اقتصاد عربي

هل يعيد السيسي زمن الامتيازات الأجنبية؟.. اتفاقيات تشغيل وتطوير مع "موانئ أبو ظبي"

وصلت ديون مصر إلى رقم تاريخي يبلغ 16 تريليون جنيه - الأناضول
تواصل مصر في ظل حكم عبد الفتاح السيسي، وخلال فترة وزير النقل العسكري الفريق كامل الوزير، التفريط في أهم موانئ البلد العربي الأفريقي صاحب الموقع الاستراتيجي وسط العالم القديم، ومنح امتيازها لشركات دولة الإمارات وسط تسهيلات مالية واستثناءات إدارية ومخالفات قانونية، في وضع يعيد وفق مراقبين ما عُرف تاريخيا بالامتيازات الأجنبية في مصر بالقرن الـ19.

آخر تلك الصفقات المثيرة للتساؤلات والجدل والغضب كان توقيع الهيئة العامة لموانئ البحر الأحمر ومجموعة موانئ "أبوظبي" 3 عقود، تخص 5 موانئ مصرية، عقد منها خاص بـ3 موانئ دفعة واحدة ولمدة 15 سنة، وعقدان يخصان رصيفين بأهم ميناءين بالبحر المتوسط وآخر بالبحر الأحمر لمدة 30 سنة، مقابل استثمار بنحو 35 مليون دولار، ما عده مراقبون تعاقدا مريبا وبرقم هزيل.

أولا: جرى توقيع العقد النهائي لمنح التزام بناء، وتطوير، وإدارة، وتشغيل، وتسويق، وصيانة، وإعادة تسليم البنية الفوقية، لمحطات السفن السياحية في موانئ سفاجا، والغردقة، وشرم الشيخ.

ووفق ما جرى نقله من أنباء، تتمثل عوائد التعاقد المباشرة في ضخ مجموعة موانئ أبوظبي استثمارات بقيمة 4.7 ملايين دولار؛ لتطوير البنية الفوقية للتعامل مع تلك النوعية من السياحة الفاخرة، لتغطي إدارة وتشغيل محطات السفن السياحية الثلاث.

وزير النقل المقرب من رأس النظام المصري، كامل الوزير، وصاحب المشروعات في مجال النقل التي التهمت مليارات الدولارات من القروض الأجنبية، قال إن هذا العقد يسهم في تسيير خط كروز بين "ميناء زايد" وموانئ سفاجا والغردقة وشرم الشيخ، ولاحقا موانئ الخليج العربي وميناء العقبة والموانئ الأوروبية والآسيوية.



رئيس موانئ أبوظبي محمد جمعة الشامسي، أكد أن محطات السفن السياحية الثلاث ستدخل حيز التشغيل في 2025، وستقدم خدمات تستقطب مُشغلي السفن السياحية، وتضيف مسارات جديدة، مع زيادة أعداد السياح القادمين عبر السفن السياحية.

ثانيا: توقيع عقدين بين الهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس و"مجموعة موانئ أبوظبي"، يتم منح الشركة الإماراتية بموجبهما عقدا لتمويل وتصميم وبناء وتطوير وإدارة وتشغيل واستغلال وصيانة وإعادة تسليم البنية الفوقية لمحطة دحرجة (رورو) على البحر المتوسط، ومحطة الركاب والسفن السياحية بميناء السخنة بالمنطقة الاقتصادية لقناة السويس، لمدة 30 عاما.

بموجب التعاقد، تقوم "مجموعة موانئ أبوظبي" بإدارة وتشغيل صالات محطات الركاب والسفن السياحية باستثمار قيمته 5.3 ملايين دولار في محطة الركاب والسفن السياحية بميناء السخنة، كما تقوم باستثمار 25 مليون دولار في بناء البنية الفوقية لمحطات الرورو والسيارات المتخصصة.

العائد المباشر على مصر، من تلك الاتفاقيات حدده كامل الوزير ما بين رسوم وخدمات السفن بـ500 مليون دولار خلال مدة الالتزام لمحطات السخنة، وسفاجا، والغردقة، وشرم الشيخ، ملمحا إلى أن العوائد غير المباشرة المتمثلة في ركاب الترانزيت لاستخدام المطارات المصرية فقط، من دون احتساب أي إنفاق سياحي بالمدن، نحو 8 مليارات دولار خلال مدة الالتزام.

