نشرت صحيفة "الغارديان" مقالا للمهندس
المصري محمد الشاهد حول صفقات الإعمار التي وقعتها حكومة الانقلاب في مصر مع شركات خليجية لبناء مجمعات سكنية فاخرة في القاهرة "على حساب المهمشين الذين سيزدادون تهميشا"، على حد قول المهندس.
والمهندس الشاهد طالب في الدكتوراه بقسم دراسات الشرق الأوسط بجامعة نيويورك، مقيم بالقاهرة.
وقال الشاهد في مقاله إن مؤسسة "إعمار" التي أنشأت وتدير برج خليفة في دبي، وقعت عقدا مع وزارة الدفاع المصرية في منتصف شهر شباط/ فبراير، لإنشاء ما يسمى "
ميدان إعمار"، الذي سيكون محور مشروع إنشائي متعدد الإستخدام -وحدات سكنية خاصة وملعب غولف وأسواق للبضائع العالمية الفاخرة- كجزء من مشروع "إعمار" الخاص لمجمع "أب تاون كايرو".
وأشار إلى أن وزارة الدفاع المصرية والتي تملك الأراضي الشاسعة التي سيقام عليها المشروع، هي أكبر مالك ومدير للأرض في مصر، وأصبحث كذلك عام 1997، عندما صدر مرسوم جمهوري أعطى الجيش المصري الحق في إدارة كل الأراضي غير المطورة وغير الزراعية في البلاد، وهو ما يشكل 87% من أراضي مصر بحسب أحد التقديرات.
وتابع: "في القاهرة ترى قطعا من الأراضي في مناطق مهمة محاطة بالجدران وعليها أبراج حراسة ويمنع تصويرها، وتعرف بأنها مناطق عسكرية مع أنه لا يوجد أي أنشطة عسكرية فيها (...) هي قطع أرض فارغة تنتظر دورها لتتحول إلى فنادق وشقق فاخرة للضباط ومولات راقية".
ومشروع ميدان إعمار -بحسب المهندس- هو آخر وأضخم مشروع إنشائي تؤمنه المؤسسة العسكرية، ويتوقع أن يتم وصل المشروع بشبكة الشوارع في القاهرة عن طريق شارع خاص غالبا ما سيتتطلب "تطهير" المنطقة من بيت الفقراء، في منطقة جبل الأحمر، "حيث أن للجيش المصري تاريخ طويل في طرد السكان، وأحيانا باستخدام القوة المميتة عندما يتعارض وجودهم مع مصالح خاصة، ودائما ما تعطى تبريرات أمنية لذلك".
ويعلق الكاتب بأن صرخات "عيش، حرية، عدالة اجتماعية"، لن تسمع من هذا الشارع الخاص، كما سمعت في ميدان التحرير، فبعد ثلاثة أعوام على الثورة عادت الأمور إلى ما كانت عليه، "والسؤال الذي يجب أن يطرح هو: كيف وصلنا من ميدان التحرير إلى ميدان إعمار؟".
ثم يقول إن الثورة المصرية لم تناقش أبدا على أنها "نضال حضري"، لأنه يسعى لتفكيك الآليات التي أنتجت هذه البيئة الحضرية الغير متوازنة.
فأحداث ميدان التحرير كانت احتجاجا على الاختلال البالغ في التطوير في مصر، حيث تهمل الدولة الأكثرية الحضرية، بينما تقدم التسهيلات للمستثمرين من الخليج والمؤسسات المرتبطة بالمؤسسة العسكرية.
وأضاف أنه في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك، قامت الدولة ورجال أعمال بطرح ما يسمى مشروع القاهرة 2050، هذا المشروع الذي كان سيشرد آلاف العائلات بتحويل المدينة إلى جيوب من مشاريع السكن الفاخر، وملاعب الغولف ومراكز التسوق، وكان الاستثمار في معظمه من الكويت والسعودية والإمارات، حيث كان النظام السابق مصر على نسخ تجربة دبي في القاهرة.
