بورتريه

ريما حسن صوت فلسطيني في البرلمان الأوروبي (بورتريه)

جاء فوز ريما حسن بمقعد في البرلمان الأوروبي مثل الصاعقة التي ضربت المتطرفين الفرنسيين- عربي21
ناشطة حقوقية فرنسية ومحامية ذات أصول فلسطينية.

تعرضت للتهديد بالقتل والاغتصاب والإهانة والعنصرية المناهضة للفلسطينيين من قبل اللوبي الصهيوني واليمين المتطرف في فرنسا.

واجهت وتواجه ضغوطات كبيرة، حتى قبل أن تدخل عالم السياسة لمجرد أنها فلسطينية.


ولدت ريما حسن عام 1992 في مخيم النيرب للاجئين الفلسطينيين أكبر مخيم رسمي للاجئين في سوريا والأكثر اكتظاظا بالسكان، ويقع إلى الشرق من مدينة حلب.

تنحدر من عائلة من قرية البروة شرقي عكا، استقرت في سوريا بعد تهجيرها عام 1948، والدتها كانت معلمة، بينما والدها كان يعمل ميكانيكيا في سلاح الجو السوري.

غادرت سوريا إلى فرنسا مع والدتها وهي طفلة مع خمسة من الأشقاء والشقيقات ونالت الجنسية الفرنسية بعد بلوغها السن القانونية.

ولم تكن تعرف ريما حسن كلمة واحدة باللغة الفرنسية عند وصولها إلى فرنسا إلا أنها بعد ذلك درست الحقوق ونالت الماجستير في القانون الدولي من جامعة السوربون، وتناولت في رسالتها "الفصل العنصري في جنوب أفريقيا وإسرائيل".

عملت في المؤسسات الرسمية الفرنسية، في المكتب الفرنسي لحماية اللاجئين وعديمي الجنسية في عام 2016، كما أنها عملت في المحكمة الوطنية لقانون اللجوء حتى عام 2023.

أسست في عام 2019 "مرصد مخيمات اللجوء"، الذي يهدف إلى التحقيق والدراسة ونشر الوعي حول أوضاع المقيمين في مخيمات اللجوء حول العالم.

غير أن الحرب في غزة دفعتها إلى الاقتراب من الأحزاب الفرنسية الأكثر دعما لفلسطين، لا سيما حزب "فرنسا الأبية" اليساري المناهض للاحتلال ولجرائمه في قطاع غزة.

وأثارت الاهتمام خلال الأشهر الماضية بسبب موقفها من الحرب في غزة، وكانت محورا لسجالات في الأوساط السياسية والإعلامية الفرنسية، بسبب وصفها الأعمال العسكرية الإسرائيلية في غزة بأنها إبادة جماعية.

وأيدت في مقابلة إعلامية الرأي القائل بأن حركة حماس "تقوم بعمل مشروع".

هذه التصريحات وضعتها في مرمى الانتقادات، وسط الانقسام في فرنسا وأوروبا حول الموقف من حرب غزة.

فبعد أن اختارتها النسخة الفرنسية من مجلة "فوربس" عام 2023، لتكون على قائمة "40 امرأة مميزة" قامت المجلة بإلغاء حفل التكريم الذي كانت تنوي إقامته نهاية آذار/ مارس الماضي في باريس، وقالت ناطقة باسم النسخة الفرنسية إن "الظروف لم تعد مواتية لإقامة الأمسية كما هو مخطط لها".

فيما اتهمها رئيس المجلس التمثيلي للمؤسسات اليهودية في فرنسا، يوناتان عرفي، بأنها "تتبع أجندة أصوليي ’حماس’، وتبرر انتهاكات السابع من تشرين الأول/ أكتوبر".

وكان المذيع ومقدم البرامج التلفزيوني الفرنسي آرتور، وجه اتهامات لها بدعم "الإرهاب" و"معاداة السامية" على خلفية مواقفها.

وبدورها، ردت حسن بدعوى قضائية على المذيع، اتهمته فيها بالتشهير.