وفي أيار/ مايو 2022، أعلن رئيس الوزراء مصطفى مدبولي عن "دمج أكبر 7 موانئ مصرية في شركة واحدة وطرحها في البورصة"، مع توجيه لجنة حكومية بدراسة طرح الموانئ المصرية في البورصة للمستثمرين العرب والأجانب.

وتعد الإمارات هي المستفيد الأكبر من التوجهات المصرية نحو بيع الأصول العامة، حيث تمثل ثاني أكبر شريك تجاري لمصر بالشرق الأوسط، والأولى من حيث الاستثمارات الأجنبية المباشرة بنسبة 29 بالمئة، فيما تعد مصر خامس شريك عربي تجاري لها من حيث التجارة غير النفطية، بنسبة 7 بالمئة، وفق بيان حكومة أبوظبي.

وفي أول رد فعل للخبير الاقتصادي محمود وهبه، كتب عبر صفحته بـ"فيسبوك"، محذرا مما أسماه "الامتيازات في قناة السويس".

وتساءل الناشط وائل مفتاح، قائلا: "هل أصبحت الموانئ المصرية حبيسة خاصة مع الشامسي الإماراتي؟"، مشيرا إلى أن تعاقده "على موانئ مصرية تم تجهيزها بديون مهولة مقابل مبالغ تافهة ولمدد وشروط مجحفة"، مؤكدا أن "تعاقد كامل الوزير مع الشامسي، بتسيير خطوط كروز بموانئ، الغردقة وسفاجا وشرم الشيخ مع موانئ أبوظبي العالمية، جاء مجهلا لقيمة العقد ومدته".

وقال مفتاح إن "كلمة السر هي العين السخنة"، ملمحا لوجود فرق بين الاتفاقيتين المبدئية والنهائية لإدارة وتشغيل موانئ الغردقة وسفاجا وشرم الشيخ، مبينا أنه "زادت الاستثمارات من 3 ملايين دولار إلى 4.7 ملايين دولار، وأنه تمت إضافة العين السخنة مقابل 1.7 مليون دولار استثمارات"، مؤكدا أن مرجعه في ذلك صفحة "مجموعة موانئ أبوظبي".

وأكد أنه "في منشور الاتفاق النهائي الموقع الثلاثاء الماضي 12 حزيران/ يونيو الجاري، فقرتين زيادة عن منشور الاتفاق الأول في 5 كانون الثاني/ يناير الماضي، عن إبرام موانئ أبوظبي اتفاقيتي امتياز لمدة 30 عاما لتطوير وإدارة وتشغيل محطة لسفن الدحرجة ومحطة للسفن السياحية بميناء العين السخنة".



وعده الأكاديمي المصري الدكتور عصام عبدالشافي، "خبرا مر في زحمة الأحداث"، مشيرا إلى أن "المخابرات تُشغل المصريين بصفعة عمرو دياب، ومدرس الجيولوجيا، وجلباب السيسي، وسحل عروسة يوم زفافها".



"امتياز.. وانتهاك للسيادة"

وفي رؤيته، قال المستشار السياسي والاقتصادي الدكتور حسام الشاذلي، لـ"عربي21": "لا شك أن النظام الانقلابي العسكري في مصر مستمر في تمكين جهات أجنبية من البنية التحتية للبلاد مثل الطرق والموانئ والمطارات ومنطقة قناة السويس وغيرها".

الشاذلي، الذي يرأس جامعة كامبردج المؤسسية بسويسرا، أضاف: "وقد يبدو الأمر مجرد استثمار أجنبي جديد، ولكن يجب علينا أن نعي أن منح (موانئ أبوظبي) العقد النهائي لبناء، وتطوير، وإدارة، وتشغيل، وتسويق، وصيانة، وإعادة تسليم البنية الفوقية، لمحطات السفن السياحية في موانئ سفاجا، والغردقة، وشرم الشيخ، وذلك بجانب رصيفين بميناء السخنة؛ يمثل انتهاكا".

أوضح أن "هذا انتهاك واضح للسيادة المصرية، وتهديد للأمن القومي؛ حيث أنه يمكن جهات أجنبية من التواجد الرسمي على الأراضي المصرية بصورة مستفزة ويعطيهم الحق في الاطلاع على معلومات حساسة تتعلق بالأمن القومي".



