أغلقت الصفحة الأولى في ملف اختطاف عبد
الرحمن القرضاوي، على يد قراصنة، اختطفوه بحكم فاسد، على يد سياسيين افتضحوا
بالرشوة السياسية باعترافهم، بالتقرير الذي صدر عنهم، والجهة التي قدمت الرشوة: أنظمة حليفة، أسماهم القرضاوي بالمتصهينة العرب، ومن بين الأسئلة
التي أصرت الجهة القضائية التي حققت مع عبد الرحمن كان السؤال الأبرز: لماذا
وصفتهم بالمتصهينة؟ ورغم تباهي النظام
الإماراتي بعلاقته مع الصهاينة، فلا أدري
لماذا إثارة السؤال عن وصف يفخرون به، وأجاب القرضاوي الإجابة التي تتطابق تماما
مع التعريف العلمي، والواقع المعيش.
على مدار أيام كان السعي القانوني، والسعي
السياسي، على مستويات مختلفة، كل يبغي أن يحول بين المخطط الإماراتي لاختطاف عبد
الرحمن، حيث إنه دخل
لبنان رسميا من مطار بيروت، ولم يكن عليه حكم، ولا مطالبة
بالتوقيف، بعد زيارته لسوريا، وتصويره لفيديو لا توجد به إساءة، ولكنه حمل بشارة
بزوال عروش الظلمة، وإذا كان هذا رد الفعل لكلمته، فلقد أثبت الفعل الغاشم
والمقرصن، أنه لا حل للشعوب مع هذه الأنظمة، سوى إسقاطها، فإن عجزت، فتمني ذلك
ودعاء الله به.
بالنسبة لي مفهوم ما قامت به الإمارات، على
يد وزير خارجيتها عبد الله بن زايد، ومفهوم سبب هذا الغل تجاه القرضاوي، أبا وابنا
وتلامذة ومنهجا ومؤسسات، فابن زايد الذي كان يسعى سعيا حثيثا، يحاول إقناع
القرضاوي الأب، في عام 1998م، بأن يقوم بعمل برنامج لفضائية أبي ظبي، وقت أن كان
وزيرا للإعلام وقتها، واعتذر القرضاوي، فألح طامعا في كرم أخلاق ومروؤة القرضاوي،
بعد أن قدم الشريعة والحياة على الجزيرة، فأرادت فضائية أبي ظبي أن تقدم برنامجا
ناجحا ينافس الجزيرة، وقد وافق القرضاوي، وكان برنامج (المنبر)، وأصروا أن يقدم يوم
السبت، ليكون أسبق من يوم الشريعة والحياة الذي يقدم الأحد.
لو كان عبد الرحمن ابن القرضاوي فقط، فهذا كاف لعداء الإمارات له، ولسعي عبد الله بن زايد لجلبه للعقاب الإماراتي، بالطريقة التي أصبحت مكشوفة ومعروفة للجميع، فإذا أضاف لذلك أنه صاحب مواقف معلنة من الانقلاب، ومن داعميه، ومن رؤوس الثورات المضادة، فتلك ذريعة أكبر للتنكيل به.
في ظل التنافس المحموم بين الإمارات وقطر،
كان التنافس على أشده من أبي ظبي، لاحتضان القرضاوي ومشاريعه، فدعم مالي سخي لموقع
إسلام أون لاين الذي يرأس مجلس إدارته القرضاوي، ثم رصدهم لوقف مالي كبير لمشروع
يرعى الموهوبين والذي قدمه القرضاوي عندما
منحوه جائزة الشخصية الإسلامية، ومشاريع أخرى، كل ذلك استرضاء له، وطلبا لكسبه
كقوة ناعمة، ومحاولة ترك الدوحة للاستئثار به.
قبيل أحداث سبتمبر بقليل جدا، بدأت الإمارات
في تغيير خطها، ومنعت القرضاوي من دخول أراضيها، وتحولت كل المواقف السابقة إلى
مواقف عداء من طرف واحد هو الإمارات، ثم جاءت ثورات الربيع العربي، وانحاز
القرضاوي الأب والابن إليها، وتلك جريمة لا تغتفر لدى الإمارات رأس حربة الثورات
المضادة، ولذا لا ينفصل ما يجري مع عبد الرحمن عن موقفهم من الأب، فلماذا كانت
السيدة علا القرضاوي مسجونة؟ وهي ليست شخصية سياسية، ولا صاحبة عطاء أدبي، بل كانت
موظفة في السفارة القطرية في القاهرة، وعملها لا علاقة له بالجماهير، ومع ذلك تم
التنكيل بها لأنها ابنة القرضاوي.
ولو كان عبد الرحمن ابن القرضاوي فقط، فهذا
كاف لعداء الإمارات له، ولسعي عبد الله بن زايد لجلبه للعقاب الإماراتي، بالطريقة
التي أصبحت مكشوفة ومعروفة للجميع، فإذا أضاف لذلك أنه صاحب مواقف معلنة من
الانقلاب، ومن داعميه، ومن رؤوس الثورات المضادة، فتلك ذريعة أكبر للتنكيل به.
