صحافة دولية

ما تحديات العمل الدبلوماسي للاعتراف بالدولة؟.. أستاذ بالقانون الدولي يجيب

تعتبر الدول الأولى التي اعترفت بفلسطين في كثير من الأحيان "مستعمرات سابقة للدول الغربية"- جيتي
شدد أستاذ القانون الدولي بليغ نابلي على عدم وجود سلطنة مركزية في القانون الدولي تحتكر سلطة الاعتراف بوجود الدول، وذلك في إطار حديثه صحيفة "لوموند" الفرنسية عن الآثار الملموسة للاعتراف بدولة ما وموقف الدول الغربية من القضية الفلسطينية.

وقالت الصحيفة الفرنسية، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن إسبانيا وأيرلندا والنرويج أعلنت اعترافها بدولة فلسطين في 22 أيار /مايو، وسيكون لهذا القرار الدبلوماسي تأثير جيوسياسي على العلاقات الدولية. وأوضح بليغ نابلي القضايا الحقيقية المتعلقة بالاعتراف بفلسطين في سياق الحرب بين إسرائيل وحماس منذ تشرين الأول/ أكتوبر 2023.

وفي سؤال الصحيفة عن من يملك صلاحية الاعتراف بالدول، أكّد نابلي أنه لا توجد في القانون الدولي سلطة مركزية تحتكر سلطة الاعتراف بوجود دولة ما. فكل "طرف فاعل في القانون الدولي"، ما يعني أن الدول والمنظمات الدولية، مثل الأمم المتحدة، لديها القدرة على تحديد ما إذا كانت ستعترف بوجود دولة أخرى أم لا.

بالنسبة لأي دولة، فإن الاعتراف فعل تعبّر من خلاله بحرية وتقدير عن إرادتها ويكون ذلك عبر إحدى هيئاتها المخولة: رئيس الدولة، أو رئيس الحكومة، أو وزير الخارجية. وفي فرنسا، يجعل الدستور من رئيس الجمهورية رئيسا للدبلوماسية الفرنسية، ما يعني أن موافقته شرط أساسي لأي اعتراف دولي. ومن بين الدول التي اعترفت بها فرنسا مؤخرا، كوسوفو في سنة 2008 وجنوب السودان في سنة 2011.

وفيما يتعلّق باحتمال أن يؤدي الاعتراف بالأمم المتحدة إلى اعتراف تلقائي من قبل الدول الأعضاء، أشار الأستاذ الجامعي إلى أن الأمم المتحدة تتمتع بشخصية قانونية، ويمكنها أن تقبل عضوا جديدا كدولة، دون أن يتم فرض ذلك تلقائيًا على الدول الأعضاء الأخرى. وفي حالة إسرائيل، على سبيل المثال، صوتت الجمعية العامة للأمم المتحدة سنة 1947 لصالح القرار عدد 181، الذي ينص على إنشاء دولة يهودية، قبل أن تنضم الأخيرة إلى المنظمة في أيار/ مايو 1949. لكن العديد من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة مثل الجزائر لا تزال حتى اليوم لا تعترف بإسرائيل.

وفيما يتعلق بآثار الاعتراف بدولة من قبل دولة أخرى، بيّن نابلي أنه إلى جانب استيفاء شروط تكوين الدولة (السكان والإقليم والسلطة الحكومية)، فإن وجودها الدولي الفعلي والتمتع بجميع حقوقها يعتمد أيضا على الاعتراف الدولي بها. كما أن اعتراف دولة ما بدولة أخرى لا يعني تلقائيا فتح سفارات لها لاحقا. لكن هذه الفرضية قد تصبح ممكنة. مع ذلك، يمكن تكون هناك علاقات دبلوماسية بين كيانين دون أن يكون أحدهما معترفًا به كدولة ذات سيادة. فعلى سبيل المثال، هناك عدد معيّن من الدول، بما في ذلك فرنسا، لا تعترف بتايوان، وهذا لا يستبعد العلاقات الدبلوماسية، حتى لو كانت أقل مؤسسية.

من الناحية السياسية تعتبر التأثيرات حقيقية. فعندما يتم النقاش حول وجود دولة، فإن الاعتراف بها من قبل دولة أخرى يعد مصدرا للشرعية، خاصة إذا كانت قوة عظمى أو دولة جارة، من أجل تأمين حدودها. ويشكّل اعتراف المنظمات الدولية أو الإقليمية أيضا تحديا كبيرا لوجود وعمل الدولة على الساحة الدولية.

