كتاب عربي 21

الدولة "الإسلامية" في العراق والشام .. تتمرد على القاعدة (1)

1300x600
لا أجد غرابة في تمرد جماعة الدولة "الإسلامية" في العراق والشام على تنظيم القاعدة المركزي بزعامة الظواهري، بل أجد طرافة موصولة بمفارقات الثورة السورية العجائبية.

 فإذا كانت الثورة قد عصفت بكافة الأطروحات الإيديولوجية والمواقف السياسية والأسس الأخلاقية لكافة القوى اليسارية والقومية والليبرالية، وخلخلت جملة من التحالفات الإقليمية والدولية والمحلية، فإن الفضاء الإيديولوجي للسلفية الجهادية وفي طليعته تنظيم القاعدة وفروعه الإقليمية أولى بكشف المستور وظهور المسكوت عنه من خلافات كانت كامنة في صلب المكونات الرئيسة لتيارات السلفية الجهادية المحلية والإقليمية والعالمية.

فقد جاء إعلان أبو بكر البغدادي أمير "الدولة الإسلامية في العراق" في التاسع نيسان/ إبريل 2013 عن ضم "جبهة النصرة" في سوريا إلى دولته لتصبح "الدولة الإسلامية في العراق والشام"، كشرارة أشعلت معركة الكلمات في الفضاءات السلفية الجهادية وألهبت الخلافات التاريخية المكبوته.

 إذ لم ينتظر زعيم "جبهة النصرة" أبو محمد الجولاني طويلا  فأصدر في صبيحة اليوم التالي في العاشر من نيسان/ إبريل خطابا يرفض فيه الامتثال لإعلان الدمج والانضمام لـ "الدولة" ومعلنا بيعته الصريحة للظواهري الذي استجاب بدوره في 9 حزيران/ يونيو 2013، معلنا عن دخوله جلبة الجدل والنقاش والتداول ومقررا بطلان الدمج وحل "دولة العراق والشام الإسلامية" مع بقاء "جبهة النصرة" و"دولة العراق الإسلامية"  كفرعين منفصلين يتبعان تنظيم القاعدة. 

 الخلاف بين الفرع العراقي للقاعدة والتنظيم المركزي ليس جديدا على الإطلاق، لكنه تدرج منذ بيعة الزرقاوي لابن لادن وصولا إلى "إعلان الدولة".  

إن أجندة القاعدة تهدف منذ الإعلان عن تأسيس "الجبهة الإسلامية العالمية لقتال اليهود والصليبيين" عام 1998إلى قتال الغرب عموما والولايات المتحدة خصوصا باعتبارها حامية للأنظمة العربية الاستبدادية، وراعية لحليفتها الاستراتيجية إسرائيل المغتصبة لفلسطين من جهة، والسعي لتطبيق الشريعة وإقامة الخلافة من جهة أخرى.

 وهو ما يعني أن مواجهة الغرب ورفع الهيمنة الخارجية، والتصدي للاستبداد وتمكين الشريعة داخليا هما ركنا القاعدة الأساسيين، بينما تقوم أجندة الدولة الإسلامية في العراق والشام على أولوية مواجهة النفوذ والتوسع الإيراني في المنطقة ومحاربة "المشروع الصفوي" كما تصفه، وخصوصا بعد رحيل القوات الأمريكية عن العراق.

فالأساس الهوياتي هو المحرك الرئيس لسلوك الفرع العراقي، بينما الأساس المصلحي الجيوسياسي هو المحرك الرئيس للقيادة المركزية للقاعدة، أما تمكين الشريعة فهو الهدف المشترك للطرفين، إلا أن توقيت الإعلان عن قيام الدولة في العراق فجر خلافات تم تجاوزها آنذاك نظرا للظروف الموضوعية والأسباب العملية، وساهم وجود بن لادن على رأس التنظيم بما يمتلكه من كاريزما واحترام على تدبير الاختلاف والتعايش الحذر.

