صحافة إسرائيلية

محلل إسرائيلي: إقالة الأمير بندر تمت بطلب أمريكي

هآرتس: بيان إعفاء بندر أنهى الدارما الجارية في البلاط الملكي - (أرشيفية)


شكك الكاتب الإسرائيلي تسفي برئيل بالأسباب المعلنة لإعفاء الأمير بندر من منصبه، وفقا لبيان الديوان الملكي السعودي الأخير.

وقال برئيل، محرر الشؤون العربية في صحيفة هآرتس، إن بندر أعفي لنزع خلاف الرياض مع واشنطن بعد طلب أوباما من الملك إحالته على التقاعد لتهدئة الالتهاب الذي اشتعل في علاقات الدولتين. 

وفيما يلي نص مقال برئيل على صحيفة هآرتس الإسرائيلية 20/4/2014:

النبأ الرسمي الذي نشر هذا ألاسبوع باسم عبدالله ملك السعودية اكتفى كالمعتاد، بتقرير موجز عن "الإعفاء بناء على طلبه" لبندر بن سلطان، من منصب رئيس المخابرات واستبدال الجنرال يوسف الإدريسي به. ظاهرا، هذا تغيير آخر في المناطق ينفذه الملك في السنتين الأخيرتين. كما أن التفسير هو الآخر عادي ظاهرا، وذلك لأن الأمير بندر ابن الـ 65 يعاني من عدة أمراض. وقد خضع في الأشهر الأخيرة لعلاج طبي في الولايات المتحدة، وأمضى بعد ذلك فترة الشفاء في المغرب. ولكن بندر الذي عين قبل سنتين فقط في منصبه لم يتطوع للاستقالة، ومشكوك أن يكون توقع البيان الملكي الذي أنهى -مؤقتا على الأقل- الدراما الجارية في البلاط الملكي منذ سنة. 

في نهاية شهر آذار هبطت طائرة الرئيس أوباما في الرياض في محاولة لتحسين العلاقات مع المملكة التي بدأت تبرد منذ شهر تشرين الأول، عندما كانت المفاوضات بين القوى العظمى الستة وإيران في مسألة النووي على وشك الاختراق الذي أدى إلى الاتفاق المرحلي. وقد هزت قصة الغرام الأمريكية – الإيرانية المملكة التي ترى في إيران خصما ومنافسا سياسيا، دينيا وأيديولوجيا، ليس فقط في الشرق الأوسط، بل وفي وسط آسيا أيضا. 
 
الأمير بندر، ابن من كان ولي العهد، سلطان (الذي كان لنحو نصف يوبيل وزير الدفاع في السعودية وقائد الجيش في فترة حرب الخليج الأولى) أصدر عندها بيانا غير مسبوق جاء فيه أن السعودية ستنظر في انعطافة في سياستها تجاه الإدارة الأمريكية. فتأهبت واشنطن، حيث أن أوباما على علم جيد بخيبة الأمل السعودية من قراره عدم الهجوم في سوريا في أعقاب استخدام السلاح الكيميائي، كما أنه يعرف الإحباط السعودي عن عجز الإدارة في معالجة النزاع الاسرائيلي – الفلسطيني، الإحباط الذي نجح في أن يهدئ قليلا منه بفضل نشاط وزير الخارجية جون كيري. ولكنه تبين للإدارة الأمريكية أغلب الظن بأن الأمير بندر ينتقد سياستها بالذات على مسمع من الخصوم الجمهوريين، ويشجعهم على مهاجمة سياستها من على كل منصة ممكنة ولا سيما في الكونغرس. 
 
وحسب تقارير في السعودية، فقد كان الرئيس أوباما هو الذي طلب من الملك إحالة بندر من منصبه كي يهدئ الالتهاب الذي اشتعل في علاقات الدولتين. 
 
بندر، الذي خدم كسفير للسعودية في واشنطن على مدى 22 سنة، وعاد إلى وطنه في العام 2005 كان دوما رجل بوش – الأب والابن. بل إنه في واشنطن حظي بلقب "بندر بوش". وبين عائلة بوش والأسرة المالكة نسجت على مدى السنين علاقات تجارية واسعة ومنفعة متبادلة، شخصية وسياسية، جعلت السفير الملياردير وجه السعودية في الولايات المتحدة. وتمتعت السفارة السعودية في عهد ولايته بحماية دائمة من الجهاز السري، وكان لبندر قدرة وصول حرة في كل وقت إلى الغرفة البيضوية. وعندما وقعت عمليات 11 أيلول، كان بندر هو الذي نجح، بخلاف موقف الـ اف.بي.آي، في نيل إذن خاص لنقل الطلاب السعوديين إلى السعودية في الوقت الذي حل فيه حظر طيران في كل الولايات المتحدة. زوجة بندر، الأميرة هيفاء، اشتبه بها في حينه بعلاقة مع الوسيط ورجل الأموال اللذين عملا في خدمة القاعدة، ولكن التحقيق توقف. 
 
انتخاب أوباما لم يجمد العلاقات بين العائلتين، ولكن البيت الأبيض أصبح غرضا مشبوها. ورغم أن التجارة بين الولايات المتحدة والسعودية تطورت، والسعودية التي تحتفظ بأرصدة عملة صعبة بحجم نحو 650 مليار دولار، استثمرت مالا طائلا في سندات الدين الأمريكية، أثارت سياسة أوباما في الشرق الأوسط قلقا بلغ ذروته في ثورة 25 يناير في مصر. واعتبر تأييد أوباما غير متحفظ لحركات الاحتجاج ودعوته مبارك إلى ترك كرسيه، في نظر السعودية كخيانة سواء على المستوى الشخصي أم على المستوى الأيديولوجي. ثورة محبي الديمقراطية التي من شأنها أن تنتقل إلى دول الخليج، هي آخر ما يتمناه الملك. 
 
