يشير تمديد فترة
الأزمة الاقتصادية إلى 4 سنوات، إلاّ أن التحدّيات التي تُواجه الاقتصاد
المصري ليست مؤقتة أو سطحية، بل هي عميقة وتحتاج إلى فترة طويلة من الإصلاح والتعديل.
وأعلن وزير المالية المصري، محمد معيط، أن مصر تدخل فترة تصحيحية تمتد لأربع سنوات قاسية، مشيراً إلى أن الأوضاع الاقتصادية العالمية والتوترات الإقليمية هي الأسباب الرئيسية لطول أمد هذه الأزمة.
هذه التصريحات تثير العديد من التساؤلات حول دلالة مد فترة الأزمة إلى أربع سنوات، وانعكاساتها على القرارات والإجراءات الاقتصادية التي تؤثر على حياة المواطنين، بعد سلسلة وعود بتحسين الأوضاع والانتقال لمرحلة جديدة وثوب جديد.
هذه الفترة التصحيحية تتطلب من الحكومة اتخاذ قرارات وإجراءات صارمة، قد تكون مؤلمة على المدى القصير، وتزعم الحكومة أنها ضرورية لتحقيق الاستقرار الاقتصادي والنمو المستدام على المدى الطويل.
فاتورة الاستيراد في مصر وخياراتها الصعبة
وعدّد
وزير المالية ملامح الأزمة، مشيرا إلى أن العالم يعيش في ظروف صعبة ومنطقة ظروفها أصعب، أثرت على إيرادات قناة السويس بسبب توترات البحر الأحمر، والاقتراض بالدولار تكلفته مرتفعة وسعر الفائدة محليا بلغ 30 في المئة.
وكشف المسؤول المصري أن فاتورة الواردات الشهرية لمصر تضاعفت؛ إذ ارتفعت من 5 مليارات دولار إلى 10.5 مليار دولار؛ بسبب ارتفاع تكاليف شحن البضائع وزيادة الطلب العالمي عليها.
وبشأن تداعيات استمرار هذه الأوضاع توقع معيط أن تؤدي إلى مزيد من الضغط على موازنة الدولة، وارتفاع تكلفة دعم المواد البترولية والكهرباء، مما قد يضع البلاد أمام تحديات صعبة وخيارات قاسية؛ للحفاظ على استقرار الأوضاع الاقتصادية والمالية.
ملامح السنوات الصعبة بدت واضحة وقوية في إعلان مصر عن رفع سعر رغيف الخبز المدعوم إلى 20 قرشا من 5 قروش، لأول مرة منذ عام 1988، ورفع أسعار عدد واسع من الأدوية، وسط حديث عن حتمية رفع الدعم بشكل نهائي عن الكهرباء، والمنتجات البترولية.
تسلسل أبرز مشاريع الأزمة الاقتصادية
تعود الشرارة الأولى للأزمة الاقتصادية إلى عام 2015 عندما أنفق رئيس النظام، عبد الفتاح السيسي، عشرات مليارات الدولارات على مشروعات ضخمة أدت إلى تراجع قيمة الجنيه المصري، وارتفاع معدلات التضخم، ونقص العملات الأجنبية، وتزايد الدين العام.
2014-2015:
إنفاق
8 مليارات دولار على مشروع تفريعة قناة السويس وانخفاض احتياطيات العملات الأجنبية إلى 16.4 مليار دولار أمريكي.
2016-2017:
وقعت مصر
اتفاقية قرض بقيمة 12 مليار دولار أمريكي مع صندوق النقد الدولي وخفضت قيمة الجنيه 50 في المئة.
2020-2021:
أدت جائحة COVID-19 إلى حدوث
تباطؤ اقتصادي كبير في مصر، وانخفاض إيرادات السياحة والصادرات مما أدى إلى انخفاض كبير في إيرادات العملات الأجنبية.
2022-2023:
أدى اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية إلى
ارتفاع أسعار السلع الأساسية وهروب أكثر من 22 مليار دولار أموال ساخنة وانهيار تماسك الجنيه.
رفع الفائدة من قبل البنك الفيدرالي الأمريكي أدى إلى تدفقات مالية خارجة من الأسواق الناشئة، وخفض قيمة الجنيه أكثر من مرة بأكثر من 50 في المئة.
تباطؤ الاقتصاد العالمي قلل من الطلب على الصادرات المصرية، ما أثر على عائدات العملات الأجنبية.
2023-2024
أدى اندلاع الحرب في قطاع غزة إلى تفاقم التوترات في المنطقة وانهار الجنيه المصري إلى 70 جنيها
للدولار.
توصلت
مصر مع اتفاق مع صندوق النقد الدولي مجددا لزيادة حجم القرض إلى 8 مليارات دولار وتحرير سعر الصرف وخفض قيمة الجنيه من 30 جنيها للدولار إلى 47 جنيها.