وهاجمها النائب بنجامين حداد، عن كتلة "النهضة" التابعة للرئيس ماكرون، واتهمها بالدعوة إلى "تدمير إسرائيل".

واستدعتها الشرطة القضائية في نيسان/ أبريل للتحقيق معها بدعوى "تمجيد الإرهاب" خاصة بعد استعمالها شعار "فلسطين من البحر إلى النهر"، ووجهت لها أيضا اتهامات في مواقع التواصل الاجتماعي بالدعوة إلى "تصفية إسرائيل"، قبل أن تبرر ذلك في مقابلات تلفزيونية بأن هذا الشعار لا علاقة له بحركة حماس من جهة ولا بمجريات الحرب الدائرة في قطاع غزة.

وفي هذا الجو العدائي المشحون من قبل اليمين المتطرف ومن قبل اللوبي الصهيوني في فرنسا ومن قبل الإعلام الفرنسي المنحاز تماما للسرد الإسرائيلي، فإنه أعلن عن ترشحها لانتخابات البرلمان الأوروبي.

وقالت ريما في لقاء صحفي، إن ترشحها للانتخابات الأوروبية يعرضها "لضغوط سياسية وقانونية كبيرة". مشيرة إلى أنها "ستحمل القضية الفلسطينية إلى البرلمان الأوروبي".

ورأت أنها "تعتبر القضية الفلسطينية شأنا أوروبيا، بسبب مسؤولية تقسيم المنطقة بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى بين الاستعمارين الفرنسي والبريطاني وفق اتفاقية سايكس بيكو"، بحسب تعبيرها.

وفي خطاب إعلان ترشحها عن حزب "فرنسا الأبية"، وبحضور مؤسس الحزب، جان لوك ميلانشون، استهلت ريما حسن إعلانها بأبيات من قصيدة محمود درويش "من أنا، دون منفى؟".

وجاء فوزها بمقعد في البرلمان الأوروبي مثل الصاعقة التي ضربت المتطرفين الفرنسيين، بعد حصول "فرنسا الأبية" على 8 مقاعد في البرلمان الأوروبي. فيما فاز اليمين المتطرف الفرنسي بفارق كبير عن معسكر الرئيس إيمانويل ماكرون، الذي اضطر إلى حل البرلمان والدعوة إلى انتخابات مبكرة نهاية الشهر الحالي.

ريما حسن التي لا تخفي إعجابها بالاحتجاجات الطلابية التي نظمها طلاب جامعة العلوم السياسية في باريس، تؤكد أن الاتحاد الأوروبي متواطئ مع الاحتلال الإسرائيلي ومسؤول عن ما يحدث في قطاع غزة، معتبرة أن معركتها السياسية تتمحور حول ضمان الحقوق والمطالبة بالعدالة للشعب الفلسطيني.

وتقول: " تتمثل معركتي السياسية في القول إن فلسطين هي موضوع أوروبي لأن كل الحقائق الاقتصادية والسياسية والدبلوماسية تجعل الاتحاد الأوروبي مسؤولا جزئيا عن ما يحدث. فمثلا، هو الشريك التجاري الأول لإسرائيل حيث وصلت التبادلات التجارية بينهما إلى 30% كما أنه  لم يصدر حتى الآن قرارا بفرض حظر على الأسلحة، على الرغم من أنه فعل ذلك مع نحو 15 دولة".

لن تتوانى ريما حسن عن اتهام الاتحاد الأوروبي بأنه متواطئ وحليف ومسؤول جزئيا عن ما يحدث في قطاع غزة، لذلك فهي ستعمل مع كتلة اليسار والوسط بهذا الاتجاه داخل البرلمان الأوروبي للمطالبة بالعدالة للشعب الفلسطيني.

فوز مستحق رغم كل الشحن والضغط الذي مورس ضدها لمنعها من الفوز، وهو إنجاز كبير وضعت لاجئة فلسطينية بصمتها عليه، وستكون صوتا شجاعا لخمس سنوات لاحقة هي مدة عضويتها في البرلمان الأوروبي.