صحافة إسرائيلية

الإفراج عن "أبو سلمية" يكشف حالة التخبط والفوضى بدولة الاحتلال

تكشف حيثيات الإفراج عن أبو سلمية عمّا يمكن اعتبارها "فضيحة" إسرائيلية- جيتي
دقائق قليلة مرّت، عقب الإعلان عن إفراج الاحتلال الإسرائيلي عن الطبيب محمد أبو سلمية، وهو المدير العام لمستشفى الشفاء في غزة، حتّى بدأت المعركة المتكررة بين وزرائه في تبادل الاتّهامات؛ وفيما ألقت مصلحة السجون التابعة لوزير الأمن القومي، إيتمار بن غفير، بالمسؤولية على جهاز الأمن العام "الشاباك" وجيش الاحتلال، فإن رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، ووزير الحرب، يوآف غالانت، سارعا بالإعلان أنهما "لم يعرفا بنبأ الإفراج".

وفي السياق نفسه، نشر الشاباك بيانًا، للتنصّل من المسؤولية الفعلية، وهكذا بعد مرور قرابة أربع وعشرين ساعة على الحدث، لم يقدم أي واحد من المسؤولين الإسرائيليين إجابة عمّا حصل.

مراسلو صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية، إيتمار إيخنر، ومائير ترجمان، ويوآف زيتون، وموران أزولاي، أعدّوا تقريرا مطولا مشتركا، بخصوص ما وصفوه بـ"حقيقة الفضيحة التي وجد الاحتلال نفسه فيها أمام رأيه العام الداخلي".

وجاء في التقرير، أن "الجمهور الإسرائيلي أصيب بالدّهشة، بنبأ الإفراج عن أبو سلمية المعتقل، منذ نوفمبر، في ظل الاتهامات القاسية التي وجهها الاحتلال له، ومع ذلك فإنّه فور الإفراج عنه، حرص على التحدث لكل وسيلة إعلامية أعطته منبرا، معربا عن دعمه للمقاومة، ومتحدثا عن الظروف القاسية التي يعيشها الأسرى، وادعى أنه أطلق سراحه لأنه لم يفعل شيئاً". 

هزيمة في معركة الوعي
وأضاف مراسلو الصحيفة العبرية، في التقرير الذي ترجمته "عربي21" أن "إطلاق سراح أبو سلمية، وما رافقه من حالة هرج ومرج في الأوساط الإسرائيلية، يعني أن الاحتلال سجّل في معركة الوعي هزيمة أخرى، لأنه في غضون دقائق من لحظة إطلاق سراحه، أدرك إمكانية الضرر، وبدلا من معرفة ما حدث بالضبط، بدأ على الفور جميع كبار المسؤولين في الدولة بإلقاء المسؤولية على بعضهم البعض، والتنصل منها".

وأوضح التقرير نفسه، أن "بن غفير الذي لم يتمكّن منذ أشهر من حل محنة السجون، سارع لإلقاء اللوم على رئيس الشاباك، رونين بار، فيما اختار وزراء آخرون إلقاء اللوم على غالانت، الذي أوضح أن هذه ليست مسؤوليته، بل ألمح إلى مسؤولية بن غفير ونتنياهو". 

وأشار إلى أن "رئيس الوزراء، الذي يحرص على تحمّل مسؤولية كل نجاح، انتظر ساعتين قبل التعليق، ثم أوضح في رده أنه لا علم له بالإفراج، وأمر الشاباك "بإجراء تحقيق"، وفي وقت لاحق، تبيّن أن رئيسه "بار" لم يعلم بالقرار أيضا، وهكذا استمر تبادل الاتهامات طوال اليوم، بل إن مصلحة السجون ذهبت إلى حد نشر وثائق غير عادية، من زنزانة اعتقال أبو سلمية، لتُثبت أنه لا يوجد نقص في السجون، كل ذلك يؤكد أنه لا أحد يقول الحقيقة كاملة حول ما حدث".

وأوضح أن "الإفراج عن أبو سلمية يعني أساسا أن هناك نقصا في السجون في ظل النشاط المتزايد ضد المقاومين في الضفة الغربية، انضم إليه اعتقال آلاف آخرين في غزة منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، وحقيقة أنه لا يوجد من خلال التوثيق من زنزانة اعتقاله، فقد ألحق الضرر بالاحتلال حول العالم، عقب الكشف عن صور أن الأسرى أُجبروا على الركوع، ورؤوسهم منحنية".

وأردف: "لذلك فمنذ فترة طويلة، تتناقل الأنباء عن إلغاء الاعتقالات في الضّفة الغربية بسبب هذا المأزق، وحقيقة أن الجيش وبن غفير لا يستطيعان إيجاد حلّ لها رغم ادعاءاتهم، بدليل زيادة النّقص في أماكن الأسر في الآونة الأخيرة، رغم إقامة مركز اعتقال "سديه تيمان" سيء السمعة، الخاص باحتجاز المعتقلين من غزة".

