ملفات وتقارير

يحيى السنوار.. "ابن المخيم" الذي سايس الاحتلال بـ"الخاوة" وواجهه بالاشتباك

اشتهر السنوار بالعديد من المواقف والتصريحات التي تضمنت تصرفات وعبارات عامية وشعبية ومتحدية- جيتي اشتهر السنوار بالعديد من المواقف والتصريحات التي تضمنت تصرفات وعبارات عامية وشعبية ومتحدية- جيتي
اشتهر السنوار بالعديد من المواقف والتصريحات التي تضمنت تصرفات وعبارات عامية وشعبية ومتحدية- جيتي
مر 73 يوما على تعيين القيادي البارز في حركة حماس يحيى السنوار، رئيسا لمكتبها السياسي، خلفا لرئيس الوزراء الفلسطيني المنتخب إسماعيل هنية، الذي قضى أيضا في قصف إسرائيلي.

وجاء استشهاد السنوار في اشتباك مباشر وميداني مع جيش الاحتلال، ليعكس الشخصية الواضحة التي تكشفت منذ صعوده إلى المناصب القيادية، بعد الإفراج عنه ضمن صفقة "وفاء الأحرار" في عام 2011.

واشتهر السنوار بالعديد من المواقف والتصريحات، التي تضمنت تصرفات وعبارات عامية وشعبية معروفة لدى الشارع في قطاع غزة، تدل على التحدي وعدم الخوف، ولعل أبرزها كلمات "خاوة" و"ملطة"، وإعلانه أنه سيغادر من البث المباشر مشيا على الأقدام.



ابن المخيم
ولد يحيى إبراهيم حسن السنوار عام 1962 في مخيم خان يونس للاجئين جنوب قطاع غزة، بعد أن نزحت أسرته من مدينة المجدل شمال شرق القطاع بعد احتلالها عام 1948.

أكمل تعليمه في مدرسة خان يونس الثانوية للبنين، قبل أن يلتحق بالجامعة الإسلامية بغزة، ويتخرج منها بدرجة البكالوريوس في شعبة الدراسات العربية.

ونشأ في ظروف صعبة وتأثر في طفولته بالاعتداءات والمضايقات المتكررة للاحتلال الإسرائيلي لسكان المخيمات.



أدى يحيى السنوار دورا بارزا في النشاط الطلابي خلال مرحلة الدراسة الجامعية، إذ إنه كان عضوا فاعلا في الكتلة الإسلامية، وهي الفرع الطلابي لجماعة الإخوان المسلمين في فلسطين.

وشغل مهام الأمين العام للجنة الفنية، ثم اللجنة الرياضية في مجلس الطلاب بالجامعة الإسلامية بغزة، ثم نائبا لرئيس المجلس ثم رئيسا للمجلس. 

ساعده النشاط الطلابي على اكتساب خبرة وحنكة، أهلته لتولي أدوار قيادية في حركة حماس بعد تأسيسها عام 1987.

وبتكليف من مؤسس حماس الشيخ أحمد ياسين، أسس السنوار مع القياديين في حماس، خالد الهندي وروحي مشتهى، عام 1986 جهازا أمنيا، أطلق عليه منظمة الجهاد والدعوة، ويعرف باسم "مجد"، كانت مهمته كشف عملاء وجواسيس الاحتلال الإسرائيلي.

"مرمطة وخاوة"
في حزيران/ يونيو، وبعد تصاعد العدوان على غزة عام 2021، المعروفة فلسطينيا باسم معركة "سيف القدس"، قال السنوار بلهجة متحدية وساخرة: "نتحدث الآن أمام مجموعة من الأكادميين، لكن اسمحوا لي أن استخدم مصطلحات السوق.. مرمطنا (آلمنا وأوجعنا) تل أبيب، وجعلناها "ملطة" (متلقية للضربات)، وما خفي أعظم".



وسبق ذلك بثلاثة شهور، موقف آخر قال فيه السنوار على الهواء مباشرة؛ إنه سيغادر المكان مشيا على الأقدام: "سأنهي هذا اللقاء بعد عشر دقائق، وسأخرج مشيا في الشوارع لنصف ساعة، وبإمكان إسرائيل اتخاذ القرار وتنفيذه".



وفي نيسان/ أبريل 2020 خلال جائحة "كورونا"، لوّح السنوار، خلال مقابلة متلفزة أجراها مع فضائية "الأقصى" بـ"قطع النفس عن 6 مليون صهيوني"، وأخذ ما يريده "خاوة" (غصبا)، في حال وجد أنّ مصابي فيروس كورونا في قطاع غزة لا يقدرون على التنفس.



سنوات السجن
تعرض السنوار للاعتقال أول مرة عام 1982 بسبب نشاطه الطلابي وقضى أربعة أشهر، وأعيد اعتقاله بعد أسبوع من إطلاق سراحه، ليمكث في السجن 6 أشهر من دون محاكمة.

مطلع العام 1988، اعتقل مرة أخرى وحوكم بتهم تتعلق بقيادة عملية اختطاف وقتل جنديين إسرائيليين، وقتل أربعة فلسطينيين يشتبه في تعاونهم مع الاحتلال، وصدرت في حقه 4 مؤبدات (مدتها 426 عاما).


تولى السنوار، خلال فترة اعتقاله، قيادة الهيئة القيادية العليا لأسرى "حماس" في السجون لدورتين تنظيميتين، وساهم في إدارة المواجهة مع مصلحة السجون خلال سلسلة من الإضرابات عن الطعام، بما في ذلك إضرابات أعوام 1992 و1996 و2000 و2004.

