صادقت لجنة القطاعات الاجتماعية بمجلس النواب
المغربي (أحد غرفتي البرلمان)، في اجتماع امتدّ من مساء الثلاثاء إلى صباح الأربعاء، على مشروع القانون التنظيمي المتعلق بتحديد شروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب، وذلك بالأغلبية.
التعديلات التي تقدمت بها الحكومة المغربية التي يرأسها عزيز أخنوش، والفرق والمجموعة النيابية، وكذا النواب غير المنتسبين، على "قانون الإضراب" بلغت أكثر من 330 تعديلا. وهي التي تمّ البت فيها، بعد نقاش طويل، في اجتماع حضره: وزير الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والتشغيل والكفاءات، يونس السكوري، وكاتب الدولة المكلف بالشغل، هشام صابري.
مشروع القانون الذي خلق نقاشا واسعا في المشهد السياسي المغربي، لسنوات طِوال، حظي بموافقة 22 نائبا، ومعارضة 7 نواب، ودون امتناع أي نائب عن التصويت. فيما أثار عقب ذلك موجة انتقادات مُتسارعة على مختلف مواقع التواصل الاجتماعي. ما السبب؟
انتقادات بالجُملة.. ما السبب؟
بمجرد الإعلان عن القانون التنظيمي المتعلق بتحديد شروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب، فتحت الأبواب على مصراعيها، لنقاش طويل مُحتدم، سواء بين رواد مختلف مواقع التواصل الاجتماعي في المغرب، أو حتِّى بين الأحزاب السياسية نفسها.
البداية من حزب التقدم والاشتراكية، الذي قال في بيان له، إنَّ: "الحكومة تبنّت مقاربة تضييقية في مشروع قانون الإضراب الذي صادقت عليه لجنة القطاعات الاجتماعية، بدل بلورة قانونٍ متقدم يتماشى مع عصرهِ ومع توصياتِ المجلس الوطني لحقوق الإنسان والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي".
وأضاف الحزب في بيان، وصل "عربي21" نسخة منه: "رغم تسجيل بعض الإيجابيات إلا أنها لا ترقى، من حيثُ الجوهر، إلى مستوى الانتظارات"، مؤكدا رفضه لهذا المشروع وتصويته ضده، على أمل عودة الحكومة لما وصفها بـ"مقاربة ديموقراطية واجتماعية وحقوقية في المراحل اللاحقة من مسطرة المصادقة".
أيضا، طالبت عدد من النقابات المهنية مثل: الاتحاد المغربي للشغل (أكبر نقابة في البلاد) والكونفدرالية الديمقراطية للشغل والاتحاد العام للشغالين، بـ"ضرورة التوافق على القانون قبل إحالته على البرلمان"، فيما أكدت عبر بيانات متفرّقة: "رفضها للقانون باعتباره تكبيلا للحق في الإضراب، المنصوص عليه دستوريا".
ينص الفصل 29 من الدستور المغربي، على أن: "حريات الاجتماع والتجمهر والتظاهر السلمي، وتأسيس الجمعيات، والانتماء النقابي والسياسي، مضمونة".
من جهتها، قالت البرلمانية عن الحزب "الاشتراكي الموحد" وأمنيته العامة السابقة، نبيلة منيب، إنّ: "مشروع القانون التنظيمي الخاص بالإضراب طال انتظاره لعدة سنوات، والصيغة الحالية التي خرج بها تطرح الكثير من التساؤلات".
واعتبرت منيب، خلال عدد من التصريحات الصحفية أنه: "يجب التساؤل حول فلسفة ومنطق هذا القانون، وهل غرضه حماية حقوق الشغيلة؟ وهل يسهل على الناس إمكانية المطالبة بحقوقهم؟ وهل يحترم الإضراب كحق دستوري؟".
وأشارت إلى أن: "ديباجة مشروع قانون الإضراب فارغة ولا تظهر لا أسباب نزوله ولا فلسفته"، مؤكدة: "عدم التوازن في المواد التي يطرحها المشروع، إننا أمام 22 مادة تتعلق فقط بتقنين الإضراب في القطاع الخاص و4 مواد في القطاع العام".
"عدد من المواد بهذا المشروع تقيد الحق في الإضراب وتربطه بعقوبات سالبة للحرية وهذا لا يوجد في أي بلد، فكيف يعقل أن نخيف الناس بالسجن والغرامات المالية لممارستهم لحق دستوري؟" بحسب منيب.
