يصعب إيجاد فوارق بين آخر "انتخابات " جاءت بالرئيس الكسيح في
الجزائر عبد العزيز بوتفليقة وما تشهده
مصر من "انتخابات" مشابهة، بنتائج متطابقة تأتي برئيس كسيح سياسيا واقتصاديا، يشعر بالحبور والسرور وهو يجلس على كرسي دفعت ثمنه أرواح آلاف البشر.
هنا يكمن الفارق، فشرعية كسيح الجزائر بنيت على وقف الحرب الأهلية التي أتت على أرواح مئتي ألف جزائري، ولو على حساب شرعية الصناديق التي جاءت بالجبهة الإسلامية للإنقاذ. على العكس تماما يتعرى بشار والسيسي من الشرعية بسبب إشعالهما لحرب أهلية أودت بحياة الآلاف. وليس مهما الفرق بين من قتل مئتي ألف سوري أو آلاف المصريين، فقبل تسلح الثورة السورية كان معدل القتل عند بشار مشابه لمعدله عند السيسي.
الانتخابات المصرية عبرت عن فضيحة لا تنافسها إلى الفضيحة السورية التي تجري في غضونها. فالمقاطعة هي السلاح الأمضى الذي يشهره الضحايا في وجه فجور الطغاة الذين يريدون منهم الرقص في مجالس عزاء أبنائهم. بشار الأسد الذي دخل التاريخ باعتباره أول حاكم يشرد نصف شعبه ويحكم منذ اليوم الأول بشرعية دبابة والده، ودستوره الذي عدل في عشر دقائق لتخفيض سن الرئيس المعجزة والضرورة فصل مجددا على مقاسه لوضع ستار بالٍ على شرعية الدبابة ب"انتخابات". ليس مهما أن يقاطع سبعة ملايين مشرد سوري المهم أن تقام وصلة رقص أمام مقرات السفارات تشابه تلك التي تشهدها مصر أمام اللجان الخاوية.
على ما يبدو فإن الرقص هو جوهر "انتخابات" الطغاة الجدد، فأيام الطغاة القدامى كانت مسرحيات الانتخابات بدون وصلات الرقص. ولم يكن فيها خصما يراد إغاظته وقهره. كانت الانتخابات ضرورة شكلية تجري بوقار ديناصور. اليوم تضع الراقصة عيونها الوقحة بعيون أم شهيد أو سجين أو مفقود أو مهجر وطريد، وتلومها لأنها لا تشاركها الوصلة.
كان يكفي السيسي أن يواصل الحكم من مقر وزارة الدفاع بوجود رؤساء مؤقتين أو دائمين، فهو منذ اليوم الأول للانقلاب تعامل معه العالم باعتباره رئيس الأمر الواقع، ولم يكن قادة العالم يتعاملون بجدية مع عدلي منصور. كان يكفي بشار أن يبقى حاكما بقوة الأمر الواقع في بلد يستحيل إجراء انتخابات فيه. لكنهما أسسا لنهج جديد يعبر عن سادية مبالغ فيها. أقتلكم وأعتقلكم وأشردكم لا تصرخون ولا تلوذون بالصمت، عليكم أن ترقصوا وتعبروا عن فرحتكم بالجريمة التي ارتكبتها.
بعد انتهاء وصلة الرقص وإقفال الماخور الانتخابي يبدأ يوم جديد على الطغاة وعلى الضحايا. وكما يتفنن الطاغية في جرائمهم يبدع الضحايا في مقاومتهم. لم نشارك في الحفلة وعريناكم مجددا أمام العالم من حيث أردتم ستر عورتاكم تغيظ الضحية الجلاد من حيث أراد إغاظتها.
في مصر كانت حفلة "انتخابات" السيسي أكثر تعبيرا عن تحولات الشعب المصري بعد الانقلاب، فالمقاطعة فاقت توقعات المعارضين، وتأكد أن أزمة السيسي مع جيل لا مع فصيل، فالشباب غابوا تماما عن اللجان التي اقتصر حضورها على كهول متثاقلين أمضوا عمرهم في خدمة السيد وقلة من نساء منجذبات يعبرن عن مكبوت اجتماعي مجهول برقص غير مفهوم. بالنتيجة لم تغط "الانتخابات" على عورة الانقلاب بل عرته تماما. وعاد الجنرال إلى حجمه الطبيعي بعيدا عن الهالة التي وضعها به الإعلام. أنه مجرد ضابط لا يستطيع تركيب جمله على الهواء لا بلغة عربية ولا إنجليزية، وما سجل له من روائع مع مريديه فاجأ الجميع بضحالة في التعامل مع مشاكل السياسة والاقتصاد تنذر بالأسوأ الذي ينتظر مصر. وهو ما لا يستحق الرقص .