وتنقل بين عدة سجون؛ منها المجدل وهداريم والسبع ونفحة، وقضى 4 سنوات في العزل الانفرادي، عانى خلالها من وضعه الصحي، حيث اكتشف أن لديه نقطة دم متجمدة في الدماغ، ما استدعى عملية جراحية استمرت لسبع ساعات.


حاول السنوار الهروب من السجن عدة مرات، إحداها في سجن المجدل، عندما استطاع حفر ثقب في جدار زنزانته بواسطة سلك ومنشار حديدي صغير، وعندما لم يتبق سوى القشرة الخارجية للجدار، انهارت وكشفت محاولته، فعوقب بالسجن في العزل الانفرادي.

وتمكن في المحاولة الثانية في سجن الرملة من قطع القضبان الحديدية من الشباك، وجهز حبلا طويلا، لكنه كشف في اللحظة الأخيرة.

وحرم خلال فترة سجنه من الزيارات العائلية، وصرح شقيقه غداة الإفراج عنه، أن الاحتلال منعه من زيارة يحيى 18 عاما، كما أن والده زاره مرتين فقط خلال 13 عاما.

للعمل مرة أخرى 
نال يحيى السنوار حريته عام 2011، وكان واحدا من بين أكثر من ألف أسير حرروا مقابل الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط، ضمن صفقة "وفاء الأحرار" التي قادتها حركة حماس.

وانتخب السنوار عضوا في المكتب السياسي لحركة حماس عام 2012، كما أنه تولى مسؤولية الجناح العسكري كتائب عز الدين القسام، وشغل مهمة التنسيق بين المكتب السياسي للحركة وقيادة القسام.

اختارته حركة حماس عام 2015 مسؤولا عن ملف أسرى الاحتلال لديها، وكلفته بقيادة المفاوضات بشأنهم مع الاحتلال الإسرائيلي، وفي ذات العام صنفته الولايات المتحدة في قائمة "الإرهابيين الدوليين"، ووضعته دولة الاحتلال على لائحة المطلوبين للتصفية في قطاع غزة.


ومطلع عام 2017، انتخب السنوار رئيسا لحركة حماس في قطاع غزة خلفا لإسماعيل هنية، وخلال تلك الفترة، حاول إنهاء الانقسام وإصلاح العلاقات بين حركة حماس في غزة والسلطة الفلسطينية بقيادة حركة فتح في الضفة الغربية دون جدوى.

وفي آذار/ مارس 2021، أعيد انتخابه رئيسا لحركة حماس في غزة لولاية ثانية مدتها 4 سنوات.
تعرض منزله للقصف عدة مرات، إذ قصفته طائرات الاحتلال ودمرته بالكامل عام 2012، وخلال العدوان على قطاع غزة عام 2014، ثم خلال غارات جوية إسرائيلية في أيار/ مايو 2021.

"مهندس الطوفان"
أصبح يحيى السنوار عقب عملية طوفان الأقصى، المطلوب الأول لدى الاحتلال، إضافة إلى محمد الضيف، القائد العام لكتائب عز الدين القسام.


وبات اغتيال السنوار أهم أهداف العدوان الذي شنه الاحتلال على قطاع غزة، حيث اعتبره قادة الاحتلال مهندس العملية والعقل المدبر لها.

وفرضت بريطانيا وفرنسا عقوبات على السنوار، تشمل تجميد أصول مالية وحظر السفر.
خلال الحرب لم يظهر السنوار علنا، إلا أن صحيفة هآرتس العبرية قالت؛ إنه التقى بعض الأسرى الإسرائيليين خلال فترة احتجازهم في غزة، وأخبرهم بلغة عبرية سليمة أنهم في المكان الأكثر أمانا، ولن يتعرضوا لأي مكروه.

"في نظر العدو"
في حزيران/ يونيو 2024، زعم طبيب إسرائيلي قال؛ إنه عالج السنوار من ورم خطير كان يهدد حياته خلال فترة اعتقاله في سجن نفحة الإسرائيلي، أنه كان يشعر بحدوث 7 أكتوبر منذ مدة.


وقال الطبيب يوفال بيتون لشبكة "سي إن إن"؛ إنه عندما علم بخبر هجوم "حماس"، كان يشعر مسبقا بأن الأمر قادم وعرف على الفور من يقف وراءه، مضيفا: "أعرف الشخص الذي خطط وفكر وبدأ في هذا الهجوم الإجرامي.. لقد عرفته منذ عام 1996 ليس هو فقط، بل قيادة حماس بأكملها في غزة، وكان من الواضح لي أن هذا هو ما كانوا يخططون له".


في 18 تشرين الأول/ أكتوبر 2011، وقف بيتون في ساحة سجن كتسيعوت، يراقب السنوار وهو يستقل حافلة متجهة إلى غزة، بعد أن شهد القوة المقنعة لقيادة السنوار عن قرب، كشف أنه حث المفاوضين على عدم إطلاق سراحه، إلا أنه تم نقض قراره، باعتبار أن زعيم "حماس" الحالي في غزة، "لم تكن يداه ملطختين بالدماء اليهودية".

وقال بيتون: "اعتقدت أنك بحاجة إلى النظر إلى قدرات السجين لاستخدام قدراته ضد إسرائيل، وليس فقط ما فعله – إمكاناته".

وأشار الطبيب إلى لقطات الفيديو التي أظهرت السنوار عابسا في حفل استقبال الأسرى، ومن ثم خرج في مقابلة قال فيها: "لن ندخر أي جهد لتحرير بقية إخوتنا وأخواتنا، نناشد كتائب القسام أن تقوم باختطاف المزيد من الجنود لمبادلتهم بحرية أحبائنا الذين ما زالوا خلف القضبان".. لقد أخبرنا بما سيفعله.. لم نرغب في الاستماع".