رغم سيل التساؤلات التي بدأت، ولم تتوقف، عن ما يوصف بـ"إخفاقات السابع من أكتوبر"، وتأخّر لجان التحقيق في عملها، فإن الدعوات الإسرائيلية بدأت ولم تتوقف عن ضرورة تشكيلها، حتى لو توصّلت إلى نتائج جديدة، قد تفضي لتوصيات بـ"قطع الرؤوس"، والإقصاءات، والعزل، والمحاسبة، للمقصرين في الحدث التاريخي، لمعرفة كيف نجحت "حماس" في اختراق أمن الاحتلال بهذه الصورة.
وقال المحامي يحيئيل غوتمان، إن "قطار لجنة التحقيق الحكومية في عملية السابع من أكتوبر غادر المحطة، بالتزامن مع انطلاق حرب السيوف الحديدية ضد
غزة، ومع ذلك، فما زالت الأسئلة الإسرائيلية مفتوحة: متى ستبدأ عملها؟ من سوف يرأسها؟ وماذا ستكون صلاحياتها؟".
وأضاف: "مع أن أوّل من تحرك في هذا الاتجاه جاء من رئيس معسكر الدولة الوزير، بيني غانتس، الذي قدّم للحكومة مقترح قرار بتشكيل لجنة تحقيق رسمية للتحقيق في كل الأحداث التي سبقت الحرب، بما في ذلك صناعة القرار على المستويين السياسي والعسكري، وسلوك الصفوف الميدانية خلال الحرب نفسها، وكيف أخفق الاحتلال أمام محكمة لاهاي".
وأضاف في مقال نشرته صحيفة "
معاريف" العبرية، وترجمته "عربي21" أن "المستشارة القانونية للحكومة، وهي غالي بيهاريف ميارا، جدّدت دعوتها هي الأخرى للتحقيق في كل هذه الأحداث، ما أعطى هذه الدعوات والمطالبات زخماً إضافياً، خاصة بعد اتخاذ جملة من الإجراءات الدولية المختلفة ضد دولة الاحتلال".
وأردف بأن "ذلك يستدعي، وبصورة عاجلة، إنشاء لجنة تحقيق حكومية وهي آلية مستقلة عن المستوى السياسي، يتم تعيين أعضائها من قبل رئيس المحكمة العليا، وتتمتع بصلاحيات تحقيق واسعة، ويتم تشكيلها منذ البداية لغرض إجراء فحص متعمق للأحداث ذات الأهمية العامة، ويمكن استخلاص استنتاجات من شأنها أن تكون مفيدة، كأساس لاتخاذ المزيد من الإجراءات الملموسة على المستوى الميداني".
وأوضح أن "دولة الاحتلال تواجه أكبر كارثة في تاريخها، والجمهور الإسرائيلي يريد إجابات: كيف تفاجأت الدولة التي تتمتع بأفضل القدرات الاستخباراتية في العالم بهذه الطريقة؟ وكيف تمكّنت حركة حماس من تطوير مثل هذه القدرات العسكرية الكبيرة؟ وأين كانت القوات العسكرية صباح السابع من أكتوبر؟ وكيف انهارت المنظومة الدفاعية حول
قطاع غزة التي كلفت الدولة مليارات الشواكل؟ ومن المسؤول عن الإخفاقات الفادحة؟".
وأشار إلى أن "دول العالم، بما في ذلك أصدقاؤنا في الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وفرنسا، يطالبوننا أيضًا بإجابات في ما يتعلق بالطريقة التي دارت بها الحرب في قطاع غزة، وفي ما يتعلق بمسألة ما إذا كانت العمليات الإسرائيلية نُفذت وفقًا لما هو منصوص عليه في ميثاق الأمم المتحدة، ومنسجمة مع أحكام القانون الدولي عام 1968".
وأوضح أن "الكنيست عندما أقرّ قانون لجان التحقيق، اعتبر حينها أداة مهمة لضبط عمل المنظومة السياسية، وأداة تحقيق موضوعية، خالية من التحيّز السياسي، للبت في القضايا التي تزعج الجمهور، وبالفعل، فقد خلق القانون نوعاً من التوازن، عندما نصّ على أن سلطة اتخاذ القرار بشأن تشكيل لجنة تحقيق رسمية تقع على عاتق الحكومة".
"وأسند تشكيلة اللجنة، التي يرأسها أحد كبار القضاة، إلى رئيس المحكمة العليا، بهدف منع تحيز استنتاجات اللجنة من قبل السياسيين الذين عينوا أعضاءها، وقد بلغ عددها حتى الآن عشرين لجنة تحقيق في قضايا مختلفة، أثارت غضب الجمهور" يضيف التقرير.
وأبرز أنه "في بعض الحالات، انقسمت وجهات نظر الإسرائيليين حول عمل لجان التحقيق، مع أن بعضها يواصل عمله حتى اللحظة تحت غطاء من السرية، خاصة صفقة المشتريات الدفاعية وقضية شراء الغواصات، وهناك عدد غير قليل من لجان التحقيق التي وقعت في مشكلة أهواء أصحاب المصالح، لكننا في النهاية أمام حدث السابع من أكتوبر، الذي يكتسب خطورة تاريخية يستدعي تشكيل هذه اللجنة، وبسرعة قصوى".
وختم بالقول إن "الدعوة لتشكيل لجنة تحقيق عاجلة في إخفاقات أكتوبر لا تتعارض مع القناعة السائدة في أوساط غالبية الإسرائيليين، بأن الثابت في معظم لجان التحقيق الحكومية التي تم تشكيلها حتى الآن، خاصة عندما يتعلق الأمر بالقضايا الأمنية، أنها لا تكتشف نتائج جديدة".
واستطرد بأن "الأمور معروفة سلفاً، ولا داعي لإنفاق رؤوس الأموال وأتعاب المحامين الباهظة، فيما يظل الجدل العام كما كان، لكن في حالة السابع من أكتوبر، وفي ظل التسونامي الدولي الذي نعيشه، فلا تملك الحكومة أداة أكثر فاعلية من إنشاء لجنة تحقيق حكومية بسبب خطورة الأحداث، وانعدام ثقة الجمهور".
ترتبط هذه الدعوات الإسرائيلية بتشكيل لجنة تحقيق عاجلة لمعرفة أوجه إخفاقات السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، والمسؤولين عنه، بلجان تحقيق شبيهة بلجنة "أغرانت" للتحقيق في إخفاق حرب عام 1973، وبعد تسع سنوات، عام 1982، تم إنشاء "لجنة القاضي إسحاق كوهين" للتحقيق في مجزرة صبرا وشاتيلا، وفي عام 1987 تم إنشاء لجنة "لانداو" بشأن أساليب التحقيق التي يتبعها جهاز الأمن العامة - الشاباك.
وفي عام 1994 تم إنشاء لجنة "شمغار" بشأن مجزرة الحاخام غولدشتاين في الحرم الإبراهيمي بمدينة الخليل، وفي عام 2000 تم إنشاء لجنة تحقيق في ما يتعلق بأحداث أكتوبر بالنسبة لـ"فلسطينيي 48"، وطريقة تعامل الشرطة والجيش معهم عشية اندلاع الانتفاضة الثانية.