قضايا وآراء

جريمة مستشفى كمال عدوان وباروميتر "الاستحمار" العربي؟

"مارسوا الجريمة بكلّ أشكالها الفظيعة ومرّروا على العالم العربي والإسلامي جرائمهم جرعة جرعة"- إكس (أرشيفية)
لماذا يرتكبون هذه الجريمة بكلّ أبعادها التي رسمت لهم هذه الصورة البشعة جدا والتي لم يسبقهم لها أحد؛ ما فعلوه في مستشفى كمال عدوان والذي يشكل حالة نموذجية عن طبيعة هذا التوحّش المقيت وهذا الانحطاط السّحيق؟ هل تراهم لا يخشون هذه الصورة ولا يريدون للعالم أن يراهم بصورة أفضل أو أقلّ سوءا من هذه الصورة؟ أو أنهم قد يئسوا من تحسين صورتهم للناس؟ أو أنّهم يريدون صورة فاشية تترية ليرهبوا بها أعداءهم من عَظَمة ما ينتظرهم منهم إن وقفوا في طريقهم أو عارضوا خططهم ونهج سياستهم لما يرسمونه لهذه المنطقة؟

وقد يكون الأمر غير ذلك، هم مارسوا الجريمة بكلّ أشكالها الفظيعة ومرّروا على العالم العربي والإسلامي جرائمهم جرعة جرعة، جسّوا نبضنا وقدرتنا على التحمّل لجرائمهم وإلى أيّ مدى وصلنا في بلادة الحسّ وقابلية الاستحمار.. هل هناك متّسع للمزيد من الارتقاء في درجات الاستحمار؟ فلا يمكن لهذا النوع الحاقد كلّ هذه الدرجات العالية من الحقد والكراهية أن يكتفي بدرجة منخفضة من الاستحمار، لا شكّ بأنّه سيرفع من درجاتنا في الاستحمار، يجسّ النبض بين الحين والآخر ليعرف إلى أين وصلنا في درجات الاستحمار ثم يرقّينا درجة، وهكذا.
طالما أن ردّة فعل أمّتنا باهتة مرتجفة صامتة صمت القبور فلن يتوقّفوا وسيزيدون من سعارهم وستفتح شهيّتهم للمزيد من الدماء والدمار، شعوبنا تستصرخها الدماء الفلسطينيّة وتلقي في ضميرها كرة من لهب، والذي يمنعها أنّها مستعبدة ومستلبة الإرادة، وغزّة تشعرها بأن عليها أن تتحرّر وأن لا تسمح لأحد أن يصادر حريّتها

عندما ارتكبوا جريمتهم في المستشفى المعمداني اتهموا طرفا فلسطينيا، هروبا من عواقب هذه المجزرة، ولكنهم بعد مرور العاصفة الإعلامية لهذا الحدث وجدوا أن الأمر يمكن له أن يمرّ فأمعنوا أكثر وأكثر. ذهبوا إلى مجمع الشفاء الطبي وفعلوا فيه أفظع مما فعلوا في المعمداني، ثم رفعوا درجة الاستحمار لأمة العرب والمسلمين ودمّروا المزيد من المساجد والكنائس والجامعات والمدارس، ولمّا وجدوا أن درجتنا في الاستحمار تفوق تصوّرهم بكثير من قوة عوامل التعرية التي مورست على شعوبنا، لمّا وجدونا مستحمرين زيادة عما يتصوّرون ذهبوا إلى اكتشاف فنون جديدة في القتل والتدمير والحرق والامتهان لكرامة وحقوق الإنسان وبأشكال جديدة، غير مسبوقة وغير معروفة.

والسؤال ماذا بعد؟ هل ستتوقّف عبقريّتهم الإجرامية عن المزيد، وهل سينبئهم حال أمّتنا عن هذه الدرجة غير المسبوقة من الاستحمار ويغريهم بفعل المزيد؟ للأسف وبكل تأكيد أن الإجابة نعم. طالما أن ردّة فعل أمّتنا باهتة مرتجفة صامتة صمت القبور فلن يتوقّفوا وسيزيدون من سعارهم وستفتح شهيّتهم للمزيد من الدماء والدمار، شعوبنا تستصرخها الدماء الفلسطينيّة وتلقي في ضميرها كرة من لهب، والذي يمنعها أنّها مستعبدة ومستلبة الإرادة، وغزّة تشعرها بأن عليها أن تتحرّر وأن لا تسمح لأحد أن يصادر حريّتها. لماذا يتحرّك الشعب اليمني كلّ هذا الحراك العظيم بينما جيرانه العرب في سبات عميق؟ هناك ثقافة حرية وهناك ثقافة عبودية، بكلّ بساطة شعوبنا بأشدّ الحاجة لهذه الثقافة كي تتنسّم قيمة الحرية ولتصبح قادرة على أن يكون لها دور في قضيتها المركزية الفلسطينية.