سديه تيمان سيء السمعة
وأضاف المراسلون، عبر التقرير ذاته، أن "ظروف هذا المعتقل السيّئة دفعت وسائل الإعلام الكبرى في العالم، بما فيها نيويورك تايمز، وسي إن إن، للكتابة عنه، وكذلك شهادات المعتقلين الذين تم إطلاق سراحهم منه، رغم عدم ارتباطهم بحماس، لكن من الناحية العملية لم يتخذ قرار بشأن إغلاقه، أو نقل المعتقلين منه، وعقب التماس قدّمته منظمات حقوق الإنسان ضد ظروفه القاسية، فقد أبلغت المحكمة العليا أنه بحلول نهاية يونيو قد يتم إغلاقه، في ظل الضغوط الدولية التي تُمارس على الاحتلال، فيما يتعلق بأوضاع المعتقلين الفلسطينيين هناك". 

ونقلوا عن "مكتب رئيس الوزراء أن هناك ضرورة لإطلاق سراح الأسرى من السجون، لأنه حرفياً لا يوجد مكان لجميعهم، فيما طلب الجيش والشاباك إعداد قائمة تضم 120 سجيناً لإطلاق سراحهم، فيما طلبت المحكمة العليا تمديدًا لحل القضية، مع أن القرار الأصلي يقضي بإخلاء "سديه تيمان" بحلول نهاية الشهر الجاري.

 لذلك، تم اتخاذ قرار بالإفراج عن 50 أسيرا، دون الحصول على تأكيد من أي من الجهات الأمنية أو السياسية حول هوياتهم، لكن الأرجح، هو "إطلاق سراح غير المشتبه فيهم بارتكاب عمليات مسلحة" وفقا للمراسلين.

وكشفوا أن "رئيس الشاباك، في الواقع لم يعرف من سيطلق سراحهم، ممّا يعني أن القرار اتخذ على مستويات منخفضة، وتحديدا هو الضابط، مائير تشين، الذي وقعه مساء الأحد 30 يونيو، كما يفعل الجيش والشاباك كل شهر، عبر بوّابة جانبية قرب زيكيم، وبعد الضجّة التي افتعلها بن غفير، ردّ عليه الشاباك بالإعلان أنه في ظل محنة الاعتقال، يقوم بإلغاء الاعتقالات في الضفة الغربية، وسيستمر بذلك، مقابل إطلاق سراح غير المهمين منهم، رغم اعتراف الشاباك أن أبو سلمية تم تصنيف خطورته بالمنخفضة مقارنة بآخرين، وبالتالي تم إطلاق سراحه من هذا المنظور".

وزعموا أنه "رغم الخطر المنخفض، ظاهريًا لأبو سلمية، لكن أحدًا لم يأخذ في الاعتبار الضّرر الرمزي لإطلاق سراحه، لأننا نتحدث عن مدير مستشفى، أصبح رمزا لاستخدام حماس للمرافق الطبية، وهو ما يحاول الاحتلال مرارا وتكرارا إثباته للعالم، ومن المؤكد أن إطلاق سراحه لا يضيف شيئا لهذه السردية، لأن الحقيقة المحزنة تعني أن إطلاق سراح أبو سلمية، شكّل هجوماً دعائياً شديداً على الاحتلال، وضربة قاتلة لعائلات المختطفين، لكن هذا الخطأ المهني لم يحدث من فراغ، بل كشف عن سلوك أجهزة الدولة التي تديرها بثقافة سيئة فيما يتعلق بأمنها القومي، دون معرفة الحقائق". 

تكشف حيثيات الإفراج عن أبو سلمية، عمّا يمكن اعتبارها "فضيحة" إسرائيلية، وصلت حد تبادل اتهامات الوزراء عبر مجموعة الواتساب الحكومية، والدعوة لإقالة رئيس الشاباك، وسرعان ما تسرّبت المراسلات "السرية" لجميع وسائل الإعلام، ممّا يكشف عن عداوة حقيقية بين أقطاب الاحتلال، ويعمل على تشجيع الفوضى، وسط اتهامات بـ"التآمر"، وعدم السّعي لتحقيق النصر في أصعب حرب عرفها الاحتلال في العقود الماضية. 

واختتم التقرير بالقول: "مع أن هذا السلوك الدائم في اجتماعات مجلس الوزراء السياسي الأمني، حيث غالباً ما يفضّل الوزراء التشاجر مع بعضهم، بدلاً من طرح خلافاتهم جانبا، والتحدّث بلُغة محترمة، والعمل معا، ويكتفون بإطلاق "شعارات كاذبة طفولية"، ممّا يفسر حالة الهستيريا التي أصابت قادة الدولة بعد إطلاق سراح أبو سلمية، ومحاولات العثور فوراً على "كبش فداء"".