حقوق وحريات

هل تزايد حالات الإعدام بإيران له دوافع سياسية؟

(تعبيرية)
من بين الأقلية العربية الصغيرة التي تعيش في جنوب غرب إيران اشتهر هاشم شعباني بأنه مدرس وشاعر ونشط في مجال الحقوق المدنية .. لكنه كان في نظر السلطات مصدر خطر.

اعتقل شعباني (32 عاما) في شباط/ فبراير 2011، واتهم بالانضمام لجماعة انفصالية مسلحة.

لم يكن بمقدور أسرته الاتصال به إلا في أضيق الحدود.

وفي أواخر كانون الثاني/ يناير تلقت الأسرة نبأ صادما.. أعدم شعباني.

قال صديق له طلب عدم نشر اسمه لأسباب أمنية "دفعني هذا للتساؤل.. لماذا نعيش في مجتمع تقع به مثل هذه الأشياء (...) وجعلني أيضا أرى أن أمامنا شوطا طويلا قبل أن نصل للديمقراطية والحرية".

ومنذ تولى حسن روحاني -وهو شخصية معتدلة نسبيا في إيران- الرئاسة في آب/ أغسطس الماضي حدثت زيادة في حالات الإعدام إذ تم تطبيق أحكام الإعدام بحق 537 شخصا على الأقل خلال الأشهر الثمانية الماضية، منهم نحو 200 أعدموا منذ بداية العام، وفقا لأرقام مركز توثيق حقوق الإنسان في إيران.

وكان 624 شخصا قد أعدموا خلال عام 2013 بأكمله، حسب بيانات جمعتها الأمم المتحدة.

ويخشى بعض دعاة حقوق الإنسان وغيرهم أن يكون المعارضون لروحاني ومفاوضاته مع القوى الغربية حول برنامج إيران النووي يسرعون من عجلة الإعدام لإضعاف الرئيس.

وقال المدير التنفيذي للحملة الدولية لحقوق الإنسان في إيران، هادي قائمي، "الأمر أقرب إلى كونه تهديدا من جانب المتشددين الأيديولوجيين الذين يريدون أن يظهروا أن انتخاب روحاني لن يؤثر على سياساتهم الداخلية".

وأضاف "هم يعلمون أن هذه الإعدامات ستكون محل متابعة وثيقة وإدانة من جانب المجتمع الدولي. إنهم يحاولون إضعاف روحاني محليا ودوليا".

ولقيت الزيادة في حالات الإعدام إدانة بالفعل من قبل الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون وكبار مسؤولي حقوق الإنسان بالمنظمة الدولية.

وفي الخريف الماضي قال علي يونسي مستشار روحاني لشؤون الأقليات العرقية والدينية، أمام مجموعة من زعماء الأقليات، إن "متطرفين" وراء تسارع وتيرة إعدام السجناء الأكراد، وذلك حسبما ورد في تقرير نشره موقع "روز أونلاين" الإخباري.

لكن متشددي إيران دأبوا على إعدام من يرونهم خطرا على النظام.

ففي 2010، وبعد انتفاضة أعقبت إعادة انتخاب محمود أحمدي نجاد -وهو شخصية محافظة- للرئاسة طالب رئيس مجلس صيانة الدستور بإعدام المزيد من المحتجين.

ومجلس صيانة الدستور، هو الجهة التي تستبعد دائما ذوي الفكر الإصلاحي من الترشح للبرلمان.

ولم يحرك تزايد حالات الإعدام ساكنا لدى الزعيم آية الله علي خامنئي، الذي يملك سلطة كبح المتطرفين في الهيئة القضائية وغيرها، وصاحب الكلمة الفصل في كل شؤون الدولة.

ولقي روحاني دعما من خامنئي فيما يتعلق بالتفاوض مع الغرب، ويعتقد البعض أنه لم يفعل شيئا حيال الإعدامات، لإحداث توازن يرضي المحافظين.

وقال تريتا بارسي رئيس المجلس الوطني الإيراني الأمريكي: "خامنئي هو من يمسك برمانة الميزان (...) هو بحاجة لأن يتأكد من أن شخصا ما لن يحظى بشعبية وقوة على نحو يمكن أن يهدده".

وكثيرا ما أصدر القضاء الإيراني أحكاما بالإعدام منذ الثورة الإسلامية عام 1979.

وفي السنوات الأخيرة جاءت إيران في المرتبة الثانية بعد الصين، فيما يتعلق بأحكام الإعدام، وفقا لمنظمة العفو الدولية.

