يتعرض
الكاتب والباحث والمفكر الفرنسي
باسكال بونيفاس لحلقة جديدة من حلقات
حملة اللوبي الداعم لإسرائيل ضده بسبب موقفه
الناقد للكيان الصهيوني. وقد استغلت أذرع هذا اللوبي السياسية والإعلامية تعليقا
له على حسابه على "إكس" كريم بوعمران، وهو رئيس بلدية فرنسية من أصل
مغربي يحظى بـ"تلميع إعلامي" واضح في
فرنسا، تساءل فيه عما إذا كان
الأخير يحظى بهذا الإبراز لأنه "لا ينتقد نتنياهو"، وبأنه يتم
"استغلال مظهره كمسلم" لذلك. وقد تحركت هذه الأذرع المعروفة بخطابها
المعادي للإسلام والمسلمين، للتهجم وشيطنة بونيفاس واتهامه
بـ"العنصرية"، في مفارقة فاضحة!
وفي حديثه في برنامج على قناة "فرانس
2"، قبل أيام، انتقد رئيس بلدية سان أوين عن الحزب الاشتراكي، كريم بوعمران،
ما أسماه "استيراد الصراع الإسرائيلي ـ الفلسطيني إلى فرنسا لأغراض انتخابية".
وفي تعليقه على كلامه كتب بونيفاس في تدوينه
له "بصراحة، أتساءل عن هذا الرجل الذي لا أعرفه شخصيا. هل هو مثال للجدارة؟
إذا كان كذلك فجيد جدا! أو أنه يتم استغلاله كمسلم بالمظهر لا ينتقد نتنياهو
وبالتالي يستفيد من الترويج الإعلامي الكبير.. أنا في انتظار أن أرى".
وسرعان ما تحركت الأذرع المعروفة للوبي
الداعم لإسرائيل للتهجم وشيطنة مؤسس معهد البحوث الدولية والاستراتيجية (IRIS)بزعم استعماله
تعبير "مسلم في المظهر"، والادعاء بأن لذلك "مدلول عنصري".
ورغم أن بونيفاس قام بحذف تدوينته، منعا لأي استغلال وتجنبا لأي سوء فهم، فإن حملة
التهجم ضده تواصلت بشكل انتهازي بقدر ما أثارت الغضب بقدر ما أثارت السخرية، من
الأذرع نفسها التي ظلت لسنوات تتهم الباحث الفرنسي بأنه "معاد لليهود"
بسبب انتقاده لإسرائيل، وتتهمه الآن بـ"العنصرية والتنميط الهوياتي الديني
الإسلامي"، بينما هي معروفة بخطابها المعادي للإسلام والمسلمين! كما أن هذه
الأذرع الإعلامية نفسها لا تتوقف عن إبراز أصول كريم بوعمران المغربية. وقد سارع
هو نفسه لركوب الموجة وانتقاد بونيفاس، والمزايدة عليه بانتمائه الفرنسي.
في المقابل دعم قطاع واسع من المسلمين في
فرنسا بونيفاس، وأكدوا أنهم فهموا قصده بدون أي لبس، وأنهم يعرفون جيدا مواقفه في
مواجهة معاداة الإسلام والمسلمين، واتهموا الأذرع الإعلامية والسياسية التي تهاجمه
بالنفاق والانتهازية.
ومن بين هذه الأذرع الإعلامية مجلة
"لوبوان"، التي خصصت خلال بضعة أيام ستة مواضيع بين تقارير، ومقالات،
وفيديوهات لاستهداف بونيفاس، رغم سجل المجلة المعروف في معاداة الإسلام والمسلمين،
واستعمال أبواق بأسماء وأصول عربية ومسلمة (وإبراز ذلك) في الترويج لخطابها.
دعم قطاع واسع من المسلمين في فرنسا بونيفاس، وأكدوا أنهم فهموا قصده بدون أي لبس، وأنهم يعرفون جيدا مواقفه في مواجهة معاداة الإسلام والمسلمين، واتهموا الأذرع الإعلامية والسياسية التي تهاجمه بالنفاق والانتهازية.
