قضايا وآراء

أزمة المفاوض اللبناني بين مطرقة الأمريكان وسندان الفرقاء من شركاء الوطن!!

"جولات المبعوث الأمريكي إلى بيروت آموس هوكشتاين لإجراء ما يسمى بمحادثات السلام، لممارسة الضغوط على الفرقاء اللبنانيين"- الوطنية اللبنانية
تحدثنا في مقال سابق عن سعي دولة الاحتلال، وخلفها أمريكا الشريك والمخطط الرئيس لكافة المصائب التي تحدث في منطقتنا العربية، ومعهما ومن خلف الستار بعض حكومات المنطقة، إلى تعويض خسائرها وستر عوراتها وإخفاء فضائحها في المعارك التي خاضتها مع المقاومة في غزة ولبنان، والتي بلغت مبلغا كان بمثابة التكفير عن العار والخذلان الذي مارسته بعض الأنظمة العربية التي سارعت بالارتماء في أحضان العدو الصهيوني؛ رغبا في نيل رضا الأمريكي والفوز بوعده في تنفيذ صفقة القرن، ورهبا من غضبه ووعيده!..

وأخطر ما تنتظره المقاومة اللبنانية تحديدا بعد بلائها الحسن وتضحياتها الجسام بخيرة قادتها وصفوة شبابها؛ ليس المزيد من عمليات القصف والخسف -التي لا تهدأ وتيرتها- تطال الحاضنة الشعبية في لبنان وقلبها في العاصمة بيروت من منازل وأبنية ومؤسسات خدمية ومستشفيات وسيارات للإسعاف، تماما كالذي فعلته الآلة الحربية الإجرامية والمدعومة أمريكيا في غزة؛ من تدمير لم يحدث له مثيل في القرنين العشرين والحادي والعشرين..

لكنني أعني بالأخطر هنا هو اللعب على التباين الأيديولوجي في التركيبة السكانية المعقدة للشعب اللبناني بطوائفه متشعبة الاتجاهات والتحالفات؛ ما بين مسيحيين مارون وكاثوليك مرتبطين بأوروبا وفي قلبها فرنسا التي تكفي وحدها لتأجيج أي صراع وإفشال أي تفاهمات! أو بين سنّة مرتبطين بحكومات المكون السني العربي الممزق وخلفها تقف بعجزها الدائم "جامعة الدول العربية"! أو شيعة وعلويين لا يخفى على القاصي والداني ارتباطهم ولُحمتهم بالجمهورية الإسلامية الإيرانية، ناهيك عن بقية الطوائف مثل الدروز والزرادشت والبهائيين.. الخ، وأمريكا وخلفها أوروبا تلعبان على تلك التباينات والتشابكات في المصالح وعلى مرجعية كل طائفة، وشبكة العلاقات التي تؤثر على القرارات حتى بين مكونات الوطن الواحد!..

ولقد اعتدنا كلما زادت ضربات المقاومة وأوجعت في جسد العدو الصهيوني أن يسارع الراعي الرسمي للاحتلال -البيت الأبيض- إلى إرسال مبعوثه وموفده إلى المنطقة العربية، كما صرح بذلك نائب رئيس المجلس السياسي لحزب الله، السيد "محمود قماطي"، في حديثه مع فضائية الجزيرة قائلا: لولا قوة المقاومة لما سعت أمريكا إلى الحل! وهو ما يحدث الآن في جولات المبعوث الأمريكي إلى بيروت "آموس هوكشتاين" لإجراء ما يسمى بمحادثات السلام، لممارسة الضغوط على الفرقاء اللبنانيين ومحاولات الابتزاز الحقيرة التي تجيدها الإدارة الأمريكية.. تماما كما حدث في ملف الوساطة مع حركة المقاومة الإسلامية "حماس" وأخواتها من فصائل المقاومة الفلسطينية، والضغوط التي مارستها أمريكا على الوسطاء (قطر، مصر) من خلال وزير خارجيتها "أنتوني بلينكن"، ورئيس وكالة المخابرات المركزية "وليم بيرنز"، وهو ما ضجت من منه الدوحة وأعلنه المتحدث باسم الخارجية القطرية؛ أن دولة قطر لن تخضع لمزيد من محاولات الابتزاز!

لا حل إذا إلا كما قال الأمين العام لحزب الله، السيد "نعيم قاسم"، في بيانه الأخير والذي تناقلته الصحف والمحطات الفضائية: لدينا مساران لا ينفصلان، أولهما مسار المقاومة، وثانيهما المفاوضات، وأن المقاومة باقية في كل الحالات، نجحت المفاوضات أو فشلت، وأن على العدو أن يتوقع الرد على وسط تل أبيب إذا أقدم على استهداف بيروت، وأن المقاتلين مستعدون لخوض معركة طويلة.. الخ.

ولا حل كذلك إلا بتفاهمات الفرقاء اللبنانيين للحيولة دون أي محاولات رخيصة من طرف الإدارة الأمريكية، مثل الحديث عن ضرورة تطبيق القرار الأممي الصادر من مجلس الأمن رقم "1701" والذي يقضي بنزع سلاح جميع الجماعات المسلحة في لبنان (حزب الله)! وأنه لن توجد أي قوات مسلحة غير قوات اليونيفيل والجيش اللبناني جنوب نهر الليطاني، إلى غيرها من شروط القرارات المعطلة التي لا تعاد الحياة إليها إلا لمناكفة المقاومة والنيل من المكاسب التي حققتها، وليس حبا في الحكومة اللبنانية ولا انتصارا لشرعيتها!..

وذلك تماما كما يتناول الراعي الأمريكي -عنوة!- المفاوضات بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال، والحديث عن المصالحة الفلسطينية وإنهاء القطيعة بين فصائل المقاومة ومنظمة التحرير الفلسطينية بتكوينها الحالي؛ من أعضاء حركة فتح ورجال السيد "أبي مازن" في السلطة الفلسطينية، صاحبة الصك الرسمي والحصري في الحديث باسم الشعب الفلسطيني، رضي الشعب أم لم يرض! أقيمت انتخابات أو لم تقم! فهؤلاء باقون بقوة الأمر الواقع، باقون بقوة الراعي الأمريكي، باقون بتزكية أصحاب المنح السخية في منطقتنا العربية، والتي يتم تحويلها عبر بنوك الاحتلال الإسرائيلي لتصل إلى السيد القابع في مقر إقامته بمدينة البيرة الملاصقة لمدينة رام الله!