كتب محمد الرميحي: ليس جديدا تأثير وترابط
حكم مصر علي
العرب, الجديد هو تسابق الأحداث في ظل وسائل الاتصال المتسارعة التي تجعل من نتائج ذلك الترابط واضحة جلية وسريعة في آن.
ما يحدث في الخليج اليوم من خلاف الأخوة الذي لم يسبق أن وصل الي هذا المستوي, هو بسبب ما يحدث في مصر. من هنا فحديثي عن( حكم مصر) هو حديث الداخل لا الخارج. حتي أصل إلي النقاط الجوهرية التي أرغب في طرقها, بعد إذن القارئ, أبدأ بما حدث ويحدث في أوكرانيا, فتلك الدولة بعد انفكاكها من الاتحاد السوفيتي السابق, وقيام شعبها بما عرف بالثورة البرتقالية عام2004, وصل الي الحكم فيها( كرئيس وزراء) فيكتور يانوكوفتش, بل كان مرشحا قويا لرئاسة الجمهورية, الرجل لم يوفق وقتها, ولكنه عاد من جديد للرئاسة في عام2010 من خلال صناديق الانتخاب, وتبين أن( صناديق الانتخاب) يمكن أن تأتي بمفسدين, بل حتي سفاحين مستبدين, لذا جاءت الثورة الثانية التي أطاحت بيانوكوفتش, ومازالت ذيولها الدولية تتصاعد أمامنا في طريق قد يأخذ العالم الي انقسام حاد جديد.
لا بد أن القارئ يتساءل ما لهذا وحكم مصر الذي تتحدث عنه؟ هنا بيت القصيد, فهناك شبه إجماع أن المشير عبد الفتاح السيسي هو القادم لسدة راسة مصر, هذا سر معلن, إلا أن الأهم من ذلك كيف سوف يسير حكم مصر بعد ذلك؟ هذا هو سؤال المليون كما تقول البرامج الشعبية!
التحدي الأكبر هو مفارقة تجربة الستين عاما الماضية- بحلوها ومرها أولا لأن بعضها كان يصلح لزمان غير زماننا, والثاني أن أدواتها لم تعد تصلح لمواجهة مشكلات اليوم والغد. فلا بد والأمر ذاك أن يفكر في طرق أخري, أوجز بعض أفكار لها في النقاط الست التالية.
أولا: أن الحكم المقبل ليس له قاعدة منظمة, له كثرة شعبية نعم, ولكنها غير منظمة, في الوقت أن الإخوان, ومنذ زمن, لهم تنظيم تراتبي محكم فوق الأرض وحتي تحتها, قد يكون ضعف, لكنه موجود, وهذا ما سهل في( حالة أوكرانيا) عودة فيكتور يانوكوفيتش علي حساب كثرة من الشعب الأوكراني الذي قام بالفعل بالتغيير, لكنه غير منظم, فقد فاز في النهاية من كان منظما( حزب يانوكوفيتش), هل هذا يجعل الصورة واضحة في الحالة المصرية, نعم, لأن الاخوان وصلوا الي حكم مصر, لا لأنهم قاموا أو قادو ثورة25 يناير, لأنهم فقط منظمون, مع شئ من عصير الليمون لبعض الليبراليين المنظرين! في مقابل جمع غفير عشوائي, فإذا كانت خارطة الطريق المصرية تسير الي صناديق انتخاب للبرلمان, فإن التنظيم في الغالب سوف يتفوق علي العشوائية!
ثانيا: تبين من مسيرة طويلة للديمقراطية خارج الدول الغربية الصناعية أنها( تتقدم لتنهار) وأن صناديق الانتخاب قد تقود في كثير من الأحيان الي الاستبداد والفساد المطلق, حتي في الغرب, كما يقول الملف الغني لمجلة الايكونوميست هذا الأسبوع أصيبت الديمقراطية بمقتل, لسببين رئيسين, انهيار في الاقتصاد, ضخم ومؤلم ومكلف. وهي ما تسمي أزمة2010,2008 ولا زال الغرب يعاني منها حتي اليوم.
