يعاني
السودان الذي مزقته الحرب الكارثية من رد إنساني ضعيف، مرتبط بالتطورات والمصالح السياسية، في وقت وصلت فيه الأزمة المستمرة هناك إلى مستويات كارثية، ولكنها قوبلت باستجابة دولية غير كافية.
وقال المحاضر السابق في الجامعة الوطنية السودانية، وطالب الدكتوراة في جامعة واشنطن ياسر زيدان، في مقال نشره عبر مجلة "
فورين بوليسي"؛ إن نهاية الحرب الحالية في السودان "لا تتم دون ممارسة الضغط على
الإمارات العربية المتحدة".
وأضاف زيدان أن مواصلة الدعم العسكري الذي تقدمه أبو ظبي لـ "المتمردين القساة من جماعة
الدعم السريع، لا يعني إلا إطالة أمد الحرب، وسلسلة من الأخطاء والمناورات السياسية، هي التي أدت إلى تقويض الجهود الرامية لتقديم مساعدة كافية لأولئك الذين هم في أمس الحاجة إليها".
وأوضح أنه لم تتم محاسبة قوات الدعم السريع، وهي المجموعة شبه العسكرية المسؤولة عن الكثير من أعمال العنف وتدمير احتياطيات البلاد من الغذاء، مضيفا أن الوضع يستدعي اهتماما فوريا وتحولا جذريا في النهج الذي يتبناه قادة العالم والمؤسسات الدولية.
ويعتقد زيدان أن الفشل في التعامل مع الأزمة السودانية، نابع من التأخير المستمر في داخل مجلس الأمن الدولي، ومعالجة نتائج فريقه من الخبراء الموكل بالسودان.
وتشمل هذه النتائج على "أدلة موثوقة" عن تورط مزعوم للإمارات في خرق الحظر الدولي المفروض على دار فور، وتزويد قوات الدعم السريع بالأسلحة والذخيرة.
وعلاوة على ذلك، ذكرت صحيفة "الغارديان" أن المسؤولين البريطانيين عرقلوا المناقشات حول مشاركة الإمارات في مجلس الأمن ولعدة أشهر، وحتى بعد تولي حزب العمال السلطة في تموز/ يوليو.
فهذا التأخير لا يضعف الحاجة الملحة لمعالجة الأزمة فقط، بل ويسمح أيضا باستمرار التدخل الخارجي المحتمل دون رادع. وقال زيدان؛ إن "تقاعس مجلس الأمن يبعث برسالة مقلقة حول التزام المجتمع الدولي بحل الصراع وحماية المدنيين السودانيين".
ففي الوقت الذي تظل فيه الجهود الدبلوماسية ضرورية، إلا أن هذه النقاشات لا تقدم آلية لفرضها ووقف الهجمات ضد المدنيين، وفشل المبعوث الأمريكي الخاص إلى السودان، توم بيرييلو، في تقديم آليات ملموسة لتطبيق إعلان جدة الصادر العام الماضي، الذي طالب بحماية المدنيين والتزام من قوات الدعم السريع والقوات المسلحة السودانية المنافسة، بإخلاء المرافق العامة والخاصة والامتناع عن احتلالها، بحسب مقال زيدان.
وأشار بيرييلو ببساطة في مقابلة في وقت سابق من هذا الشهر، إلى أن الإمارات ومصر ستحضران الجولة الأخيرة من المحادثات، التي عقدت في جنيف في منتصف آب/أغسطس.
ومع ذلك، لم يتم وضع ضغوط على الإمارات، فدون إجراءات ملموسة لحماية الشعب السوداني، تتحول هذه المحادثات إلى مجرد لفتات استعراضية وتفشل في معالجة المعاناة اليومية للناس. وقاطعت الحكومة السودانية محادثات جنيف بعد دعوة الإمارات كوسيط، على الرغم من دعمها العسكري المستمر لقوات الدعم السريع.