بعد أربعة أيام من بدء المظاهرات في مصر، حذر عبدالله أوباما من الضغط على مبارك للاعتزال، والسماح له بأن يشرف على إجراءات التحول الديمقراطي في الدولة وأن يعتزل بعد ذلك فقط. وتعهد عبدالله أيضا بأنه إذا ما أوقفت الولايات المتحدة مساعدتها لمصر فإن السعودية ستملأ مكانها. وتعاظم الضغط السعودي عندما حظي الإخوان المسلمون في الانتخابات الأولى للبرلمان المصري بعد الثورة بأغلبية ساحقة، بل وأكثر من ذلك عندما فاز محمد مرسي بالسباق للرئاسة. وسمعت المدائح التي أطلقتها الإدارة الأمريكية في حينه عن المسيرة الديمقراطية في مصر مثابة الشتيمة في آذان السعودية. ويعد التأييد الأمريكي لحكم الإخوان المسلمين دعوة تشجيع للإسلاميين في المملكة، والذين تدور ضدهم منذ بضع عشرات السنين معركة ضروس مضرجة بالدماء والضحايا. 
 
وتنفست السعودية الصعداء عندما عزل مرسي في حزيران 2013 واستولى الجيش على الحكم، ولكن التلوي الأمريكي وموقف الكونغرس والإدارة ضد ما اعتبر بشكل غير رسمي كانقلاب عسكري، وحررت كل كوابح الإعلام السعودي حين غمر هذا المجال العام العربي بانتقاد لاذع للرئيس الأمريكي باراك أوباما. 
 
وبينما الخلاف مع واشنطن هو كالزيت في عظام بندر، فإن الجدال في البيت الأبيض بدأ يكثف السحب من فوق رأسه. بندر، كرئيس للمخابرات كان مسؤولا أيضا عن سياسة السعودية في سوريا. وكان هو الذي وجه المملكة نحو موقف حازم طالب بالتدخل العسكري، العربي والدولي. ومارس ضغطا سعوديا على الأردن كي يكون ليس فقط قاعدة لتدريب الثوار بل ومنطلقا لهجوم عسكري ضد نظام الأسد. ووجد بندر مصادر تسليح في أوكرانيا ودول أخرى، ونقل تمويلا سخيا لجماعات الثوار. 
 
ولكن في ذات المعركة شجع أيضا متطرفين سعوديين للخروج إلى الجهاد ضد الأسد. وطور في سوريا بعضا من الميليشيات المتطرفة التي يرتبط بعضها بعلاقات طيبة مع القاعدة. ونال بندر بالفعل إسنادا من الملك، ولا سيما لأنه وعده بأن هزيمة الأسد قريبة. 
 
أثارت رعاية الثوار السعوديين قلقا عميقا في قلب وزير الداخلية شديد القوة، الأمير محمد بن نايف، الذي كان أبوه وزير الداخلية وقبل أن يموت كان أيضا بين المرشحين لخلافة الملك عبدالله. محمد، مثل أبيه، أدار صراعا لا هوادة فيه ضد المنظمات المتطرفة في السعودية بل ونجح بقدر واضح في تقليص الإرهاب الإسلامي في الدولة، لدرجة أن قيادة القاعدة السعودية اضطرت إلى الهجرة وإقامة قاعدة لها في اليمن. 
 
ويتمثل تخوف محمد بن نايف في أن يعود أولئك السعوديون الذين يقاتلون في سوريا إلى وطنهم ليبثوا روح الحياة في الإرهاب الإسلامي. وطالب بالكف عن إرسال المتطوعين بل وأصدر أمرا يحظر على أبناء السعودية الخروج إلى الحرب في سوريا. 
 
وهكذا فقد اصطدم جبهويا مع بندر وانتصر. في شهر شباط قرر الملك نقل "ملف سوريا" من يد بندر إلى يد محمد الكفيل هو نفسه أن يكون المرشح لخلافة الملك. وفي نفس الوقت عين عبدالله الأمير مقرن، الابن الأخير للملك عبدالعزيز، ولي عهد لولي العهد الأمير سلمان المريض بـالزهايمر. وكان مقرن هو رئيس المخابرات الذي حل بندر محله في تموز 2012، التغيير الذي نبع أيضا من الاخفاق في إدارة السياسة السعودية في سوريا. 
 
يبدو مقرن في هذه اللحظة بأنه المرشح المتصدر للخلافة، وإبعاد بندر يأتي لتهدئة تراشق الضربات السياسية في البلاط الملكي. وسيكون الخلاف المتوقع التالي أغلب الظن بين الأمير محمد وبين مقرن، والسؤال هو إذا كان الملك ابن التسعين ترك منذ الآن وصية تضم اسم الملك التالي.
 
ستكون هذه هي المرة الأخيرة التي يقرر فيها الملك خليفته. فالملك التالي سيضطر للتشاور وإلى أن يحصل على تخويل لجنة الأمناء التي تضم 35 عضوا، وكلهم من أبناء العائلة الملكية. 
 
يمكن لواشنطن على الأقل أن تكون هادئة؛ فمعارضوها في البلاط الملكي قلوا، ويبدو أن الملك أيضا يفحص حلم إسقاط بشار الأسد بعينين مفتوحتين. وهي الآن تنتظر أيضا الخليفة آملة بأن يكون هذا هو الأمير محمد، الذي ارتبط بعلاقات وثيقة بها وأصبح رجل سر أوباما.