لم يستغرق خلع الطاغية حسينة واجد
أكثر من أسبوعين، حين انتفض طلبة الجامعات بداية شهر حزيران/ يونيو، مطالبين في
البداية بفتح ما يعرف بنظام حصص المناصب الحكومية أمام الجميع، بحيث يكون تنافسيا،
وليس على أساس التعيينات والمحسوبيات والفساد الذي دأبت عليه الحكومات السابقة،
ولكن كابرت حسينة في البداية، كعادة كل الأنظمة
الاستبدادية الشمولية
الديكتاتورية، ولم تتعظ بما حلّ بسابقيها، ومع إصدار المحكمة قرارا يلبي مطالب
المحتجين، كانت كرة ثلج
الاحتجاجات والاضطرابات في جمهورية الصمت والاستبداد تكبر،
وذلك في بلد يصل عدد سكانه إلى 170 مليون شخص، 32 مليون شاب منهم إما عاطلون عن
العمل أو خارج خدمات التعليم.
جاء قتل أكثر من 300 محتج، خلال
المظاهرات، بعد أن اتهمتهم حسينة بالإرهاب، ليزيد نار المظاهرات اشتعالا، فرد الطلبة
بالدعوة إلى تنحي حسينة، التي استأثرت مع خالدة ضياء بحكم
بنغلاديش مدنيا طوال نصف
القرن الماضي،
على المحتجين أن يكونوا يقظين تجاه مناورات العسكر، لا سيما وهم القوة الوحيدة المنظمة في بنغلاديش، كحال كثير من الدول المحكومة من قبل الاستبداد
وهو عمر دولة بنغلاديش القصير، وخلال الـ16 عاما الأخيرة، لم يعرف
البنغاليون زعيما إلّا هي، حيث أعيد انتخاباتها في كانون الثاني/ يناير الماضي.
تحدّى الطلبة المحتجون حظر التجوال
المفروض في بنغلاديش، وتوجهوا صوب القصر، مطالبين بتنحي حسينة، ولم ينسوا في
طريقهم تحطيم تماثيل ورموز الاستبداد الممثلة على مدى نصف قرون وهو تمثال والدها
مجيب الرحمن، فما كان منها إلّا أن استقلت مروحية عسكرية، ولا يستبعد المراقبون أن
يكون الهروب، ضمن صفقة مع الجيش حيث غادرت إلى الهند، التي دعمت والدها يوم انفصلت
بنغلاديش عن باكستان عام 1971، وها هي اليوم تعود إليها.
قائد الجيش البنغالي وكر الزمان
طالب المحتجين بالهدوء وتعهد بتشكيل حكومة مؤقتة، وربما يكون قد هيّأ نفسه ليكون
رئيسها، ولذا فعلى المحتجين أن يكونوا يقظين تجاه مناورات العسكر، لا سيما وهم
القوة الوحيدة المنظمة في بنغلاديش، كحال كثير من الدول المحكومة من قبل
الاستبداد..
لعل ما حدث درس للطغاة والمستبدين في أن هذه الشعوب مهما استكانت وخُيّل للطاغية أنه قد دجّنها ستنتفض يوما عليه، وستكنسه من أرضها، فمن كان يظن يوما أن هذا سيحصل في بنغلاديش؟
الجماعة الإسلامية الباكستانية وجناحها
الطلابي "إسلامي جمعية طلبة"، كانت على الدوام محل الاستهداف للأنظمة
الاستبدادية الشمولية الديكتاتورية التي تعاقبت على حكم بنغلاديش، وقد عانت
الجماعة الإسلامية الباكستانية الكثير بتهمة العلاقة مع باكستان يوم الانفصال،
ويومها اتُهمت الجماعة بتشيكل مليشيات البدر والشمس الرافضة للانفصال والداعمة
للجيش الباكستاني. اليوم تتحرر بنغلاديش وتتحرر معها الجماعة الإسلامية، ولذلك
رأينا الهبّة الشعبية العظيمة التي قام بها الجناح الطلابي التابع للجماعة، والذي
تمثل بالتنظيم والحشد والتعبئة، فكان له الدور الأعظم في إسقاط طاغية بنغلاديش،
وإسقاط كل الرموز الاستبدادية التي حكمت البلد بالحديد والنار، وشلّت بذلك حياتها،
ونهبت مقدراتها.
لعل ما حدث درس للطغاة والمستبدين في
أن هذه الشعوب مهما استكانت وخُيّل للطاغية أنه قد دجّنها ستنتفض يوما عليه،
وستكنسه من أرضها، فمن كان يظن يوما أن هذا سيحصل في بنغلاديش؟ وهي رسالة لطغاة
العرب الذين ظنوا أنهم قضوا على ربيع العرب التحريري؛ أن تسونامي الحرية والتحرر
قادم بإذن الله ليجرف كل من يقف في وجهه.