بالإضافة إلى ذلك، ألغى مغني الراب الأمريكي ماكليمور عرضه في تشرين الأول/أكتوبر في دبي؛ احتجاجا على الدور المدمر الذي تؤديه الإمارات في الصراع السوداني.
ويرى الكاتب أن رد المجتمع الدولي ماليا كان مثيرا للإحباط بالقدر نفسه، فعلى الرغم من المؤتمرات الإنسانية العديدة، لم يتم تلبية إلا جزء ضئيل من النداء الذي أطلقته الأمم المتحدة لجمع 4.1 مليار دولار في شباط/فبراير 2024.
ويترك هذا النقص الشديد في التمويل، ملايين اللاجئين والنازحين داخليا من السودانيين دون دعم أساسي، مما يؤدي إلى تفاقم الوضع المزري بالفعل. ويكشف التناقض الصارخ بين الوعود التي قدمت في هذه المؤتمرات والمساعدات الفعلية المقدمة، عن فجوة تثير القلق بين الخطاب والفعل.
ويرى الكاتب أن غياب المحاسبة لمن يرتكبون العنف ويحولون المجاعة إلى سلاح، عامل يفاقم الأزمة السودانية.
ولا تزال قوات الدعم السريع المسؤولة عن معظم الدمار تعمل، ودون العقاب على تدمير احتياطات الطعام في البلد. ومنذ سيطرة الدعم السريع على منطقة الجزيرة التي تعدّ مركز الزراعة في البلد في كانون الأول/ ديسمبر، تعاني البلاد من مجاعة سببها البشر. وقال مزارعون؛ إن محاصيل القطن والقمح دمرت بسبب سيطرة الدعم السريع.
وبالمقابل، فالمناطق الواقعة تحت سيطرة الجيش السوداني لم يتغير فيها مستوى المحاصيل، حسب تقارير من ولاية الجزيرة. وبحسب تقارير محلية، دفعت قوات الدعم السريع المزارعين المحليين إلى حصاد المحاصيل فقط، لمصادرتها ونقل المحاصيل خارج الولاية لصالحهم.
وفي 26 حزيران/يونيو، تقدم الدعم السريع إلى سنار، مركز التجارة في جنوب- شرق البلاد في محاولة منها لتوسيع مكاسبها وسيطرتها على الأراضي، وبعد أكثر من 14 شهرا من الحرب مع الجيش السوداني. وأجبرت هذه الخطوة أكثر من 150 ألف شخص يعيشون في الولاية على النزوح، وفرّ كثير منهم من الجزيرة في أثناء غزو قوات الدعم السريع في كانون الأول/ديسمبر 2023. كما استهدفت المليشيات المشروع الزراعي والاحتياطيات الغذائية في سنار، مما أدى إلى تفاقم الأزمة الإنسانية، وتقويض الجهود الرامية إلى تحقيق الاستقرار والسلام.
وتشير منظمة أطباء بلا حدود، إلى أن قوات الدعم السريع تستهدف المستشفيات المحلية وتمنع وصول المساعدات إلى دارفور، وبخاصة مدينة الفاشر، حيث تحاصر قوات الدعم السريع أكثر من 800,000 ألف مدني. كما احتحزت قوات الدعم السريع شاحنات إمدادات تابعة لمنظمة أطباء بلا حدود في بلدة كبكابية المجاورة على مدى الأسابيع الأربعة الماضية. ويهدد هذا الحصار بترك المستشفى السعودي، أحد آخر المرافق الصحية العاملة في الفاشر، دون إمدادات أساسية.
وقال زيدان؛ إن هذا الاستهداف المتعمد، لا يؤدي إلى تفاقم الأزمة الإنسانية فحسب، بل ويؤكد أيضا الحاجة الملحة للتدخل الدولي لتنفيذ حظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة في دارفور، ووقف إمدادات الأسلحة المزعومة من الإمارات العربية المتحدة إلى قوات الدعم السريع عبر تشاد.
