العام 1991".
وتابع عريبي: "خالد نزار تحكم بالمؤسسة العسكرية واستعملها أداة للانتقام من الخصوم السياسيين، وعلى رأسهم قيادات الجبهة الإسلامية للإنقاذ، ممثلة في رئيسها عباسي مدني وعلي بن حاج، وكل من والاهم.. هذه الجبهة احتضنها الشعب وهو تصدى للشعب عن طريق الجيش".
وقتل خلال الأزمة الأمنية التي عصفت بالجزائر زهاء 200 ألف قتيل من جانب الجماعات المسلحة ومن قوات النظام.
وسجن كل من رئيس "الجبهة الإسلامية للإنقاذ عباسي مدني ونائبه علي بن حاج والعشرات من القيادات والأتباع" بداية من العام 1992، مباشرة بعد وقف المسار الانتخابي الذي حصدت فيه "الجبهة" 64 بالمائة من مقاعد
البرلمان، بموجب الانتخابات النيابية عام 1991.
لكن حسن عريبي يؤكد أنه" إذا أردنا القصاص العادل، فكان يفترض أن أول من يحاكم هو الجنرال خالد نزار لأنه كان السبب المباشر في
الأزمة الدموية التي تخندقت بها البلاد وسبب الدماء التي سالت بغزارة". بيد أن الأمل في ذلك يبقى ضعيفا بالنسبة له، خاصة عندما يؤكد أن "لا وجود لسلطة قضائية تطالب هؤلاء بالمثول أمام العدالة التابعة للحكومة وغير المستقلة".
ويتابع عريبي بأن "مطالب هؤلاء الذين وضعوا السلاح، مشروعة ومن حقهم الإدماج إدماجا كاملا ومن حقهم المطالبة بالعفو الشامل".
وطالب المسلحون سابقا، أيضا بـ "رفع المنحة المالية المخصصة لأرامل (المسلحين المقتولين) وأبنائهم من 10 آلاف دج، أي ما يعادل 100 دولار شهريا، إلى ما يكفيهم لسد حاجياتهم" و"تسجيل الأبناء المولودين في الجبال غير المسجلين في الحالة المدنية، مع منحهم منحا للعيش في إطار مسح آثار المأساة الوطنية".
وتكشف تقارير وجود 1613 يتيما ضحية "المأساة الوطنية"، منهم 1017 طفلا من "ضحايا الإرهاب" و596 طفلا من أبناء المسلحين.
وشدد أصحاب الرسالة على "عدم تسمية المستفيدين من المصالحة الوطنية بـ (الإرهابي التائب) في الإعلام والإدارات، بينما سجلت الوثيقة دعوة الرئيس بوتفليقة إلى استحداث وزارة خاصة بالمأساة الوطنية وترقية المصالحة إلى عفو شامل وطني لتشجيع من تبقى بالجبال ليعم الأمن والاستقرار".
ويعتقد بوجمعة غشير، الرئيس السابق "للرابطة الجزائرية لحقوق الإنسان" في تصريح لـ "عربي 21" الأربعاء، بأن "السلطات الجزائرية ملزمة بالتكفل بالمشاكل الاجتماعية والنفسية والتربوية لهؤلاء الأطفال والاعتناء بهم".
لكن المسألة السياسية الأهم بنظر السلطة في الجزائر، تتعلق بالعفو الشامل، ويعني العفو الشامل، الصفح عن كل من ارتكب جريمة خلال الأزمة الدموية، سواء من الجماعات المسلحة أم من قبل أعوان الأمن والجيش.
ويقول المحامي والسيناتور السابق مقران أيت العربي لـ "عربي 21"، إن "التاريخ كشف بأن جل الدول التي شهدت حروبا ومشاكل أمنية كالتي عرفتها الجزائر، تنتهج العفو الشامل كحل للخلاص من الأزمة"، إلا أنه يوضح أن "العفو الشامل كإجراء، لا يجوز أن يدخل قيد التنفيذ إلا بعد محاكمات قانونية عادلة وصدور أحكام نهائية في حق من ثبت تورطه في الأزمة الأمنية التي عرفتها البلاد".
ويرى أيت العربي أن العفو الشامل "لا يتخذ إلا بعد تسليم العناصر المسلحة أنفسهم لمصالح الأمن، كما أنه يجب على شيوخ
جبهة الإنقاذ المنحلة وكل المتورطين، أن يعلنوا أمام الشعب مسؤوليتهم فيما حدث في الجزائر منذ العام 1992".
ويعتبر بوجمعة غشير، أن العفو الشامل "لا يكون إلا بعد الحقيقة والعدالة"، ورافع عما أسماه بـ "العدالة الانتقالية" التي انتهجتها دولة جنوب إفريقيا. ويؤكد أنها الأنسب لجبر ضرر المتضررين، ويؤكد أن "اللاعقاب" لا يتماشى مع دولة القانون.
لكن فاروق قسنطيني، رئيس اللجنة الاستشارية لترقية حقوق الإنسان وحمايتها، التابعة لرئاسة الجمهورية بالجزائر، يرى عكس ذلك، ويؤكد لـ "عربي21"، أنه "بالعودة إلى التاريخ، نجد أن كل الحالات التي عرفت مثيلها بالجزائر، تنتهي الأزمات بالعفو الشامل، لكن يجب أن يكون عفوا بأتم معنى الكلمة".