الأكاديمي المصري، لفت إلى أنه "ومع النظر في حجم الاستثمار ونوع التكليف يتساءل المرء: هل وصلت مصر لمرحلة تتطلب تدخلا أجنبيا لحجم صغير مثل هذا الاستثمار؟".

وتابع تساؤلاته: "وهل عدمت مصر الكفاءات في إدارة وتشغيل تلك الموانئ؟، أم أن الاتفاقية الجديدة هي بند غير مكتوب في متطلبات فرضية إجبارية للقرض الجديد الممنوح من الإمارات لمصر، وخاصة أنها تمت بالأمر المباشر، ما يثير الكثير من التساؤلات ويفتح الباب لمنظومات الفساد".

وختم بالقول: "إن البلاد لا تتقدم إلا بتطوير منظوماتها البشرية والتكنولوجية بأيدي أبنائها، والحرص الدائم على حماية بنيتها التحتية، وأمنها الوطني من التدخلات الأجنبية، وعدم منح أي امتيازات تهدد ذلك الأمر وتحت أي ظرف".

"تمت مناقشتها في الظلام"

وفي تعليقه، أشار الخبير الدولي في إدارة الصناعات البحرية، إبراهيم فهمي، إلى "خطورة التفريط في الأصول الاستراتيجية لمصر"، مؤكدا أن "الشعب بناها بعرق أجيال متتابعة"، مبينا أنها "مرتبطة بمحددات الأمن القومي"، وموضحا أنه يأتي على رأس هذه القائمة "كل الموانئ البحرية المصرية بسواحل البحرين الأحمر، والمتوسط، إضافة لقناة السويس".

وأضاف لـ"عربي21": "وجميعهم في إطار الخط الأحمر الذي لا ينبغي لأي سلطة حاكمة مصرية الاقتراب منه تحت أي مبررات لتظل مصرية خالصة 100 بالمئة الملكية والإدارة والتشغيل والصيانة والتطوير".

البروفيسور، والسياسي المصري، المقيم في لندن، يرى أن "التفريط في إدارة الموانئ البحرية يعتبر جريمة خيانة عظمى، وكل المتورطين بهذه التعاقدات الفاسدة ومن اعتمدها ومن مررها من السلطات المتعددة (البرلمان ومجلس الوزراء ورئاسة الجمهورية وأجهزة الأمن والمخابرات بأنواعها)، ستتم محاكمتهم فور عودة مصر من قبضة من اختطفوها".

وأشار إلى أن تلك العمليات المتواصلة بالتفريط في الأصول المصرية تأتي في ظل "قفز الديون الخارجية في السبعة شهور الماضية لتصل إلى 170 مليار دولار ديونا خارجية وما يعادلها بالجنيه ديونا داخلية ليصبح مجموع الديون الكلية ما يزيد عن 340 مليار دولار".

وفي إجابته على السؤال المطروح بأن تلك الصفقات قد لا تخلو من عمليات فساد خاصة وأنها تتم بالأمر المباشر ودون الإجراءات القانونية والإدارية المعروفة، قال فهمي: "لم تقم الحكومة المصرية بمشاركة صورة من التعاقدات التي تقوم بها لبيع أو تأجير الموانئ البحرية".

وأضاف أنها أيضا "لم تنشر حتى مذكرات التفاهم الموقعة من قبلها مع الخبراء الوطنيين المستقلين في المجال البحري ممن لهم خبرات دولية، كما لم تنشر على مواقعها الرسمية نسخة من هذه التعاقدات حتى يطلع عليها الشعب وهو المالك الحقيقي لهذه الأصول".

ويرى أن هذا "يفتح باب الشكوك على مصراعيه في فساد هذه التعاقدات التي تمت بالأمر المباشر حصرا، ودون طرح كراسات شروط، التعاقدات تمت مناقشتها في الظلام".



وختم حديثه بالقول: "والأخطر من ذلك أن الشركات التي تم التوقيع معها تمثل واجهة للدول التابعة لها، بما يعني أن الاتفاق بين دولتين وليس شركتين في الحقيقة، وليس من المعروف إن كانت هذه الشركات/الدول قد باعت حصصا أو تنتوي بيع أسهم لها لشركات تابعة للكيان الصهيوني، ناهيك عن تقارب هذه الدول مع إسرائيل".

