تعرضت في الجزء الأول إلى التدخل الخارجي في
سوريا
باستدعاء بشار للروس والإيرانيين وحزب الله ومليشيات عراقية وأفغانية وباكستانية؛
ما صبغ العدوان على الشعب السوري بصبغة طائفية جلية، لا تحتاج إلى أمثلة. وللأسف
فقد كانت تلك المليشيات القادمة من الخارج، لا تقل إجراما عن قوات النظام، فقد
كانت ذات رائحة نتنة، ومذاق مقزز؛ فقد كادت سوريا تتحول إلى مقاطعة من مقاطعات
إيران، ونشط فيها التشيع بالإغراء بالمال والمساعدات، تارة وبالتخويف تارة أخرى،
وقد نجحوا في تشييع بعض السوريين، الذين تشيّع بعضهم صوريا لحماية أنفسهم من
التنكيل أو القتل..
ومع المرارة والألم اللذين حرقا قلب السوريين جراء
إجرام المليشيات الشيعية المدعومة من إيران، وتنكيلها بالسوريين، فقد كان موقف
المعارضة أسطوريا حين بدأ العدوان على قطاع غزة، حيث جمّدت عملها وتحركاتها،
لإعطاء الفرصة لإيران حزب الله للوقوف إلى جانب قطاع غزة، وعدم إرباكهما.
إن هذا الشكل من أشكال السياسة يؤشر على وعي كبير،
وقدرة كبيرة على ضبط النفس، وحكمة قيادية بالغة الحصافة؛ فلم تبدأ المعارضة هجومها
على قوات النظام إلا بعد أن هدأت جبهتا لبنان وإيران، وهو ما يضع المعارضة في صف
الفرسان والنبلاء، وسيكتب التاريخ عن المعارضة بحروف من قدح الحديد ما ينصفها
ويخرس كل الأصوات التي تعارض إنجازها الكبير ونصرها العظيم..
وفي الأثناء نجد أبواق بعض الأنظمة الدكتاتورية تهاجم
المعارضة وتتهمها بالتبعية للغرب والكيان المحتل، وتجد من يقول لهم: لماذا لا
تحررون الجولان؟ ولماذا لا تتصدون للعدوان الإسرائيلي؟ بينما ظل نظام
الأسد أكثر
من خمسين عاما، ولم يطلق رصاصة واحدة على العدو، ولم يسأله أحد: لماذا لا تحرر
الجولان. وظل العدو في الآونة الأخيرة يقصف أماكن كثيرة في سوريا، وظل نظام بشار
يردد -بغباء استثنائي وبلاهة وسماجة أضحكت العالم عليه- "نحتفظ بحق الرد في
الوقت المناسب"..!
تجربة بعض دول الربيع العربي التي سقطت من جديد بيد النظام القديم تمثل درسا مهما للثورة السورية، ولا أظن أن من السهل أن تقع سوريا في ذات الفخ، فإن وقعت، لا قدر الله، فما علينا إلا أن نقرأ الفاتحة على مشاريع التحرر العربية وفكرتها
يهاجم البعض المعارضةَ ويطالبونها بتحرير
الجولان والرد على العدوان، وهي لم تزل تحاول لملمة الجراح الداخلية وبناء الدولة،
وإنشاء جيش جديد. ولا يساورني أدنى شك في أن المؤامرة على
الثورة كبيرة، من دول
عربية وأخرى أجنبية، لكن تجربة بعض دول الربيع العربي التي سقطت من جديد بيد
النظام القديم تمثل درسا مهما للثورة السورية، ولا أظن أن من السهل أن تقع سوريا
في ذات الفخ، فإن وقعت، لا قدر الله، فما علينا إلا أن نقرأ الفاتحة على مشاريع
التحرر العربية وفكرتها..
ويمتد هجومهم على الثورة إلى التشكيك في قدرة
الإسلاميين على ممارسة الديمقراطية والعدالة والمساواة، مع أن هؤلاء أنفسهم لم
يعيشوا لمرة واحدة في دولة ديمقراطية، وقد كان وما يزال كثير منهم عبيدا
للدكتاتورية المقيتة التي نشؤوا وتربوا عليها.. فمن يطالب بالديمقراطية أن يصمت
وهو المؤيد العبد للدكتاتوريات العربية.. علما بأن تجربة مصر كانت قمة
الديمقراطية، على الرغم من كل ما أثير حولها من أكاذيب وألاعيب رخيصة. وقد عشتُ في
مصر وواكبت الثورة والانقلاب عليها، وشممت عن قرب رائحة الخيانة والخسة الصادرة عن
مخلفات الدولة العميقة، ولولا أن الرئيس الدكتور محمد مرسي رحمه الله كان
ديمقراطيا نقيا إنسانا؛ لما تجرأت عليه الكلاب والثعالب والخنازير في آن معا.