والثاني قصور في ضبط العمل الديمقراطي( فساد اتباع رأي العوام) مما أضعف رقابة الدولة, فقامت المؤسسات المالية والقائمون عليها باستنزاف دافع الضرائب. هذا لا يعني أن فكرة الديمقراطية غير ذات معني, لكن يعني أن الديمقراطية ليست كل الحل, خاصة أن كانت مفرغة من محتواها, وأن صناديق الانتخاب ليست كل الترياق لحل مشاكل الشعوب, خاصة النامية, لقد تبين أيضا أن الديمقراطية الشكلية تفرز قيادات( من الدرجة الثانية) معطلين غير منجزين. لقد نصح الرئيس السادات إبان صراعه مع( مراكز القوي) عندما فكر أن يقول للشعب إنهم منعوه من مقابلة روجرز, نصح بأن يرفع شعار الديمقراطية, قبل النصيحة, لكن الناصح والمنصوح كانا علي علم أن ذلك للاستهلاك! وانتهي الأمر بديمقراطية السادات مبارك لاحقا الي طريق مسدود.
ثالثا: خفوت أو تراجع لمعان الديمقراطية كحل للمعضلات جاءته اعانات من أكثر من مكان, الأول سقوط الدول الديمقراطية أو أكثرها في الديون وتباطؤ الانتاج, والثاني وهو الأهم, صعود التجربة الصينية, فقد حققت التجربة الصينية تفوقا اقتصاديا, في حال تسريع الاقتصاد الأمريكي, فانه يحقق مضاعفة الدخل القومي كل ثلاثين عاما, في حين ان الصين يضاعف دخلها القومي كل عشر سنوات.
رابعا: من ضمن ما يعنيه ما سبق أن الديمقراطية الليبرالية الشكلية لا تستطيع أن تنجز النمو الاقتصادي المطلوب, كما يعني أن الشعوب اليوم تستطيع أن تطيح بسهولة نسبية بانظمة الفساد, إلا أنها تجد صعوبة كئودا في بناء شيء بديل قادر علي انتشال الأغلبية من الفقر والفاقة والمرض والتخلف, البديل يحتاج الي تصور وآلية وتصميم, مختلف عما كان.
خامسا: التصور والآلية والتصميم لا نأخذها من تجارب الماضي, إنما ننظر الي التجارب الناجحة, لنأخذ الصين مثالا, فقد قررت القيادة منذ زمن أن تعيد انتاج فكرة امبراطورية صينية قديمة, لكن بأثواب حديثة, الفكرة أن امبراطوريات الصين عندما تكون بحاجة الي تسكين وظائف عليا أو متوسطة, تقوم بنشر امتحان للكافة, ومن يحوز علي درجات أعلي تكون له الأسبقية في التعيين, لقد قام الحزب الشيوعي الصيني بوضع مواصفات علمية وثقافية وتقنية نفسية, لانتقاء الافضل من الشباب(والشابات) لرفد مؤسسات الحزب مع الضرب بيد من حديد أية ظاهرة للفساد تبدو علي الكادر أو المسئول.
سادسا: ماذا يعني كل ذلك لـ( حكم مصر) الذي بدأنا به الحديث؟ يعني أن الأمر مركون للادارة الحديثة, إلي كوادر يمكنها أن تقوم بالانجاز وتجاوز المشكلات وابداع الابتكار, وإلي شئ آخر هو اجتثاث الفساد من أي مكان ظهر, والي أي فئة انتمي! فمصر لديها من الموارد ما يمكن أن توظفه لصالح أبناء شعبها, وذلك يحتاج الي إدارة وإلي أن يري الناس أن الجميع يعيشون حسب امكانياتهم, لا حسب( التهليب) أو قربهم من المسئول أو المسئولية, القضاء علي الفساد له أهمية بناء المصانع وتوسيع رقعة الزراعة, بل ربما أكثر, دراسة تجربة الصين أو حتي كوريا الجنوبية التي أوقف رئيس مرشح فيها قبل سنوات عن اكمال السباق الانتخابي, لأنه صرف عشرة آلاف دولار عن المقرر القانوني في سباق الانتخابات! تلك التي تسمي الشفافية وسيادة القانون, وأمثالها ترسل رسائل ايجابية للناس. قيامة مصر بالادارة المتخصصة الحديثة, التي يخرج منها فورا المتقاعس, ويذهب الي السجن فورا الفاسد. إنها وصفة من صديق يحب مصر ويري أن قيامتها قيامة للعرب, ويري في إصلاحها إصلاحا للعرب.
(الاهرام)