وأضاف: "من الأهمية بمكان، وقف إمدادات الأسلحة المزعومة من الإمارات إلى قوات الدعم السريع عبر تشاد، وبخاصة في مطار أم جراس، وهي بلدة صغيرة في شرق تشاد، حيث ذكرت تقارير أن طائرات الشحن الجوي الإماراتية تهبط وتفرغ الأسلحة التي يتم نقلها بعد ذلك عبر الحدود إلى معاقل قوات الدعم السريع في دارفور".
ويضيف زيدان، أن المناورات السياسية أدت لتعقيد الجهود الرامية إلى معالجة الأزمة بشكل فعال. فقد أدت إجراءات مثل تدخل
بريطانيا، حاملة القلم لشؤون السودان في مجلس الأمن، لتغيير صيغة اجتماعات مجلس الأمن، لمنع السودان من عرض قضيته بشكل مباشر، وتغليب المصالح التجارية مع الإمارات العربية المتحدة على المخاوف الإنسانية. فقد طلب الحارث إدريس، ممثل السودان الدائم في الأمم المتحدة عقد لقاء طارئ في 26 نيسان/إبريل، ردا على ما وصفه "عدوان" الإمارات ضد بلده. ومع ذلك، تدخلت بريطانيا لتغيير جدول أعمال الاجتماع وصيغته إلى مجرد مشاورات مغلقة. ونتيجة لذلك، لم يسمح لإدريس بحضور الاجتماع، الذي عقد في النهاية ولكن في 29 نيسان/أبريل.
وأصدر أعضاء المجلس في جلسة المناقشات السرية بيانا حث فيه قوات الدعم السريع على تجنب مهاجمة المدن وإنهاء العنف المحيط بالفاشر.
وفي مناسبة أخرى، ذكرت صحيفة "الغارديان" أن الحكومة البريطانية كانت تعمل بنشاط على ثني عزم الدول الأفريقية عن انتقاد الإمارات، ومثل هذه الإجراءات تؤدي إلى تآكل الثقة في المؤسسات الدولية وقدرتها على الاستجابة للأزمات بشكل محايد. ويقول الكاتب؛ إن النهج الحالي في التعامل مع حرب السودان فاشل. ويتعين على المجتمع الدولي أن يعطي الأولوية لحماية المدنيين ومعاقبة مرتكبي العنف والوفاء بالالتزامات المالية.
وأضافت، أنه لا بد من محاسبة الإمارات ووكيلها قوات الدعم السريع على جرائمهم المزعومة، وفي حالة الأخيرة؛ الهجمات على المدنيين في السودان. ويتعين على الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، أن تعالج علنا دعم الإمارات المزعوم لجرائم قوات الدعم السريع، وانتهاك الحكومة الإماراتية للحظر الدولي على الأسلحة في دارفور.
وقالت: "يجب على منظمات حقوق الإنسان الدولية أخذ أبو ظبي للمحاكم بسبب جرائمها المزعومة ضد المدنيين السودانيين؛ فقد ساعدت إمدادات الأسلحة المستمرة من الإمارات إلى قوات الدعم السريع في تنفيذ عمليات تطهير عرقي في دارفور، وارتكاب مجازر في الخرطوم والجزيرة وسنار. ولقد تم اتخاذ بعض الإجراءات بالفعل، حيث قاد مركز راؤول والينبرغ لحقوق الإنسان حملة لمحاسبة الإمارات أمام محكمة العدل الدولية، أو من خلال السبل القانونية الأخرى، مثل ألمانيا أو المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان. وعلى المحكمة الجنائية الدولية أن تستفيد من ولايتها القضائية القائمة على دارفور لمقاضاة الجرائم ضد الإنسانية في المنطقة. وهناك حاجة لبذل المزيد من الجهود، حتى تفضي إلى معالجة الأسباب الجذرية للصراع، وأن تمهد الطريق للسلام والاستقرار الدائمين، وتخفيف معاناة الشعب السوداني".