كتب

إصلاح الأمم المتحدة ضرورة ملحة لبناء نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب

العالم المتعدد الأقطاب وغير المتكافئ يحتاج إلى قواعد مُتّفَق عليها ومؤسسات قوية لمواجهة التحديات العالمية، مثل القضاء على الفقر، والحد من عدم المساواة، وانتشار التسلح.. الأناضول
الكتاب: "المنظمات الدولية في عالم متغير"
الكاتب: د. حسين طلال مقلد
الناشر: دار الكتاب الجامعي، دولة الإمارات العربية المتحدة، 2025
(عدد الصفحات: 715  من القطع الكبير)

عقب نهاية الحرب العالمية الثانية سنة 1945، قام النظام الدولي على أساس الاستقطاب العسكري و الإيديولوجي  بين كلا من الولايات المتحدة الأميركية التي تقود المعسكر الرأسمالي الغربي،ممثلا في حلف دول شمالي الأطلسي، والا تحاد السوفياتي الذي يقوده المعسكر الاشتراكي ممثلا في حلف وارسو، وسمي ذلك النظام الدولي بنظام القطبية الثنائية، لأنَّ كل من الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي  كانا أهم القوى الرئيسية الفاعلة في النظام الدولي، وحافظا على التوازن و الاستقرار الدوليين حتى نهاية الحرب الباردة، وانهيارالاتحاد السوفياتي، مع إعادة بناء العولمة الرأسمالية الجديدة تحت حماية و هيمنة الولايات المتحدة، التي تحولت إلى أكبر قوة عظمى مفرطة القوة في النظام  العالمي الليبرالي الجديد الأحادي القطبية.

ومنذ أن ظهرت الأمم المتحدة إلى الوجود في 26 أكتوبر سنة 1945،بعد تصديق الدستور من قبل الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن –و بأغلبية من الموقعين الآخرين ال46  ،ظلت الأمم المتحدة تمثل مصدرًا للشرعية الدولية، رغم احتلال الولايات المتحدة الأمريكية موقعا فريدا في قيادتها، نظرالإسهامها الكبير في نسبة موازنتها 22 في المئة، و27 في المئة من موازنة قوات حفظ السلام، رغم أن الجدل القائم والمعاداة الأميركية في الجمعية العمومية يحجبان هذا الواقع.

أفضل المنظمات الدولية هي تلك التي تعزز التعاون الاقتصادي والسياسي وتدعم العولمة من خلال الدبلوماسية، وأضعفها تلك المنظمات التي تعاني من الجمود مثل مجلس الأمن الدولي، ومنظمة الصحة العالمية، ومنظمة التجارة العالمية، كنتيجة لتنافس القوى الكبرى والمصالح القومية المختلفة، واللجوء إلى حق النقض لعرقلة حلّ الأزمات الدولية، والنظر إلى المصالح الضيقة كبديل للتعددية.
في السنوات الأخيرة، أصبح موضوع إصلاح الأمم المتحدة مطروحا بقوة، وذلك من جراء السياسات الأمريكية  التي تفردت بقيادة النظام الدولي أحادي القطبية، ولاسيما في ظل السنوات الثماني من إدارة الرئيس السابق بوش الإبن، التي شهد فيها العالم اندلاع الحروب الإقليمية في أفغانستان و العراق، وتنامي ظاهرة الإرهاب الدولي، وغرق العالم في مزيد من الفوضى وعدم الاستقرار، وعجز الولايات المتحدة الأميركية عن إدارة أزمات العالم بمفردها، إضافة إلى تعالي العديد من الأصوات في القارات الخمس تطالب بضرورة إعادة بناء نظام دولي جديد متعدد الأقطاب، وإصلاح الأمم المتحدة الذي  بات مطلباً ضرورياً بعد أن شاخت وترهلت هذه المنظمة الدولية، ولم تعد تقوم بالدور الأساسي الذي أنشئت من أجله.

إن إطلاق قطار الإصلاح الأول سيكون بمنزلة  اختبار لعمليات تحديث أخرى: البت في كيفية إنقاذ هذه المؤسسة الدولية العريقة التي تواجه خطر تهميشها وإعفاءها من مهامها التي أنيطت للقيام بها..بيد أن الإصلاح الرئيس للعديد من المطالبين به يتمثل في إعادة تشكيل مجلس الأمن الدولي.فهذه المؤسسة الدولية المسؤولة عن تعزيز الأمن الدولي ومنع إنتشار أسلحة الدمار الشامل و مكافحة خطر الإرهاب الدولي..الخ، مطالبة باستقبال أعضاء جدد دائمي العضوية في مجلس الأمن، و إذا كان الأمر بنعم، فمن هم؟