في سياق تفهم الجدل حول تبعية أم استقلال الفرع العراقي للأصل المركزي للقاعدة، لا بد من معرفة طبيعة العلاقة التاريخية وخصوصيتها، فعلى الرغم من انضمام الفرع العراقي لتنظيم القاعدة المركزي ومبايعة بن لادن، إلا أن المؤسس الأول للتنظيم أبو مصعب الزرقاوي (أحمد فضيل الخلايلة) قد عمل منذ دخوله الفضاء الإيديولوجي السلفي الجهادي على تأسيس شبكته الممتدة الخاصة المستقلة بدءا من الأردن وتنظيم "بيعة الإمام" مرورا بأفغانستان وإنشاء "معسكر هيرات" وختاما في العراق.

 حيث عمل على توسيع دائرة نفوذه وتأثيره عقب احتلال الولايات المتحدة الأمريكية للعراق عام 2003، وأعلن عن تأسيس  جماعة "التوحيد والجهاد" في أيلول/ سبتمبر 2003، استجابة لرغبة أبي أنس الشامي الذي أصبح أول مسؤول شرعي للجماعة.

وبضغط منه أسفرت الاتصالات عن بيعة الزرقاوي لبن لادن، وبهذا تحولت جماعة "التوحيد والجهاد"  لتصبح  "قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين" بتاريخ 8 تشرين الأول/ أكتوبر 2004، وبعدها بعام تم الإعلان عن تأسيس "مجلس شورى المجاهدين" في تشرين الأول / أكتوبر 2005، حيث تخلى الزرقاوي عن القيادة لصالح عبد الله رشيد البغدادي، وباتت القاعدة عضوا في المجلس كسائر الأعضاء المنضوين تحت رايته.

 وفي البداية انضم للمجلس ست جماعات ثم ارتفع العدد إلى ثمانية وفي مرحلة لاحقة وصل إلى اثنتي عشرة جماعة، وهي: "جيش الطائفة المنصورة، جيش أهل السنةوالجماعة، جماعة جند الصحابة، سرايا الجهاد الإسلامي، سرايافرسان التوحيد، سرايا ملة إبراهيم، كتائب كردستان، كتائب المرابطين، كتائب أنصار التوحيد، كتائب أنصار التوحيد والسنة، كتائب الأهوال، كتائبالغرباء ، بالإضافة إلى عدة كتائب من جيش الفاتحين وعدة قواطع من الجيش الإسلامي  وأنصار السنة وبعض كتائب جيش المجاهدين وثورة العشرينوعصائب العراق الجهادية".

بعد مقتل الزرقاوي في 7 يونيو/ حزيران 2006، تم تشكيل "حلف المطيبين" في 12 تشرين الأول/أكتوبر2006، وذلك قبل يومين من "إعلان دولة العراق الإسلامية" حيث ظهر في الشريط بضعة ملثمين قيل أنهم من قادة العشائر إلى جانب مجلس الشورى وهم يتعاهدون على تحكيم الشريعة والانتصار للجهاد والمجاهدين في العراق. 

وفي 15 تشرين الثاني/ أكتوبر 2006 أعلن عن تأسيس "دولة العراق الإسلامية" بزعامة أبو عمر البغدادي (حامد داود الزاوي)، الذي تمت تزكيته لابن لادن من طرف الزرقاوي والمهاجر رغم عدم معرفته به حرصا على السرية، وبعد مقتل أبو عمر في 19أبريل/نيسان 2010، إلى جانب وزير حربه، أبوحمزة المهاجر، تولى الإمارة أبو بكر البغدادي ("أبو دعاء" إبراهيم عواد البدري) بتاريخ 16 أيار/ مايو 2010، ولم يكن للقيادة المركزية للقاعدة رأي في تنصيبه.

 وبعد أشهر من انطلاق الثورة السورية تم الإعلان رسميا عن تأسيس "جبهة النصرة لأهل الشام" في سوريا من خلال تسجيل مرئي بعنوان: "شام الجهاد"، بتاريخ 24 كانون الثاني/ يناير2012، بزعامة أبو محمد الفاتح الجولاني، ولم تنتظر الولايات المتحدة طويلا على "الجبهة"، فقد أدرجتها على قائمة الإرهاب  في 11 كانون الأول/ ديسمبر 2012  واعتبرتها امتداداً لدولة العراق الإسلامية.

يتبع في الجزء الثاني