إن المطلوب من المعارضة التي حققت نصرا كبيرا، فحررت
سوريا في 11 يوما، أن تحرر نفسها من العواطف المبالغ فيها، ومن فكرة استرضاء
الجميع؛ بحيث تبدو طيبة سخية، كما كانت في مصر؛ فذلك مما يزيد من أطماع بعض الأقليات
والصحافيين والفنانين وبقية فئات المجتمع، فتهبط قيم الثورة، وتذوب في مجتمع متعدد
التوجهات والأيديولوجيات.
ولا بد من الإسراع في ضبط المجرمين ومحاكمتهم، وكم
تمنيت أن تكون محاكماتهم ميدانية، لا محاكمات مؤجلة، ذلك أن الرخاوة والتجمّل
للمجرمين، سيضعف من صورة الثورة، وسيجرّئ عليها من هب ودب..
المطلوب من المعارضة التي حققت نصرا كبيرا، فحررت سوريا في 11 يوما، أن تحرر نفسها من العواطف المبالغ فيها، ومن فكرة استرضاء الجميع؛ بحيث تبدو طيبة سخية، كما كانت في مصر؛ فذلك مما يزيد من أطماع بعض الأقليات والصحافيين والفنانين وبقية فئات المجتمع، فتهبط قيم الثورة، وتذوب في مجتمع متعدد التوجهات والأيديولوجيات
على المعارضة ألا تنسى آلاف الشهداء والمعتقلين
المفقودين وأوجاع أسرهم، وعليها ألا تجعل التسامح المجاني اللغة السائدة؛ فقد عانى
السوريون معاناة لا توصف، يعجز عنها الكلام، ويكفي أن أنقل لكم ما كتبته الشاعرة
السورية صفية الدغيم في صفحتها على الجدار الأزرق: "والله لو اجتمعت علينا
قوى الشر قاطبة من الإنس والجن على مدار ألف سنة؛ لما كان لها أن تفعل بنا ما فعله
بشار الكيماوي في الأربع عشرة سنة الماضية؛ فمن أي غد نخاف"؟!
ولكم أن تتخيلوا ما كتبه أحد مؤيدي بشار الأسد: "ربنا
بيسقط، بس بشار ما بيسقط".. أستغفر الله.. هذا هو منطقهم، وتلك هي قصتهم مع
الله والوطن والشعب؛ وقد كان من شعاراتهم الفاضحة: "الأسد أو تسقط
البلد"؛ فقد كان بشار -كما كان أبوه المقبور حافظ- إلها لا يجوز المساس به..
بينما الحقيقة أن صفة "عبد ذليل" كانت كافية للإشارة إلى هذا الصنم الذي
أصبح لعبة من قماش في يد روسيا وإيران يحركانها كيف شاءا..
ولكم أن تتخيلوا بشار الجعفري الذي كان مستعدا لفعل أي
شيء في سبيل بشار ونظامه، وهو الذي شغل منصب سفير سوريا في الأمم المتحدة، وأخيرا
كان سفيرها في موسكو.. بشار الجعفري قال في بشار الأسد بعد هروبه ما لم يقله أحد
من أركان النظام السابق، حتى بعض معارضي سياساته، قال: "فرار رأس هذه
المنظومة بهذا الشكل البائس والمهين، تحت جنح الظلام، يؤكد صوابية
التغيير"..!
وأخيرا لكم أن تتخيلوا حجم الجرائم التي ارتكبها بشار
وزمرته الإجرامية حين تعرفون أن نحو 125 شخصا بين امرأة ورجل من آل الدغيم فقط ممن
أتيح لبعض نشطاء العائلة تذكرهم وإحصاؤهم، قضوا بين شهيد ومفقود، وبالأسماء، وليس
مجرد تخمين أو توقع.
لقد بات من المعروف وسهل الوصول حجم الإجرام الذي
مارسه النظام، ولا أظن أنني سأفرد له مزيدا من الحديث، فالفيديوهات والتصريحات
والشهادات تملأ الفضاء الرقمي، والوصول لها سهل ومتاح للجميع..
وقبل
أن أنهي لا بد أن نبارك لأهلنا في سوريا هذا الإنجاز الثوري الإنساني الحضاري،
ونتمنى التوفيق لإخوتنا وأهلنا وأحبتنا، وندعو الله أن يحفظ عليهم ثورتهم وأن ينعم
عليهم من فضله وكرمه وتثبيته، إنه نعم المولى ونعم النصير..