مما لاشك فيه أن إصلاح مجلس الأمن مطروح على جدول الأعمال منذ وقت طويل، لكن النقطة الوحيدة التي تشكل إجماعا داخل الأمم المتحدة هي أن الوضع الحالي غير مرضي على الإطلاق، في عصر لا نظير له مليء بأكثر القضايا قسوة مثل قضايا الفقر ـ المرض ـ الحروب و الظلم. ويتساءل الكثير من الأمريكيين لماذا يجب على الشرعية الدولية أن تمنح لبلدان  ليس لها مسؤوليات  في مجال الأمن الشامل  مثل الكاميرون، والمكسيك، أو أنغولا (كل هذه البلدان الثلاثة  كانت  أعضاء في مجلس الأمن في وقت الحرب على العراق)، أو إلى بلدان غير ديمقراطية مثل الصين. وهناك بلدان غنية وكثيرة السكان  مثل اليابان وألمانيا اللتين تتمتعان بمزايا و أفضليات أكثر من بريطانيا و فرنسا ، اللتين تعود عضويتهما الدائمة في مجلس الأمن إلى نتائج الحرب العالمية الثانية التي انتهت منذ ستين سنة. ومن جانب آخر، يرفض المواطنون في إفريقيا و أمريكا اللاتينية أن يكون السلم والأمن الدوليين مقررين من جانب الولايات المتحدة الأمريكية و بعض البلدان الأوروبية بإطلاقية.

في مارس 2004قدم الأمين العام للأمم المتحدة السابق كوفي أنان تقريرًا استعرض فيه المبادىء الأساسية للإصلاح الشامل لمنظمة الأمم المتحدة ومجلس الأمن. وأصر كوفي أنان في حينه على أن مجلس الأمن الدولي ـ الذي يضم اليوم كل من الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا والصين وبريطانيا وفرنسا، كأعضاء دائمي العضوية، وعشرة أعضاء يتناوبون كل سنتين، لن يحظى بالإحترام ، ولاسيما من قبل بلدان العالم الثالث، إلا إذا تغيرت تركيبته.

وإذا تقرر إنشاء مقاعد دائمة جديدة فهناك عدد من المنافسين الأقوياء الذين يستحقون شغلها . وليس سرا أن كوفي أنان قد عبر عن تأييده لكلا الخيارين، الأول : وتدعمه مجموعة الأربع  المتكونة من اليابان و ألمانيا و الهند و البرازيل ، ويأمل في وصول ستة أعضاء جدد دائمي العضوية في مجلس الأمن الدولي( مجموعة الأربع +دولتين إفريقيتين غير محددتين أيضا)، إضافة إلى  أربعة أعضاء جدد غير دائمي العضوية. وفي هذا الخيار، سينتقل العدد الإجمالي  لأعضاء مجلس الأمن من 15 إلى 25. أما حق النقض فسيظل حكرا على الأعضاء الدائمين الخمسة الحاليين.  و لم يلق هذا الخيار  الإجماع. الثاني: وتدعمه مجموعة من البلدان  متكونة  من إيطاليا، باكستان، كوريا الجنوبية، و إسبانيا . و تطالب هذه المجموعة بتوسيع مجلس الأمن إلى 25 عضوا ، و لكن بزيادة  الأعضاء غير الدائمين فقط(10)، مختارين من مجموعة (30)، و لكن بزيادة فترة صلاحياتهم من سنتين إلى أربع سنوات.بالنسبة للمدافعين عن هذا الخيار، ستتجنب هذه المقاربة  ضرورة إختيار عضو دائم في مجلس الأمن من بين المتنافسين الإقليميين مع إمكانية إفساح في المجال لبلدان مهمة  أن تكون حاضرة  كثيرا في المجلس من بلدان صغيرة جدا.

من الملاحظ أن أيا من الخيارين  لا يراعي تخويل أعضاء المجلس الجدد حق النقض"الفيتو". ولهذا  من الضروري الإصرار على أوسع وفاق ممكن بين الأعضاء بهذا الشأن.ويبدو أن مثل هذا الوفاق معدوم حتى الآن،إذ أصر ممثلو البرازيل و الهند و اليابان ، وهذه الدول من أقوى المنافسين  على المقاعد في القوام الموسع لمجلس الأمن الدولي. و هذا مفهوم لأن الخيار الثاني  يحرم هذه الدول من الحضور الدائم في مجلس الأمن.و الإشكالية ، أنه في حال إنضمام الهند أو اليابان إلى عداد الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن في سياق عملية الإصلاح المرجوة، فإنه في مثل هذه الحالة سيطرح السؤال التالي: ما الموقف من ألمانيا أو إيطاليا أو البرازيل؟ 

وإذا قبلت البرازيل ممثلة عن أمريكا اللاتينية فستبرز حتما مسالة المكسيك و الأرجنتين، و ذا قبلت مصر ممثلة عن  إفريقيا ، فستثار مسألة جمهورية جنوب إفريقيا و غيرها. ويتطلب كل إصلاح في مجلس الأمن بالضرورة موافقة الخمسة  أعضاء الدائمين  إضافة إلى ثلثي أعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة، أي 128 من أصل 191 عضوا . ثم إن صعوبة تجميع مثل هذا الدعم ستحدث أيضا  نشاطا قويا للوبيات داخل الأمم المتحدة.وهناك دولتان تمتلكان حق النقض، هما الولايات المتحدة الأمريكية و فرنسا، ستلعبان دورا نقديا إن لم نقل مصيريا في النقاشات المقبلة.

