أعلنت المكلفة بإدارة البعثة الأممية في
ليبيا، ستيفاني خوري، أنها ستجمع أطراف النزاع حول المصرف المركزي الليبي، وبالفعل
جمعت ممثلا عن مجلس النواب وممثلا عن المجلس الأعلى للدولة، ولعدم قبول الطرفين
المشار إليهما آنفا حضور ممثل المجلس الرئاسي، الذي يحملانه مسؤولية ما وقع من
تأزيم، فقد التقت به المكلفة بالبعثة على حدة.
في إدارة الأزمات من المهم احتواء أي تصدعات إضافية تتفرع عن الأزمة الرئيسية، غير أن النزاع حول إدارة المصرف المركزي ليست مجرد تفريعة، ذلك أن الخلاف حول منصب المحافظ هو خلاف حول الموارد المالية التي يديرها المركزي، وما لم يحل هذا الإشكال فإن تسمية محافظ لن تنهي النزاع القائم.
ممثل المجلس الأعلى للدولة، الهادي الصغير، أكد
بعد أن انفض الاجتماع أنه ونظيره قد توصلا لاتفاق، وأن اليوم التالي سيشهد التوقيع
على هذا الاتفاق من قبل المجلسين، ولم يتحقق ما وعد به وأكده في مداخلته على قناة
ليبيا الأحرار، وهو ما أكدته البعثة أيضا في بيان لها، وانتهى الأمر إلى الإعلان
عن مهلة 5 أيام للمجلسين للتوقيع على الاتفاق، الذي يتضمن التوافق على تسمية محافظ
للمصرف المركزي خلال 30 يوما.
من خارج البلاد، وفي ظهور إعلامي نشط على
غير العادة، صرح الصديق الكبير أنه بمجرد الإعلان عن الاتفاق سيعود لسابق عمله، أكد
هذا مرات عديدة خلال الأيام القليلة الماضية، ويبدو أنه استند إلى تطمينات من مجلس
النواب، غير أن ظهوره المكثف وخطابه الجازم قد يكون علامة قلق وعدم ثقة، ويأتي من
باب ممارسة الضغوط على المعنيين بالأزمة من داخل البلاد وخارجها.
من الضروري التنبيه إلى مسألة مهمة وتتعلق
بطبيعة حالة التأزيم الليبية، والتي تشتد تعقيدا مع مرور الوقت وتنتقل من مستوى
إلى آخر تصاعدي، فقبل أسابيع قليلة كان محور الخلاف حول قوانين الانتخابات، فإذا
بالنزاع يتطور إلى مستوى أكبر بعيدا عن مسار التسوية إلى حلقة جديدة هي المصرف
المركزي، وهذا مؤشر سلبي يدلل على أن عمر الأزمة غير قصير وأن سبل احتوائها لن
تكون سهلة.
هناك عقبات في طريق التوافق على إدارة
المصرف المركزي: أولاها هي أن أزمة المصرف المركزي التي تفجرت بقرارات المجلس
الرئاسي إنما هي في بعض جوانبها ردة فعل على قرارات مجلس النواب بشطب السلطة
التنفيذية بالكلية، المجلس الرئاسي وحكومة الوحدة الوطنية، وانتزاع منصب القائد
الأعلى للقوات المسلحة من المجلس الرئاسي كما تنص الاتفاقات التي أقرها مجلس
النواب، وبالتالي سيكون من غير المنطقي تسوية النزاع حول المصرف المركزي دون الربط
بينه وبين ما أقدم عليه النواب بخصوص سلطة وصلاحيات المجلس الرئاسي وحكومة الوحدة
الوطنية.
ثانيها، النقطة المتعلقة بتمثيل المجلس
الأعلى للدولة، الشريك في جهود حل أزمة المصرف المركزي، ذلك أن الخلاف حول رئاسته
لم يحل بشكل نهائي، وبالتالي فإن المجلس الأعلى منقسم، وله رئاستان، وقيل إن
البعثة بقبولها تمثيل الصغير لم تغلب دعوى خالد المشري رئاسته للمجلس، وأنها ستتبع
سياسة تقصي مواقف جميع الاعضاء في المجلس بغض النظر عن حالة الخلاف والانقسام التي
يشهدها المجلس الأعلى، وهذا قد يصعب المهمة أمام البعثة ويعقد عملية الوصول إلى
قرار يعبر عن الأعلى للدولة.
هناك حاجة ماسة إلى اتفاق شامل يأخذ في الاعتبار كافة القضايا التي تشكل بؤر النزاع، بما في ذلك كيفية إدارة إيرادات النفط، وما لم يقع ذلك فإن أي اتفاقات جزئية لن تحل الأزمة وستكون مجرد مسكنا لها لا أكثر.
ثالثها، أن الاتجاه الظاهر لممثلي المجلسين
في التفاوض الذي تشرف عليه البعثة هو عدم قبول المجلس الرئاسي كطرف في التسوية،
برغم اعتداد البعثة به، ولأن المجلس الرئاسي صار يعبر عن موقف منتظم سياسي وعسكري
فاعل في المنطقة الغربية، فإن استبعاده يضعف من نتائج التفاوض ويجعل توافقات
المجلسين وفق الوضع الراهن غير ذات وزن.
المجلس الرئاسي نجح في أن يفرض نفسه كطرف في
المعادلة السياسية، ويبدو أن النزاع حول رئاسة المجلس الأعلى للدولة والانقسام
الحاد الذي أصابه سيفسح للرئاسي المجال ليكون الواجهة السياسية للمجموع السياسي
والعسكري في الغرب المقابل لجبهة الشرق بقيادة رئاسة النواب والقيادة العامة
التابعة له.
في إدارة الأزمات من المهم احتواء أي تصدعات
إضافية تتفرع عن الأزمة الرئيسية، غير أن النزاع حول إدارة المصرف المركزي ليست
مجرد تفريعة، ذلك أن الخلاف حول منصب المحافظ هو خلاف حول الموارد المالية التي
يديرها المركزي، وما لم يحل هذا الإشكال فإن تسمية محافظ لن تنهي النزاع القائم.
هناك حاجة ماسة إلى اتفاق شامل يأخذ في
الاعتبار كافة القضايا التي تشكل بؤر النزاع، بما في ذلك كيفية إدارة إيرادات
النفط، وما لم يقع ذلك فإن أي اتفاقات جزئية لن تحل الأزمة وستكون مجرد مسكن لها
لا أكثر.