"تفريط لا يتوقف"

وبتلك العقود أصبحت موانئ أبوظبي تسيطر على أغلب الموانئ المصرية في البحرين الأحمر والمتوسط، ما يثير المخاوف من أن يكون مصير بعض تلك الموانئ أو جزء منها إلى الكيان الإسرائيلي المحتل، أو أن يتم تسريح العمالة المصرية منها أو حدوث إجحاف لحقوقها، بجانب ما قد يطال باقي الموانئ المصرية من إهمال لحساب أبوظبي.

ويأتي توقيع العقود الثلاثة بين مصر و"موانئ أبوظبي"، في ظل توجه الشركة الإماراتية للسيطرة على  العديد من الموانئ المصرية عبر تشغيلها وإدارة أو تطويرها لمدد طويلة ولقاء مبالغ أقل من المتوقع في تغول إماراتي على القطاع الاستراتيجي طال موانئ "سفاجا" و"العين السخنة" و"الغردقة" و"شرم الشيخ" بالبحر الأحمر، وكذلك "بورسعيد" و"العريش"، بالبحر المتوسط.

وفي تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، وافق مجلس النواب المصري، على مشروع قانون يمنح مجموعة "أبوظبي للموانئ"، التزام بناء وتطوير وإعادة تسليم محطة متعددة اﻷغراض بميناء سفاجا البحري، مع إدارتها وتشغيلها وصيانتها، لمدة 30 عاما، وذلك عبر شركة "سفاجا لتشغيل المحطات" التي تستحوذ الشركة الإماراتية على النصيب الأكبر بها.



وكان من المثير في ذلك الاتفاق حينها، هو إعلان "موانئ أبوظبي" أنه من غير المتوقع أن تواجه المجموعة أية مخاطر تتعلق بتقلب أسعار العملات الذي تشهده مصر، وأنه سيتم تحويل جميع الإيرادات إلى الدولار.

وفي آذار/ مارس 2023، وقعت "موانئ أبوظبي" 5 اتفاقيات تشمل موانئ مصرية تطل على البحرين الأحمر والمتوسط، بينها امتياز لتطوير وتشغيل ميناء سفاجا، واتفاقيتين لإنشاء محطتين بميناء العريش وميناء غرب بورسعيد لمناولة الأسمنت.

تلك الاتفاقيات المبدئية حينها تهدف إلى توفير موانئ متعددة الأغراض، وخطوط السفن السياحية، وتعزيز القدرات اللوجستية بسفاجا والعين السخنة وبورسعيد والغردقة وشرم الشيخ والعريش.

ووقعت المجموعة الإماراتية اتفاقية لمدة 15 عاما مع "هيئة تنمية المنطقة الاقتصادية لقناة السويس"، لإنشاء محطتين بميناءي العريش وغرب بورسعيد لمناولة الأسمنت السائب باستثمار مليار جنيه مصري.

 وكذلك إنشاء صوامع بسعة تخزينية 60 ألف طن بالعريش، و30 ألف طن بشرق بورسعيد، وذلك بجانب تطوير 3 محطات، لسفن الدحرجة والسفن السياحية وأخرى متعددة الأغراض.

أيضا عقدت موانئ أبوظبي، اتفاقية مع "هيئة موانئ البحر الأحمر"، لإدارة وتشغيل محطة للسفن السياحية بميناء الغردقة، مع تطوير وإدارة وتشغيل محطة للسفن السياحية بميناء شرم الشيخ، مع اتفاق لتطوير محطة متعددة الأغراض ومنطقة لوجستية واقتصادية شرق بورسعيد.

وفي تموز/ يوليو 2022، أعلنت "موانئ أبوظبي"، الاستحواذ على 70 بالمئة من حصص الشركة "التابعة الدولية لنقل البضائع"، (TCI) المالكة لشركتي "ترانسمار" للنقل البحري، و"ترانسكارجو"، بـ 140 مليون دولار.

ويأتي عقد مجموعة أبوظبي كل تلك الاتفاقيات في وقت قصير في ظل تركيز إماراتي على قطاع الموانئ، وسط توجه استراتيجي للسيطرة على موانئ من الخليج العربي ومرورا ببحر العرب ومدخل البحر الأحمر، وحتى قناة السويس، والبحر المتوسط شمالا، عبر العملاقين "موانئ دبي العالمية" و"موانئ أبوظبي".