وفي سؤال الصحيفة عن موقف فرنسا من الاعتراف بفلسطين، رد بليغ نابلي أنه منذ عهد فرانسوا ميتران، أبدت فرنسا رغبتها في الاعتراف بوجود دولة فلسطين، ولكن من دون تحديد أي جدول زمني لذلك. وهذا الغموض لا يزال مستمرا مع الرئيس إيمانويل ماكرون: فالاعتراف ليس من المحرّمات، ولكنه يبدو غير مناسب حتى الآن. وبعيدا عن التوقيت، فإن هذا السؤال الجوهري محل نقاش أيضًا بين أعضاء الأغلبية الرئاسية، بما في ذلك بين رئيسة مجموعة النهضة المرشحة لانتخابات البرلمان الأوروبي، فاليري هاير، والنائب برنارد جيتا. إن التناقض الفرنسي واضح حتى داخل المنظمات الدولية. وفي الأمم المتحدة، تؤيد فرنسا قبول "دولة فلسطين" كعضو كامل الحقوق.

وفيما يتعلق بالأسباب التي تجعل فرنسا لا تعترف بفلسطين رغم تأييدها حل الدولتين، أشار نابلي إلى أنه من وجهة النظر الإسرائيلية، فإن اعتراف فرنسا بفلسطين سوف يُفهم على أنه عمل من أعمال العدوان الدبلوماسي، أو على الأقل بمثابة عقوبةٍ سياسيّة. لقد رأينا رد الفعل القوي من جانب إسرائيل التي استدعت السفير الإسباني بعد اعتراف مدريد بفلسطين الأسبوع الماضي. لكن رئيس الوزراء بيدرو سانشيز أوضح في خطابه أن هذه ليست عقوبة ضد إسرائيل. إن تصوّر القرارات في العلاقات الدبلوماسية مهم للغاية.

وعلى حد تعبير بليغ نابلي، لا ترغب فرنسا في اتخاذ هذه الخطوة لسببين: الأول استراتيجي لأن فرنسا حاولت منذ رئاسة نيكولا ساركوزي (2007-2012) تعزيز علاقتها مع إسرائيل، التي أصبحت الحليف الرئيسي لها في الشرق الأوسط. وقد اتبع فرانسوا هولاند نفس الخط، مجازفا أيضًا بكسر موقف التوازن التقليدي الذي تتبناه فرنسا فيما يتصل بموضوع الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. وأخيرا، يكرس إيمانويل ماكرون هذا الانحياز لصالح إسرائيل، التي يعتبرها نموذج "أمة الشركات الناشئة". أما السبب الثاني فهو داخلي، ويرتبط "بالذاكرة الجماعية" لفرنسا ووزن الجالية اليهودية.


وفي حديثه عن الدول الغربية، أبرز نابلي أن الحجة التي تطرحها الدول الغربية هي نفسها في كثير من الأحيان. وبالنسبة للولايات المتحدة أو ألمانيا أو فرنسا، بدرجة أقل، يتعين على الطرفين، إسرائيل وفلسطين، التوصّل أولا إلى اتفاق سلام قبل التعبير عن أي اعتراف. لكن هذا ليس له معنى كبير، لأن الاعتراف عمل أحادي وحر وتقديري، ولا يمكن أن يعتمد على شرط مسبق. وهذا الموقف لا يعكس إلا الرغبة في عدم الإساءة إلى إسرائيل.

وحسب الصحيفة، تعتبر الدول الأولى التي اعترفت بفلسطين في كثير من الأحيان مستعمرات سابقة للدول الغربية. وفي سنة 1988، أعلنت منظمة التحرير الفلسطينية، في إعلان صدر في الجزائر، استقلال فلسطين. واعترفت عدة دول أفريقية وآسيوية على الفور بالدولة الفلسطينية، لأنها كانت مدفوعة بتجاربها الخاصة وتاريخها ضد الإمبريالية والاستعمار.

ووفقا لنابلي، كانت هذه دولا فتية، وُلدت على مبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها، وهو مبدأ يحظى بقيمة خاصة لدى الدول التي تحررت من الاستعمار بعد الحرب العالمية الثانية. لذلك من المنطقي جدا أن تصبح هذه الدول داعمة للمطالب الفلسطينية. وأكد كذلك أن هذه القصة لا تزال ذات أهمية كبيرة في الأوساط الدولية، وفي الأمم المتحدة بشكل خاص، مع مجموعة السبع والسبعين (التي تضم اليوم 130 دولة) في الجمعية العامة. وهذه المجموعة، التي تضم فلسطين، أنشأتها في الأصل الدول الأقل تقدما للتعبير عن مطالبها.