وكان معظم هذه الأحكام في حق مدانين في قضايا مخدرات، لكن نشطاء في مجال حقوق الإنسان يقولون إنه تم أيضا إعدام كثيرين من المعتقلين في قضايا سياسية، في خطوة تبعث في طياتها برسالة فيما يبدو.

وفي تشرين الأول/ أكتوبر الماضي حكمت السلطات القضائية في جنوب شرق إيران بشنق 16 سجينا فيما وصفه المدعي المحلي بأنه "جزاء من جنس العمل"، على هجوم نفذه متمردون في اليوم السابق وقتلوا فيه 14 من حرس الحدود.

وهناك سجناء من الأغلبية الشيعية في إيران يواجهون عقوبة الإعدام لاتهامات مرتبطة بالأمن أو بمخالفات دينية.

لكن الأقليات العرقية الإيرانية التي تشمل العرب في الجنوب الغربي والأكراد في الشمال الغربي والبلوخ في الجنوب الشرقي أهداف متكررة تخوفا من أي مطامح انفصالية قد تكون لديها.

حين اعتقل شعباني عام 2011 في بلدة رامشير بجنوب غرب إيران كان يعمل في تدريس الأدب العربي بمدرسة ثانوية بالبلدة، وكان يروج للثقافة العربية من خلال منظمة "الحوار" (غير الحكومية) التي ساعدها على بدء نشاطها.

وكان أيضا يقرض الشعر وأحيانا شعرا سياسيا.

لكن صديق شعباني الذي عمل أيضا في منظمة "الحوار" قال إن صديقه لم يكن يطمح لأن يكون زعيما سياسيا، ولم يسلك طريق الصراع المسلح لاقتناص مزيد من الحقوق للأقلية العربية.

وأضاف "كان أكاديميا، ينصت أكثر مما يتكلم، إن كان في جمع".

وفي كانون الأول/ ديسمبر 2011 أذاعت قناة "برس تي.في" الإيرانية المرتبطة بالحكومة برنامجا ظهر فيه شعباني وهو يعترف بأنه كان على صلة بجماعة انفصالية مسلحة.

لكن صديقه ونشطاء حقوقيين يقولون إنه خضع لتعذيب بدني ونفسي طيلة أشهر.

وفي رسالة تمكن من تهريبها من السجن ونشرتها مواقع نشطاء في الصيف الماضي، أكد أنه بريء من التهم المنسوبة إليه.

لم يكن أحد من أصدقاء شعباني أو أفراد أسرته ليتوقع ذلك النبأ المشؤوم الذي جاءهم في أواخر كانون الثاني/ يناير، وفي نفس اليوم أعدم شاب آخر يدعى هادي راشدي، وكان قد اعتقل في نفس التوقيت الذي ألقي القبض فيه على شعباني، وفقا لرواية نشطاء حقوقيين على دراية بسير القضية.

وقال صديق شعباني إن أسرته تلقت تحذيرا من إقامة جنازة، وإن زوجته وابنته الصغيرة مازالتا بانتظار تسلم جثته.

ويقول مراقبون إن اهتمام روحاني منصب حاليا على المفاوضات النووية والعقوبات الاقتصادية، لكن تحقيق نجاح في هذه الساحة يمكن أن يكسبه قوة سياسية تتيح له مقاومة المحافظين في قضايا منها قضية الإعدامات.

وقال بارسي: "هناك تخوف مفهوم بين المحافظين الذين سجلوا نتائج سيئة جدا في هذه الانتخابات، من أنه إذا نجح روحاني فإن الانتكاسة السياسية التي عانوا منها قد لا تكون تغيرا مؤقتا في شعبيتهم أو سلطتهم السياسية، بل قد ينتهي الأمر لشيء أكثر ديمومة".

ومن المرجح في الوقت ذاته أن تزيد حالات الإعدام.

فقبل أسبوعين تم نقل اثنين من ذوي الأصول العربية متهمين بالانضمام لجماعة انفصالية مسلحة من السجن، الذي كانا محتجزين به، في جنوب غرب إيران إلى مكان غير معلوم.

وبعد قضية شعباني يخشى أقارب أحدهما ويدعى علي شيبيشات -وهو مزارع وأب لسبعة أبناء- من الأسوأ.

وتساءل أحد أقاربه المقربين "هل تم إعدامه؟ إلى أين أخذوه؟ لا نعرف ماذا نفعل.. هل هو حي أم أن علينا أن نعلن الحداد؟".