أما الحديث عن الخذلان أو التقاعس الذي تم
مع عبد الرحمن، فالحديث عنه ذو شجون، سواء اعترف به المعنيون أم لم يعترفوا، فإنها
الحقيقة التي لا مهرب منها، أنه هناك من تحركوا في الملف، ولم يكن مطلوبا منهم
التحرك، بل فعلوا ذلك عن تقدير لمكانة القرضاوي الأب، والابن معا، ولم تعن هذه
الجهات بالإعلان عن تحركها.
وهناك جهات كان مطلوبا منها التحرك بكل قوة
في الملف، فهي لصيقة بالملف، ولم يكن تحركها كما ينبغي، وأول هذه الجهات هي الجهة
السورية، والتي كان عبد الرحمن ضيفا عندهم، أو زائرا لهم، مهنئا بثورتهم، ولما رأى
انزعاجهم من الفيديو الذي بثه، قام بحذفه، وهناك تفاصيل لا تزال لديهم، حول طبيعة
خروجه من سوريا، وكيف خرج، مطلوب بعد خطفه من الإمارات توضيحها للناس، وبخاصة
المتعاطفين معهم ومع ثورتهم، حتى لا يترك الأمر للشائعات التي تضرهم ولا تفيدهم.
وكان جديرا بهم التحرك لدى لبنان، وغير
لبنان في الملف، لكنهم تحسسوا من ذلك بسبب المخاوف من رؤوس الثورات المضادة، وهو
حساب خاطئ، فإن لم يكن التحرك مطلوبا لأجل عبد الرحمن، فكان ينبغي لقيادة دولة
تنتمي للتيار الإسلامي، أن تتذكر أن والد عبد الرحمن وهو العلامة القرضاوي، كان
داعما لثورتهم من أول يوم، بل حكم عليه بالإعدام من نظام بشار بسبب هذا الدعم،
وسبب بداية السخط الشديد على القرضاوي من الإمارات، وقت أن هددت الإمارات في سنة
2014م بطرد سوريين من الإمارات، وأنهم لو عادوا لسوريا سيعودون لنظام بشار لقتلهم،
فهاجم القرضاوي الإمارات على منبر مسجد عمر بن الخطاب من الدوحة، وإلى أن لقي
القرضاوي ربه، كان موقفه ثابتا في دعم ثورتهم، فلم يكن لائقا بهم هذه السلبية تجاه
ابن القرضاوي.
أما الحديث عن الخذلان أو التقاعس الذي تم مع عبد الرحمن، فالحديث عنه ذو شجون، سواء اعترف به المعنيون أم لم يعترفوا، فإنها الحقيقة التي لا مهرب منها، أنه هناك من تحركوا في الملف، ولم يكن مطلوبا منهم التحرك، بل فعلوا ذلك عن تقدير لمكانة القرضاوي الأب، والابن معا، ولم تعن هذه الجهات بالإعلان عن تحركها.
وكذلك اللوم يلقى على دولة بحجم وثقل تركيا،
والتي يحمل جنسيتها عبد الرحمن، ولو لم يكن يحمل جنسيتها، لكان التحرك لمقام والده
لدى كل قيادات تركيا، ومعظمهم يحفظ للقرضاوي مواقفه تجاههم، وتربطه بالرئيس
أردوغان صلة منذ سنوات طويلة، وأقول ذلك لأن هناك أحداثا مشابهة كان موقف الدولة
التركية بمؤسساتها مختلفا، فعندما تم القبض من السيسي على العاملين بوكالة
الأناضول في القاهرة، وكان بين المقبوض عليهم أتراك ومصريون، هنا تدخلت تركيا بما
هو معهود منها بقوة، فتم الإفراج عن الأتراك والمصريين معا، والمواقف في ذلك
كثيرة، وهذا ما كان يأمله الناس من تحرك.
لا ينكر أحد ما قامت به السلطات التركية،
وهو جهد مشكور ومقدر، لكنه لم يكن بالشكل الذي يفهم منه هؤلاء أن المسألة لا خيار
فيها، أما وقد حدث ما حدث، فإن الدور لم ينته بعد، فإن تركيا لم تتوقف مسؤوليتها
عند اختطاف الإمارات لعبد الرحمن، بل يبقى هناك تحركات أهم، تتعلق بإصرار الدولة
التركية على استرداد مواطن يحمل جنسيتها، وتحركات دولية وحقوقية تقوم بها الجهات
المعنية في السلطة، كإجراء لا يترك الأمر للإمارات تفعل ما تشاء بشخص مخطوف، وقد
سبق أن تم توقيف مواطن مصري يحمل الجنسية الأمريكية، أوقفته الإمارات، ولم تجرؤ على
فعل شيء معه، واضطرت مجبرة على إطلاق سراحه، وتركيا تملك ممارسة هذا الضغط، وهو حق
مشروع لها، وعمل مأمول ومرجو منها.
Essamt74@hotmail.com