شهدت الخرطوم تظاهرة احتفالية بسينما الشباب، وجاءت في وقت باتت فيه
دور السينما إما مغلقة أو تعرض أفلاما باهتة بفعل تكرارها في صالات رديئة يعتزلها الجمهور، خلافا لما كان عليه الحال قبل عقود حيث كانت الزاوية الأكثر قراءة في الصحف اليومية تلك التي تخبرك "أين تسهر هذا المساء".
"سينما الشباب" مبادرة أطلقها مصطفى النعيم قبل 7 أشهر تهدف لنجدة السينما
السودانية من وهدتها بفعل الاضطرابات السياسية وصراع الأيدولوجيات والعرقيات التي أقعدت بهذا البلد الذي شهد أشرس الحروب الأهلية وأكثرها دموية في أفريقيا، فكانت المبادرة تجسيدا لمقولة السينمائي السنغالي عثمان صنبين "السينمائيون الافارقة بمقدورهم أن يصنعوا سينما عظيمة عندما يكف السياسيون الافارقة عن صناعة الأفلام الرديئة".
في أبريل/ نيسان الماضي كان مصطفى النعيم يملؤه الأمل والثقة في نجاح مبادرته لكن لم يدر بخلده أنه سينجح بعد مرور 7 أشهر فقط في تنظيم أكبر حشد سينمائي شارك فيه أكثر من ألف شاب سوداني لتوزيع جوائز على طريقة "الأوسكار" لنحو 50 فيلما أنتجت خلال هذه الفترة القصيرة نسبيا.
كان مساء الخميس الماضي متوهجا أكثر من أي وقت مضى والشبان الذين اصطفوا في المبادرة ينظمون احتفالهم لتوزيع جوائز المسابقة الأولى التي أطلق عليها اسم "ترهاقها" وهو أحد أعظم ملوك الحضارة النوبية في شمالي السودان ويعود تاريخه إلى 10 قرون قبل الميلاد بحسب مؤرخين.
بإمكانيات متواضعة نجح الشبان وهم هواة غير محترفين في إنتاج أفلام قصيرة لا تتجاوز 10 دقائق ناقشوا من خلالها قضايا تهم شريحتهم مثل البطالة والمخدرات وقضايا أخرى مثل تعزيز قيم التسامح والتكافل ومحاربة الجريمة .
ووزعت جوائز على أفضل مخرج وأفضل فيلم و أفضل ممثل وأفضل ممثلة وأفضل سيناريو وأفضل موسيقى تصويرية وأفضل فكرة وأفضل تصوير وأفضل مكياج مع تكريم مؤسسات وشخصيات ساهمت في إنجاح المبادرة أبرزها المخرج السينمائي اللامع إبراهيم شداد.
وقال إبراهيم شداد الحائز على جائزة مهرجان "كان" في العام 1986: "ما رأيته اليوم تظاهرة نادرة في التاريخ القريب تعيد الأمل للسينما السودانية".
وأضاف في كلمة له عقب تكريمه: "الشعوب تعرف من خلال السينما بما لها من تأثير سياسي وثقافي وأجتماعي كبير لذا علينا العمل معا لتحقيق هدفنا في سينما سودانية عالمية".
وقال مصطفى النعيم مطلق المبادرة لمراسل الأناضول إن المبادرة تمخضت عن سؤال محوري "أليس لنا الحق كشباب سودانيين أن تكون لنا سينما عالمية يتعرف من خلالها العالم على شعبنا وثقافته وتسامحه".
واستطرد "اليوم نحن أكثر ثقة بالإجابة وهي أنه باستطاعتنا فعل ذلك ورغم ضعف الإمكانيات إلا أن بعض المراكز والشركات باتت الآن متفهمة لقضيتنا وداعمة لها".
وامتدح النعيم الدعم الكبير الذي وجدوه من كبار السينمائيين مثل إبراهيم شداد ومحمد سليمان والطيب مهدي الذين يعملون ضمن منظمة تحمل اسم جماعة الفيلم السوداني، قائلا "نحن نريد أن نفتح جيل على جيل وصولا لعمل متكامل عالمي".
من جهته قال فارس التوم مخرج فيلم بعنوان (إرحموا) ناقش من خلاله تعامل المسؤولين بفظاظة مع مرؤوسيهم " الحكومات التي تعاقبت على البلاد قزمت من دور السينما لأنها كانت تريد توجيه المجتمع بوسائل أخرى".
وأضاف التوم لمراسل الأناضول بشيء من الحسرة "السينما السودانية كان لها تاريخ كبير ومشرف لكن اليوم نتساءل أين هذا التاريخ حيث لا يوجد غير أفلام أنتجها شباب بجهد ذاتي".
ويؤرخ لبداية السينما في السودان بالعام 1910 حيث شهد تصوير أول فيلم تسجيلي للمخرج السويسري دم دافيد عن رحلة صيد قام بها وعرض في مدينة الأبيض (وسط) في 1912 كأول مدينة تشهد عرضا سينمائيا.
بعدها بدأت السينما في الازدهار خصوصا بعد استقلال البلاد في 1956 وافتتحت عشرات دور العرض لكنها كانت تقتصر على عرض أفلام مصرية وأوربية وأمريكية دون أفلام سودانية تذكر.
وشهد العام 1970 إنتاج أول فيلم سوداني روائي طويل بعنوان (أحلام وآمال) للمخرج إبراهيم ملاسي لكن لم يبلغ مثل هذا النوع 10 أفلام على مدار 40 عاما.
ويلقي سينمائيون باللائمة على نظام الرئيس عمر البشير بلعب الدور الأكبر في تحجيم دور السينما بعد وصوله للحكم في 1989 بعد أن قام بحل مؤسسة السينما في 1991.
وغالبية صالات العرض الآن مهجورة وبعضها تم هدمه والذي يعمل منها يقتصر على عرض أفلام هندية قديمة مع مستويات إقبال منخفضة جدا.