تمكّنت الأجهزة الأمنية
اللبنانية، من اعتقال عدد من المتعاملين مع الاحتلال الإسرائيلي. ومن بينهم ممرّض قام بتزويد الاحتلال بمعلومات أمنية وصور وإحداثيات حسّاسة، قبل أن ينجح فرع المعلومات في توقيفه. فيما طلب قاضي التحقيق العسكري فرض عقوبة بالسجن تتراوح بين 3 و15 سنة على العميل.
والمدان، هو محمد ش، من مواليد عام 1995، من بلدة الطيري الجنوبية٬ كان يتفاعل مع منشورات على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" ويضع إعجابات على إعلانات تجارية، عندما استهدفته الاستخبارات الإسرائيلية في ربيع عام 2023.
البداية من جمعية خيرية
وعبر تطبيق "ماسنجر" أرسلوا رسالة بالعربية، من شخص يُدعى توم، ادّعى أنه يعمل مع جمعية إنسانية تُساعد المحتاجين بالمال أو تأمين الوظائف، وأخبره أنّ لديهم مراكز حول العالم، بما في ذلك منطقة زحلة، المتواجدة في لبنان.
وبعدما لاحظ توم تفاعل محمد، بدأ بطرح أسئلة شخصية حول حياته وعائلته، مثل اسمه، عمره، طائفته، مهنته، والانتماء السياسي لسكان منطقته. محمد، الذي كان عازباً وعاطلاً عن العمل، بعد أن عمل كممرض في مستشفى "الرسول الأعظم"، كشف كل تفاصيل حياته.
كذلك، أشار إلى أن سكان منطقته يدينون بالولاء لحزب الله وحركة أمل. وجمع توم في المحادثة الأولى، التي استمرّت حوالي ساعة، أكبر قدر من المعلومات، وختمها بوعد بالتواصل مجدداً.
وبعد يومين، تواصل توم مجددًا مع محمد عبر خاصّية الرسائل المكتوبة، وسأله إذا كان بإمكانه الاتصال به عبر "الماسنجر"؛ وأثناء المكالمة، لاحظ محمد أن لهجة توم كانت لبنانية، ودار حديث عادي أكّد خلاله المتصل أن الجمعية سوف تقدم له المساعدة، مشيرًا إلى أن "زميله أمير سيتواصل معه عبر واتساب، من رقم أجنبي".
على الرغم من أن محمد شعر ببعض الشكوك حيال الاهتمام الكبير الذي أبدته الجمعية، إلا أنه قرّر الاستمرار في التواصل لمعرفة ما سيحدث. وبعد خمسة أيام، تلقّى رسالة عبر "واتساب" من أمير، الذي أوضح أنه مكلف من الجمعية بمتابعة حالته وكيفية مساعدته.
لاحقًا، تواصل أمير معه هاتفيًا، مُستخدمًا لهجة تمزج بين الفُصحى والعاميّة الفلسطينية، وأبلغه بأنه سيتم تحويل مبلغ مالي له كمساعدة. فيما أبلغ الموقوف المُحققين اللبنانيين أن أمير اتصل به مجددًا بعد يومين، وأخبره بأنه لبناني وليس فلسطينيًا، وأوضح أنه سيحول له 500 دولار عبر طريقة "البريد الميت" في منطقة الحدث.
لماذا لا تعمل معنا؟
وبعد خمسة أيام من استلام المبلغ، تواصل معه أمير مرة أخرى، وألمح له بشكل غير مباشر أنه يعمل لصالح جهة إسرائيلية، وسأله إذا كان يرغب في العمل معهم مقابل مبالغ مالية.
عندما استفسر محمد عن طبيعة العمل، أوضح أمير أنه سيكلفه بجمع معلومات عن أشخاص وأماكن محددة.
وفي إفادته، قال محمد: "أيقنت في تلك اللحظة أن أمير ضابط في الموساد الإسرائيلي". ورغم ذلك، وافق على تنفيذ المهام المطلوبة. لكن قبل ذلك، كان عليه اجتياز اختبار عملي للتأكد من فهمه للتعليمات.
زوّده أمير بخريطة لموقع معين وطلب منه زيارته وإعداد تقرير يتضمن تفاصيل المحتويات، تقسيم المكان، مواقع كاميرات المراقبة، نقاط تمركز الحراس، وتوزيع الموظفين.
ونفّذ محمد المطلوب، لكن أمير أبلغه بأنه أخطأ في تحديد مواقع الكاميرات، مشيرًا إلى أنه كان عليه زيارة المكان عدة مرات لمعاينته بدقة دون إثارة الشكوك.
"السفر إلى إسرائيل"
كما عرض المشغّل الإسرائيلي على محمد الانتقال إلى دولة الاحتلال الإسرائيلي مباشرةً، وطلب منه التوجّه بدراجته النارية إلى الشريط الحدودي، حيث سيتولى الموساد إدخاله إلى الداخل الإسرائيلي.
وكان من المقرر أن يمكث محمد هناك نحو أسبوعين من أجل تلقّي تدريب على جهاز إلكتروني يُطلب منه إحضاره عند عودته. لكن محمد رفض العرض خوفًا من انكشاف أمره. بعد رفضه، اقترح عليه "أمير" السفر للقائه في دولة أخرى.
القبض على العميل
في 20 شباط/ فبراير الماضي، نجح فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي اللبناني في توقيف محمد ش. في بلدة الخرايب. وخلال التحقيق، وبعد ضبط أجهزته الخلوية وحاسوبه المحمول وحافظات الذاكرة، اعترف محمد بتواصله مع الموساد، خلال عامي 2023 و2024 وعمله لصالحه.
وكشف أنه قدّم معلومات دقيقة لمشغّليه عن مراكز لحزب الله في بلدة الخرايب، بما في ذلك إحداثيات جغرافية لمواقع مهمة، مثل مركز في منطقة المطرية، ومسجد الإمام علي، حيث التقط صوراً لمداخل المسجد وداخله، بالإضافة إلى إحداثيات لحسينية البلدة وكاميرات المراقبة فيها.
وعندما طُلب منه الانتقال إلى الضاحية الجنوبية للعمل كممرّض في أحد مستشفياتها، رفض، فتم توجيهه للإقامة في بلدة ميس الجبل، وتقديم طلب للعمل في المستشفى الحكومي هناك.