كذلك، رصدت "عربي21" النقاش الدائر بخصوص القانون نفسه، الذي طال انتظاره، غير أنه خلّف جُملة من علامات الاستفهام فور الإعلان عن صدوره.
أي مكتسب جديد؟
العمال والعاملات في المنازل، نالوا لأول مرّة "مكتسبا جديدا" إثر قبول إضافة هذه الفئة ضمن الفئات التي تسري عليها أحكام القانون التنظيمي رقم 97.15 بتحديد شروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب، وذلك تفاعلا مع تعديل تقدمت به النائبة عن فيدرالية اليسار الديمقراطي، فاطمة التامني.
وقال السكوري، للتامني، خلال الاجتماع نفسه الذي دام لساعات: "معك حق، سوف نضيف العمال غير الأجراء الذين يزاولون نشاطا خاصا"، مؤكدا أن "القانون الجديد لن يستثني أي فئة من الشغيلة". ستكون مقتضياته طبقا للمادة الرابعة من القانون.
"إن الموظفين والأعوان والمستخدمين والمتعاقدين لدى إدارات الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية ولدى كل شخص اعتباري آخر من أشخاص القانون العام؛ والمهنيين والعمال المستقلين والأشخاص الذين يزاولون نشاطا خاصا كما وقع تحديدهم في التشريع الجاري به العمل" بحسب الوزير، في حديثه عن الفئات المخوّل لها الإضراب.
مخاض عسير
"حق الإضراب مضمون ويمارس وفق أحكام هذا القانون التنظيمي. ـ يعد باطلا كل تنازل عنه. ـ يحدد هذا القانون التنظيمي ضمانات.."، هي جملة كانت بمثابة "الديباجة" تلاها الوزير شفهيا، ليحسم بها جدالا طويلا مسّ اللجنة.
وتتعلق الضمانات، بحسب الوزير بأن: "ممارسة حق الإضراب في القطاعين العام والخاص، حق دستوري ومن حقوق الإنسان الأساسية من أجل تحقيق العدالة الاجتماعية والسلم الاجتماعي وضمان التعاقد الاجتماعي".
"تعزيز وتوسيع مجال الحريات عبر ممارسة هذا الحق استنادا للدستور وانسجاما مع المواثيق والمرجعيات الدولية ذات الصلة وتثمينا للرصيد التاريخي للممارسة الوطنية لهذا الحق" تابع الوزير، مردفا أن الأمر يتمّ: "بالتوازن في صون حقوق المضربين وتكريس حرية العمل في ارتباط مع ممارسة حق الإضراب وطنيا وجهوياً ومحليّا".
وحول عرقلة حرية العمل خلال مدة "سريان الإضراب"، عرّفها الوزير، بالقول: "كل فعل مثبت يؤدي إلى المنع من الولوج إلى أماكن العمل أو من قيام العمال غير المضربين بمزاولة نشاطهم".
إلى ذلك، تم التصويت بالإجماع على مقترحات الحكومة لإضافة فرع أول خاص بالتعاريف في ديباجة القانون، وفرع ثان خاص بمجالات التطبيق، وثالث خاص بالمبادئ العامة، بالإضافة إلى صيغة توافقية للمادة 4 المُتعلّقة بتحديد من له حق ممارسة الإضراب.
وبالإجماع، أقرّت اللجنة نفسها، صيغة توافقية للمادة 5 بنسخ المقتضى المتعلق بمنع الإضراب لأهداف سياسية، لتصبح كالتالي: "كل دعوة للإضراب خلافا لهذا القانون تعتبر غير مشروعة".
ومن التعديلات التي وافقت عليها الحكومة، أيضا، ما تقدّمت بها الفرق النيابية، بما في ذلك الفريق الاشتراكي، الفريق الحركي، فريق التقدم والاشتراكية، المجموعة النيابية للعدالة والتنمية، ونائبتان غير منتسبتين (نبيلة منيب وفاطمة التامني). تقضي لتخصّص المادة 12 لتحديد الدواعي والآجال الواجب احترامها للدعوة إلى الإضراب، في القطاعين العام والخاص.
