انتكاسة الإعلام
المصري بعد 30 يونيو، شدتني أوي العبارة دي وتحديدا "بعد 30 يونيو" وكأن الإعلام المصري كان قبل ذلك مثال يحتذى به وينافس المؤسسات العالمية. مع العلم أن الكثير من المؤسسات والوكالات العالمية تعاني انتكاسة.
الحقيقة أن الإعلام المصري دائما ومنذ
الفراعنة، وهو يعاني من تلك الانتكاسة. والإعلام المصري قديما و حاضرا ومستقبلا كان في نظري هو لسان الحاكم ليس إلا حتى وإن أرتدى لسان المعارضة لأنها دائما تكون في نطاق رسمه الحكام وهذا إتضح جليا في رموز الإعلام المصري فيما بعد 30 يونيو، فمن كان يهاجم نظام مبارك قديما أصبح اليوم من يدافع عنه وكأنه سيناريو أجاد كتابته الصانع.
إلى أن جاءت ثورة يناير مصاحبة معها ثورة جديدة في عالم الإعلام تابعت خلالها عن كثب الإعلام ومساراته جيدا وهنا تبدلت الفكرة لدى من إعلام يصنعه الحاكم إلى إعلام يصنعه المال، وخاصة إن تزاوج مع السياسة. فأصبحت صناعة تنحاز و تمثل في الأساس تطلعات واتجاهات القائمين عليها سواء كان حكام، معارضين، أو رجال أعمل لهم مصالح خاصة.
ولذلك أصيب الإعلام المصري إنتكاسة فوق الإنتكاسة وأصبح دائما يرفع شعار الإتجاه الواحد فقط!
يقال إن المقولة الشهيرة "إعطني إعلام بلا ضمير أعطيك شعبا بلا وعي" هي لجوزيف جوبلز وزير إعلام هتلر كما أنه اضاف قائلا "استمر بالكذب حتى يصدقك الناس". لكن في رأيي عند إعادة البحث والتدقيق سنجد كلا من العبارتين في الأساس حُفرت في نقوش على جدران المعابد الفرعونية.
الإعلام المصري أصبح صوت من يملك فقط فيدفع وكأن الضمائر أصبحت بالمال تُشترى أو صوت الحاكم لا غيره في الأنظمة القمعية، منذ أن كان عبارة عن "منادي" يجول متباهيا في الأسواق ليقرأ فرمانات الحاكم وما بها من ظلم وجور ويسرح خلفه عساكر الدرك تجلد كل من سولت له نفسه ولو مجرد التظاهر بالاعتراض، مرورا بالراديو أو كما سماه المصريون في حقبة الستينات (صندوق احمد) نسبة للإذاعي أحمد سعيد مذيع النكسة وصولا لماسبيرو الصرح الإعلامي شكلا الفارغ مضمونا.
ثم يأتي من يحدثنا الآن إما عن حرية الإعلام في مصر أو إنتكاساته فيما بعد 30يونيو، وكأنا نعيش في بلد غير البلد ونشاهد إعلام غير الإعلام.
عزيزي مدعي الحرية كما تقتنع أن ما تعرضه برامك التوك شو المصرية من أخبار هي حقيقة و إن كانت تخالف الواقع، يراها آخرين تحمل الكثير من التحريض و تشويه للحقائق لصالح إتجاه ما، كذلك تكون الرأي إتجاه وكالات الأنباء العالمية لأن كل منا لا يفضل (الإتجاه الواحد).
الإعلام في مصر دائما في إنتكاسه طالما الإعلامي هو لسان من يملك المصباح وعفريته فقط وإن ادعى غير ذلك، الإعلام في مصر تحول من رسالة و قيمة لسبوبة و بالتالي دخول السياسية في الإعلام هي أخصب تربة لتحقيق لهواه تحقيق ثراوات و إن كانت مقابل ضمائرهم.
واقعنا الحالي أصبح تربة خصبة للتخلص من أي قيم او مفاهيم و يأصل التزاوج بين الإعلام والسياسة، ولن تنتهي تلك الإنتكاسه و يتعافى الإعلام إلا بعزل جيل كامل من النشء وتربيته على القيم الصحيحة - ما يشبه المدينة الفاضلة لأفلاطون- ليصبح منهم الإعلامي و السياسي و الحاكم في تلك الحالة فقط يمكن أن تجد إعلام بالمعنى الأكاديمي وما تراه في مؤلفات جهابذة الكتاب اما في واقعنا الحالي واقع الاتجاه الواحد فهو أصعب المستحيلات.