"لكن الثورة تسببت بقلب الموازين"، قال الشاهد، مضيفا أن "قطر هي من تدعم الإخوان وليست السعودية والإمارات والكويت، ولكن ومنذ الانقلاب العسكري تغيرت الموازين مرة أخرى، وعاد مشروع القاهرة 2050، بما في ذلك مثلث ماسبيرو، وأب تاون كايرو".
ولكن من يأخذ مدينة دبي كمثال يجب أن يحتذى في كل المنطقة فلا يرى الفروق في البيئة الحضرية، بحسب الشاهد، فإن "تطبيق هذا النموذج في القاهرة حيث يمتلك الجيش القوة والمال سيكون له آثار كارثية على أغلبية سكان المدينة، حيث سيهمشون ويشردون عند الحاجة، ويجبرون على العمل في ظروف غير مقبولة".
وعن أهمية المشروع بالنسبة للجيش، يقول الكاتب أن تسليم مثل هذا المشروع لشركة خاصة مثل "إعمار"، بحيث تقوم بكل شيء يريح الحكومة من تقديم الخدمات البلدية في الوقت الذي يستطيعون فيه تسويق المشروع على أنه مشروع تطوير للبلد، وفي الوقت ذاته يوفرون وظائف سهلة للجنرلات المتقاعدين الذين تتزايد أعدادهم.
الأمر الآخر أن العقد مع "إعمار" غير ديمقراطي وغير ثوري، حيث يحظى بموافقة كل من وزارة الإسكان ووزارة التطوير المحلي ووزارة الاستثمار، وسلطات القاهرة المحلية ما يعني أن إعمار تستطيع انشاء الشارع الخاص، بينما فشلت هذه الوزارات في حل المشاكل الحضرية في مصر، والتي نتج معظمها بسبب عدم كفاءة وعدم محاسبة هذه المؤسسات، وفق الشاهد.
وفشلت مؤسسات الدولة منذ السبعينات من تقديم الخدمات أو إنشاء نظام إدارة حضري أو إعداد خطط تطوير، تسمح لرأس المال المحلي بالنمو، وبدلا من ذلك اجتمعت هذه المؤسسات لتمنح "إعمار" ترخيصا لبناء شارع خاص إلى مدينة خاصة.
وأضاف الكاتب أن الجيش في مصر يحمل السلاح في المناطق المدنية ولديه النفوذ والإمكانيات المادية لفرض الشكل الذي تكون عليه المدن وهذا يعني أنه لو وقف الناس يعترضون الجرافات العسكرية التي أتت لهدم بيوتهم "غير القانونية" فإن هؤلاء السكان سيتعرضون للمحاكمة في محاكم عسكرية بتهمة إعاقة عمل الجيش.
وقال إنه لم يعد معظم المصريين ينظرون إلى المدينة كفرصة اقتصادية، فالأرض هي أحد السلع التي يحتكرها الجيش، كذلك العقود الحكومية بمليارات الدولارات، "التي تعقد مع متعاقدين عسكريين دون طرحها للمناقصة من بناء الشوارع إلى تنظيف الأحياء الفقيرة إلى إعادة التطوير".
والعقد الذي وقع حديثا مع شركة "أبتك"
الإماراتية بـ 40 مليار دولار لبناء مليون وحدة سكنية لذوي الدخل المحدود هي المثال الأخير على كيفية تحكم عصبة صغيرة بشكل البيئة الحضرية في مصر.
والشبكة تحتوي على شركات ذات علاقة بجنرلات حاليين أو سابقين تنتج مواد البناء الرئيسية من اسمنت وطوب والتي تستخدم في بناء الشقق الفاخرة إلى المجمعات السكنية التي بدأت تمتد إلى الأراضي الزراعية.
وتابع أنه بعد استقالة الحكومة المؤقتة السابقة، والتي كان ابراهيم
محلب وزير إسكان فيها، وتعيينه بعد ذلك رئيسا للوزراء، قام محلب بتعيين مصطفى مدبولي، أحد أبرز شخصيات القاهرة 2050، وزيرا للإسكان "فهل سيقوم هؤلاء الخبراء بخدمة أغلبية السكان في المدينة؟ أم أنهم سيخدمون شبكة نفوذ سياسي ومالي ضيقة؟ كل ما تحتاجه للإجابة عن هذين السؤالين هو ميدان إعمار".