حضرت فاعليات ملتقى الحوار الوطني
الفلسطيني الذي انعقد يومي الجمعة والسبت
الماضيين (28 و29 حزيران/ يونيو الفائت)، والذي نظمه المؤتمر الشعبي لفلسطينيي
الخارج، والذي بحث تداعيات العدوان "الإسرائيلي" على قطاع
غزة وأزمة
المشروع الوطني، ولعل الجزء الأهم في هذا الملتقى هو بحث ومناقشة أزمة المشروع
الوطني الفلسطيني، في ظل حالة الانقسام الذي فكك لحمته منذ توقيع اتفاقية أوسلو
عام 1993.
لا يمكن أن أجزم بأن هذا العنوان، الذي من المفترض أنه نُحت قبل شهر على
الأقل، جاء بترتيب مع تصريحات رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في الخارج، خالد
مشعل، بوجوب حل الأزمة المنعقدة بين مكونات العمل السياسي والمقاوم في فلسطين في
أسرع وقت، وقبل حتى الحديث عن
اليوم التالي للحرب في غزة، مؤكدا على أن الحركة
ستكون جزءا من الحل النهائي للحرب، شاء من شاء، وأبى من أبى. وهو حديث يلامس
إشكالين، أحدهما قديم بقدم أوسلو، والثاني مستحدث في ظل الحديث عن دور للسلطة
الفلسطينية ومنظمة التحرير في غزة على غرار وضعها في الضفة.
أصبحت السلطة وأجهزتها الأمنية وصمة عار على جبين القضية الفلسطينية، لكن يظل محمود عباس وأجهزته ومؤسساته الحكومية والتنظيمية هم الخيار الأفضل للغرب، في مقابل المقاومة في الضفة وغزة، وحائط الصد لها
لقد كان اللافت في نقاشات الحاضرين في الملتقى إسنادهم للمقاومة ودعمهم لها
واختيارهم لخيارها كحل وحيد وأمثل للقضية الفلسطينية، في ظل فشل خيار السلام
المدعى، ثمرة اتفاقية أوسلو، ومن ثم فإن فكرة ترتيبات ما بعد اليوم التالي للحرب
في غزة والتي طُرحت فيها ضمانات دولية بتواجد قوات "عربية" داعمة ومساندة
لقوات السلطة الفلسطينية، هو أمر مستنكر لدى من حضر هذا الملتقى، ما يعني أن خيار
أمريكا والغرب والمتوافق مع الرغبة "الإسرائيلية" المتراجعة عن خيار سحق
كل ما هو فلسطيني، هو الخيار الأمثل لفرض "الاستقرار" في غزة.
استمرار الحرب في غزة رفع من حالة الاستنفار في صفوف
المقاومة في الضفة
الغربية، والتي سبقت في عملياتها طوفان الأقصى بما يقارب العامين، كرد فعل طبيعي
لحالة العنجهية الأمنية ضد شبابها وانتهاكات وعجرفة المستوطنين في القدس والأقصى.
وقد صاحب هذا الاستنفار ضغط على السلطة المرتبطة بالتنسيق الأمني
"المقدس" كما وصفه
محمود عباس، حتى أصبحت السلطة وأجهزتها الأمنية وصمة
عار على جبين القضية الفلسطينية، لكن يظل محمود عباس وأجهزته ومؤسساته الحكومية
والتنظيمية هم الخيار الأفضل للغرب، في مقابل المقاومة في الضفة وغزة، وحائط الصد
لها.
محمود عباس البالغ من العمر 88 عاما والذي يعاني من عدة أمراض، قد لا يكون
الخيار الأمثل، رغم رهان الغرب عليه، إذ لا يزال هو الشخصية الأكثر سيطرة على
الحركة والمنظمة بالإضافة كونه رئيس السلطة، لكن عمره ومرضه يجعله رهان الغرب
المرتعش، لا سيما وأن هناك من يتصارع على خلافته وإن كان ذلك النار تحت الرماد.
فحسين الشيخ، رئيس الهيئة العامة للشؤون المدنية وعضو اللجنة المركزية لحركة فتح،
أحد المرشحين الأقوياء داخل الحركة والمنظمة، وهناك محمود العالول، عضو اللجنة
المركزية للحركة، وأخيرا المسؤول الأمني جبريل الرجوب. ويضاف إلى الأسماء السابقة،
محمد دحلان، رئيس جهاز الأمن الوقائي الفلسطيني السابق، والرجل القوي حتى داخل
غزة، والمدعوم بقوة من بعض الفاعلين العرب، والمعروف لدى تل أبيب في فترة عمله في
التنسيق الأمني.
اليوم التالي على الحرب في غزة ليس كما يحاول الغرب رسمه، فغياب محمود عباس سيشعل حال صراع داخلي ليس سهلا في السلطة، وحتى لو تم تقاسم الأدوار بين الرجال المرشحين. فعباس الذي يقود حركة فتح، ويقود منظمة التحرير، ويعمل في وظيفة رئيس السلطة الفلسطينية، من الصعب توزيع تركته
فاليوم التالي على الحرب في غزة ليس كما يحاول الغرب رسمه، فغياب محمود
عباس سيشعل حال صراع داخلي ليس سهلا في السلطة، وحتى لو تم تقاسم الأدوار بين
الرجال المرشحين. فعباس الذي يقود حركة فتح، ويقود منظمة التحرير، ويعمل في وظيفة
رئيس السلطة الفلسطينية، من الصعب توزيع تركته، ومن الصعب إرضاء أحد الرجال بنصيب
يطمح فيما هو أبعد مما قد يُعْطَى له، ولو فرضنا توزيع النفوذ مع توزيع المناصب،
فإن الوضع أيضا سيضعف الرجال الثلاثة، أما رابعهم صاحب النفوذ والمقيم في أبو ظبي،
لن يقبل إلا بالكل، ولا شيء غيره، وهو ما يفتح الباب أمام تكتل الثلاثة لوقف هذه
الأطماع حتى ولو فرضت بقوة ونفوذ الخارج.
إن اليوم التالي للحرب في غزة مرهون بفهم العالم أجمع والغرب تحديدا،
والفاعلين العرب والإقليميين، قاعدة مهمة، مفادها أن إخراج المقاومة في غزة، بكل
فصائلها، من معادلة اليوم التالي، هو هدف لا يمكن تحقيقه، وغاية لا يمكن إدراكها.
ولعل الأزمة الكبرى للعالم والغرب، سواء بالرباعية الدولية أو براعي
"السلام" الأمريكي وسياسييه أو باحثيه أو مراكز بنوك الأفكار، أنهم لا
يدركون أن سنن الله في الكون سارية، ولو فعلوا الأفاعيل، وأن الفطرة السليمة، مهما
حاولوا تلويثها، تأبى الاستعباد، وترفض
الاحتلال، ويزيد الأمر إذا كانت هذه الفطرة
تحملها جينات شعب اعتمد على غيره لينصفه فخذله، فصدق في مقولة "ما حك جلدك
مثل ظفرك".