وفي رده على هذه الحملة ضده، أكد بونيفاس
مؤلف الكتاب الشهير "المثقفون المزيِّفون" (بكسر الياء) أن المراد منها
"اغتيال مساره"، ومحاولة "إلغاء" وجوده الفكري، بعد التضييق
الذي يتعرض له منذ عقود، ومنعه من الحضور في وسائل الإعلام الفرنسية العامة
والخاصة، وخاصة محاولة مرة أخرى استهداف معهد البحوث الدولية والاستراتيجية، الذي
أسسه عام 1990، بغرض القضاء عليه مثلما حدث في السابق، حيث كاد أن يتعرض المعهد
للتصفية بعد اتهامات لبونيفاس بـ"معاداة السامية". وفي هذا السياق قام
رئيسا بلديتين في فرنسا بحظر التعامل مع المعهد بسبب تدوينة بونيفاس، رغم حذفها!
والحملة ضد بونيفاس (68 عاما) ليست جديدة،
إنما تعود لعقود بسبب موقفه الناقد لإسرائيل.
ولد باسكال بونيفاس في 1956 في العاصمة
الفرنسية باريس. ودرس بمعهد باريس للعلوم السياسية بجامعة "باريس2". وهو
حاصل على دبلوم الدراسات المعمقة في العلوم السياسية عام 1980، ودكتوراه الدولة في
القانون العام عام 1985.
وقد انضم في 1980 إلى الحزب الاشتراكي، وعمل
مع المجموعة البرلمانية للاشتراكيين داخل الجمعية الوطنية الفرنسية.
كما عمل بديوان وزير الداخلية االسابق جان
بيار شوفينمون ما بين عامي 1988 و1992، ثم عمل لاحقا في ديوان بيار جوكس، عندما
عمل كوزير للداخلية والدفاع، قبل أن يغادر بونيفاس الحزب الاشتراكي عام 2003 بسبب
موقفه من إسرائيل.
وبرز بونيفاس عام 1985 بالمجلة السنوية
"العام الإستراتيجي"، قبل أن يؤسس عام 1990 معهد العلاقات الدولية
والإستراتيجية "إيريس" الذي يعتبر من أهم معاهد التفكير والبحث في فرنسا
وفي العالم. وقد حظي المعهد بصفة "المنفعة العامة"، التي تخول له
الاستفادة من امتيازات قانونية ومالية كثيرة من أموال الدولة. وبسبب مواقف رئيسه
تعرض المعهد لضغوط خاصة مالية بمساع لقطع التمويل عنه، كادت تقضي عليه، كما أكد
بونيفاس. وقد تجددت هذه الضغوط الآن، وهي مرشحة ربما لمزيد من التصعيد.
بدأت مشاكل بونيفاس منذ بداية 2001 تقريبا،
عندما كان يشغل منصب المندوب الوطني للحزب الاشتراكي آنذاك للمسائل الاستراتيجية،
مذكرة إلى قيادة الحزب وبينهما الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا هولاند، شكك فيها
بونيفاس في "الفعالية" الانتخابية لخط سياسي للحزب يعتبر مواتياً للغاية
لإسرائيل، وتجاهل الناخبين الداعمين للقضية الفلسطينية. وتساءل عن التعامل
بازدواجية معايير تجاه إسرائيل. وفي هذه المذكرة نفسها، قارن بونيفاس بين رئيس
الوزراء الإسرائيلي أرييل شارون والسياسي النمساوي المتهم بتمجيد النازية، يورغ
هايدر.
قد تم تسريب هذه المذكرة في صيف 2001 من
خلال السفير الإسرائيلي في فرنسا إيلي بارنافي، الأمر الذي أثار جدلا حادا. وتعرض
بونيفاس لهجوم واسع من الأوساط اليهودية الصهيونية ومن داعمي إسرائيل الآخرين،
وكان من نتائج انسحاب عدة شخصيات من معهد "إيريس".
كما تعرض بونيفاس للحصار داخل الحزب
الاشتراكي، وأقيل من منصبه كمسؤول عن ملف القضايا الإستراتيجية بالحزب، مما اضطره
لمغادرة الحزب نهائيا عام 2003، منتقدا بشدة ارتهانه للانحياز الكامل إلى إسرائيل
ومؤيديها، وفي مقدمهم المنظمات التي تقول إنها تمثل يهود فرنسا.
وقد أصدر بونيفاس في العام نفسه كتابا
بعنوان "هل بالإمكان انتقاد إسرائيل؟" خلص فيه عن تجربة خاصة وعن وقائع
موثقة أنه فرنسا لا يمكن توجيه أي انتقاد لإسرائيل مهما كان الحزب أو التيار
الموجود في السلطة، وكذلك الأمر بالنسبة لوسائل الإعلام والطبقة السياسية.