مما لاشك فيه أن إصلاح مجلس الأمن مطروح على جدول الأعمال منذ وقت طويل، لكن النقطة الوحيدة التي تشكل إجماعا داخل الأمم المتحدة هي أن الوضع الحالي غير مرضي على الإطلاق، في عصر لا نظير له مليء بأكثر القضايا قسوة مثل قضايا الفقر ـ المرض ـ الحروب و الظلم.
يعتقد الخبراء أنّ مجلس الأمن الدولي "مشلول"، وكذلك الجمعية العامة والأمين العام للأمم المتحدة على حدّ سواء فهما يسهمان في إظهار ضعف المنظمة الدولية، واكتفاء المنظمة بتحقيق "القليل". بدوره حذّر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش  António Guterres)) في خطاب ألقاه في الجمعية العامة للأمم المتحدة من أنّ الدول "تلتهمها أحماض القومية والمصالح الذاتية".

تلعب الأمم المتحدة دوراً هاماً في حل العديد من المشاكل مثل التنمية المستدامة، المحافظة على البيئة، معالجة مشاكل الفقر المدقع، وحل المشاكل الدولية بالطرق السلمية. ويصف الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، واقع "صراعات العالم بأنها أصبحت معقدة"، لأنها تضع العالم أمام كوارث الجوع والعطش وتدهور الحياة، وتتجاوزها نحو أخطار حروب الفناء النووي، التي حملتها تلميحات روسية جاءت في تداعيات الحرب على أوكرانيا.

ويمكن للمنظمات الدولية أن تمتلك درجات متفاوتة من القوة والتأثير، اعتماداً على سلطاتها تجاه الدول الأعضاء. وفي حين أن بعض المنظمات نجحت في تحقيق أهدافها، فإنّ بعضها الآخر يواجه الانتقادات والتحديات في تنفيذ برامجها وسياساتها.

أهمية هذا الكتاب

يحاول هذا الكتاب الإجابة عن الأسئلة التالية: ما هي آثار المنظمات الدولية على العلاقات الدولية؟ أين تنسجم مع أدبيات العلاقات الدولية؟ كيف يجب أن ندرسها؟ كيف انتقل المجتمع الدولي من خلال الفوضى ومنطق "القوي يأكل الضعيف" و"حرب الكلّ ضد الكلّ" إلى حالة النظام ودور المؤسسات الدولية في التركيز على القانون الدولي والنظام.

هذه هي الأسئلة الأساسية الكامنة وراء هذا الكتاب.

ويخلص الكتاب إلى أنّ أفضل المنظمات الدولية هي تلك التي تعزز التعاون الاقتصادي والسياسي وتدعم العولمة من خلال الدبلوماسية، وأضعفها تلك المنظمات التي تعاني من الجمود مثل مجلس الأمن الدولي، ومنظمة الصحة العالمية، ومنظمة التجارة العالمية، كنتيجة لتنافس القوى الكبرى والمصالح القومية المختلفة، واللجوء إلى حق النقض لعرقلة حلّ الأزمات الدولية، والنظر إلى المصالح الضيقة كبديل للتعددية.

فالعالم المتعدد الأقطاب وغير المتكافئ يحتاج إلى قواعد مُتّفَق عليها ومؤسسات قوية لمواجهة التحديات العالمية، مثل القضاء على الفقر، والحد من عدم المساواة، وانتشار التسلح، والتوترات الجيوسياسية والإرهاب، بحيث تتطلب هذه التحديات التعاون والتآزر بين الدول الأعضاء والجهات الفاعلة الأخرى.

وقد اعتمد الدكتور حسين مقلد  في هذا الكتاب المناهج المستخدمة في الكتب الجامعية، والتي تعتمد بشكل أساسي على استخدام الاستقراء والاستنباط، وتوصيف النظريات والمداخل ومستويات التحليل، لجعل المعلومات أسهل وأكثر شمولية. وقد تمّ استخدام العديد من دراسات الحالة  التي ترسخ المعلومات بشكل أفضل، وتربط بين النظرية والواقع، كما تؤدي الى تقليص الفجوة بين العالم الأكاديمي والعالم النظري.

اقرأ أيضا: هل يمكن إصلاح المنظمات الدولية في ظل النظام العالمي الليبرالي الأمريكي؟ (1)

اقرأ أيضا: هل يمكن إصلاح المنظمات الدولية في ظل النظام العالمي الليبرالي الأمريكي؟ (2)

اقرأ أيضا: هل يمكن إصلاح المنظمات الدولية في ظل النظام العالمي الليبرالي الأمريكي؟ (3)