وتمّ حذف مقتضيات المادة 16، وتعويضها بمقتضيات تتعلّق بتحديد المهام المتعلقة بالجهة الداعية للإضراب، وتدبير ممارسته، والسهر باتفاق مع المقاولة أو المؤسسة أو المرفق العمومي على تحديد الأنشطة الضرورية لتفادي إتلاف الممتلكات والتجهيزات والآلات في أماكن العمل، مع مراعاة التدابير اللازمة لحفظ الصحة والسلامة المهنية.
أيضا، تقدمت الحكومة بتعديل يقضي بحذف المادة 21، وإضافة مادة جديدة تنص على ممارسة الحق في الإضراب في المرافق الحيوية، حسب الشروط والكيفيات المنصوص عليها في القانون، من قبيل: المؤسسات الصحية، والمحاكم، ومرافق الأرصاد الجوية، ومرافق النقل السككي والبري بمختلف أصنافه..
وتمّ قبول التعديلات المتعلقة بحذف مجموعة من المواد التالية: 25، 26، 27، 28، 29، 30، 32، 39، مع حذف "العقوبة الجنائية الأشد" من المواد التي تضمنت هذه العبارة، بالإضافة إلى العقوبات الحبسية.
نقاطا حسمت النقاش
عرّف القانون "الملف المطلبي" بأنه: "مجموعة من المطالب التي تروم تحقيق امتيازات اقتصادية أو اجتماعية أو مهنية ذات الصلة بظروف العمل أو ممارسة المهنة بالنسبة للمهنيين".
أما القضايا الخلافية فهي: "القضايا الناتجة عن عدم الاتفاق حول تأويل تطبيق تشريع العمل أو احترام الالتزامات التعاقدية المباشرة بين طرفي العلاقة الشغلية أو المهنية".
المادة السابعة تنص على أنه "لا يمكن اللجوء إلى ممارسة حق الإضراب إلا بعد انصرام أجل ثلاثين (30) يوما من تاريخ توصّل المشغل بالملف المطلبي من الجهة التي يمكن لها الدعوة إلى الإضراب".
كذلك: "قبل اللجوء إلى ممارسة حق الإضراب، يتوجب القيام، خلال الأجل المذكور في الفقرة السابقة، بإجراء مفاوضات بشأن الملف المطلبي للأجراء قصد البحث عن حلول متوافق عليها. ولهذه الغاية، يمكن للأطراف الاتفاق على تعيين وسيط". وهي النقاط التي خلقت نقاشا مستفيضا، خلال الاجتماع الطويل.
وفي السياق نفسه، أكد الوزير أن: "30 يوما مدة غير كافية في القطاع العام، لا سيما في القضايا المرتبطة بالملف المطلبي الذي يحتاج جهدا وتدقيقا إحصائيا". مضيفا أن: "أي قطاع حكومي يحتاج تنسيقا وزاريا للتعاطي مع القضايا ويتطلب أخذا وردا بين الوزارات المعنية أو مع رئيس الحكومة".
وتابع: "لكل هذا، حددنا 45 يوما بالنسبة للملف المطلبي في القطاع العام، ويمكن أن تضاف 15 يوما، أي 60 يوما".
وفي القطاع الخاص، أبرز الوزير أن: "المدة هي 15 يوما ويمكن أن تضاف إليها 15 يوما أخرى"، مشيرا إلى أنّ: "الإشكال وجد في الإضراب في القضايا الخلافية؛ إلا إذا أرادت الأطراف خوض مسطرة حل النزاعات الواردة في مدونة الشغل، هذا يبقى اختيار الأطراف".
"نقترح أيضا أن نمنح المشغل الفرصة للبحث عن سبل للتفاوض. ولكن إذا لم يكن جديا، فإن الجهة الداعية للإضراب يمكنها أن تصل مدة ممارستها لهذا الحق إلى سنة، وذلك وفق المقتضيات الجديدة" تابع وزير الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والتشغيل والكفاءات.
تجدر الإشارة إلى أنه بعد إنهاء الإضراب أو إلغائه باتفاق بين الأطراف المعنية، يُمنع حسب المادة 23، اتخاذ قرار إضراب جديد دفاعا عن المطالب نفسها، إلا بعد مرور سنة على الأقل.
وفي حال ممارسة الإضراب خلافا لأحكام هذا القانون، يمكن لصاحب العمل، حسب المادة 26، أن يطالب بالتعويض عن الخسائر والأضرار التي لحقت بالمقاولة (الشركة).