وقد زاد الكتاب من التهجم عليه من اللوبي
الداعم لإسرائيل، واتُّهم بمعاداة السامية. كما طالت الحملة حتى إعلاميين تناولوا
بإيجابية الكتاب في وسائل إعلام فرنسية.
وفي 2006 نشر بونيفاس بالتعاون مع إليزابيث
شيملا كتابا بعنوان "احذروا النيران: الشرق الأوسط، معاداة السامية، الإعلام،
الإسلاموفوبيا، الطائفية، الضواحي".
ونشر قبل ذلك في 2004 كتابا بعنوان
"تحديات العالم العربي" بالتعاون مع ديدييه بيليون.
وبعد عدد أخر من الكتب، بمعدل كتاب وأحيانا
كتابين في السنة، بين دراسات وحتى رواية، نشر بونيفاس في 2010، كتابا أثار ومازال
ضجة واسعة، بعنوان "المثقفون المزيِّفون (بكسر الياء)..كيف يصنع الإعلام
خبراء في الكذب". وفقد رفضت أكثر من 10 دور النشر نشر الكتاب بسب فضحه
وتعريته للمثقفين المزيِّفيين (بكسر الياء) والمزيَّفين (بفتح الياء)، الذين يبثون
الأكاذيب ويدعمون كلهم إسرائيل وفي مقدمهم الكاتب الفرنسي برنار هنري ليفي، وبينهم
كذلك الكاتب الجزائري محمد سيفاوي، الذين يتم إبرازهم في الإعلام الفرنسي، وخاصة التلفزيوني
برغم سجلهم في التزييف وبث الأكاذيب. ومازال صدى هذا الكتاب يتردد حاليا، خاصة مع
العدوان الإسرائيلي على غزة، وتصدر نفس الوجوه للمشهد وبنفس الزيف والتزييف في دعم
إسرائيل، بل وبشكل أبشع. ولضيق مساحة المقال سنعود لهذا الكتاب بالتفصيل في مقال
لاحق.
ورغم الحملة المستمرة التي ظلت تلاحقه أصدر
بونيفاس عام 2018، كتابا بعنوان "معادٍ للسامية" واجه فيها الشيطنة التي
يتعرض لها بزعم أنه معاد لليهود. وقد أكد رفضه لهذه الاتهامات، وعلى أن هناك تعمد
من أنصار إسرائيل للخلط بين معاداة السامية المرفوضة، وبين انتقاد إسرائيل
والصهيونية.
ورغم تشديده على أنه ليس ضد دولة إسرائيل
إنما مع حل عادل للشعب الفلسطيني المحتل، عبر حل الدولتين، إلا أنه تعرض ومازال
للشيطنة.
وقد تم الاعتداء عليه بعنف في العام نفسه
بعد صدور الكتاب، في مطار تل أبيب بدون أي تدخل من الأمن وداخل المنطقة الممنوعة
عن المسافرين، وسط تساؤلات عن كيف عرف المعتدون بموعد وصوله. وقد أكد بونيفاس أن
سفارة وقنصلية فرنسا في إسرائيل لم تحمه رغم أنه كان مدعوا للمشاركة في ندوة
منظمة من طرف القنصلية نفسها والمعهد الثقافي الفرنسي هناك. وذكر بونيفاس أنه حتى
عندما عاد لباريس، وقدم شكوى للشرطة الفرنسية، ولكن لم تكن هناك أي متابعة للشكوى
مع أنه تم التعرف على المعتدين الذين وثقوا اعتداءهم عليه بفيديو!
وبرغم حملة الترهيب التي يتعرض لها قد أصدر
بونيفاس كتبا أخرى في نفس الاتجاه بينها "فرنسا المريضة من الصراع الإسرائيلي
العربي" (2014)، و"الإطفائيون المهووسون بإشعال الحرائق" (2015)،
و"المثقفون النزهاء"
(2013).
ولمواجهة الحصار الإعلامي عليه خاصة من
القنوات التلفزيونية الفرنسية العامة والخاصة، أطلق بونيفاس قناة يوتيوب خاصة به
تحظى بمتابعة جيدة، يعبر فيها بحرية عن أفكاره وفي مقدمها انتقاداته لإسرائيل
واللوبي الداعم لها بالحجج القوية، التي زادت بروزا مع العدوان المستمر على غزة
منذ أكثر من عام.