انعكاسات الفترة التصحيحية على القرارات الاقتصادية بحق المواطنين
قال الباحث في الاقتصاد السياسي، مصطفى يوسف، إن "هناك عناوين عريضة تلخّص طبيعة المرحلة الاقتصادية المقبلة تتركز في أولا، في عدّة إجراءات تقشفية محتملة وكبيرة، ثانيا، آثار سلبية على السياسات النقدية، ثالثا، ارتفاع الأسعار واستمرار ارتفاع معدلات التضخم وتراجع قيمة الجنيه وبيع المزيد من الأصول".
وأوضح لـ"عربي21" أنه "بخصوص الإجراءات التقشفية سوف تلجأ الحكومة إلى تبني إجراءات تقشفية لخفض العجز المالي وتقليل الدين العام، مما قد يشمل تقليص الإنفاق الحكومي وزيادة الضرائب. هذه الإجراءات قد تؤثر سلباً على الطبقات الوسطى والدنيا، حيث يمكن أن تؤدي إلى ارتفاع تكلفة المعيشة وتقليل الدعم المقدم للفئات الضعيفة".
أما بخصوص التأثيرات على السياسات النقدية، بين يوسف أنه "من المحتمل أن تواصل الحكومة والبنك المركزي السياسات النقدية المتشددة، بما في ذلك رفع أسعار الفائدة، مما قد يؤثر على تكلفة الاقتراض والاستثمار، ويؤدي إلى خفض جديد في العملة المحلية، مما يحد من القدرة على النمو الاقتصادي".
وأخيرا تكمن المعاناة الأكبر، بحسب الباحث الاقتصادي، في "استمرار الضغوط الاقتصادية قد يؤدي إلى ارتفاع معدلات التضخم، مما يزيد من تكلفة السلع والخدمات ويؤثر على القدرة الشرائية للمواطنين، إلى جانب تراجع قيمة الجنيه حيث تتوقع بيوت ومؤسسات الخبرة استمرار آثار التعويم وإن كان بشكل مدار ولكنه أكيد وحتمي".
الوعود والتصريحات المخدرة
على الرغم من الوعود المتكررة من رئيس النظام، عبد الفتاح السيسي، بتحقيق الرخاء والانطلاقة الاقتصادية، إلا أن الوضع الراهن يعكس صورة معاكسة، حيث يجد المواطنون أنفسهم في مواجهة تحديات معيشية يومية تتزايد حدتها وعدم القدرة على التعامل معها.
لكن ما بين الوعود كان السيسي ينكر مثل تلك الوعود ويحذر من تفاقم الأزمة الاقتصادية لتمرير سياسات اقتصادية صعبة، وإلقاء اللوم على الأوضاع العالمية الخارجية أو المواطنين.
أيلول/ سبتمبر 2014 وعد السيسي: "اصبروا معايا سنتين وحاسبوني"..
حزيران/ يونيو 2015: "سنتين كمان و تستغربوا مصر بقت كده إزاي"..
كانون الأول/ ديسمبر 2016: "اصبروا معايا ست شهور بس"..
تموز / يوليو 2018: "اصبروا وسترون العجب العجاب في مصر"..
تشرين الأول/ أكتوبر 2018: "هوريكم دولة ثانية في 30 يونيو 2020"..
آذار/ مارس 2019: "لم أعدكم بالسمن والعسل.. هل وعدتكم؟"..
تموز/ يوليو 2019: "بكرة تشوفوا مصر في شكلها الجديد"..
تشرين الثاني/ يناير 2021: "هتشوفوا مصر خلال 3 سنين"..
كانون الثاني/ يناير 2022: "البلد دي مش لاقيه تاكل"..
كانون الأول/ ديسمبر 2023: سوف تتحسن الأحوال الاجتماعية والاقتصادية في 6 سنوات..
أيار/ مايو 2024: السيسي للوزراء: لماذا لا تتكلموا تكلموا إلى الناس وأخبروهم الحقيقة..
أوقات عصيبة وفقرٌ متزايد
فنّد الخبير الاقتصادي ورجل الأعمال المصري الأمريكي، محمد رزق، مزاعم وزير المالية بأن الأوضاع الخارجية هي التي قوّضت جهود مصر في الإصلاح والتعافي الاقتصادي، وأكد أن "الاقتصاد المصري أٌضعف بسبب سياسات اقتصادية خاطئة على رأسها الاقتراض دون إنتاج وبات غير قادر على تحمل أي صدمات خارجية أو حتى داخلية عالمية أو إقليمية".
وأضاف لـ"عربي21": "للأسف الوضع فى مصر اقتصادياً ليس بمثابة أزمة تقوم بتصحيح نفسها كما أشار وزير المالية، فإن الأزمة أعمق من ذلك بكثير. فإذا افترضنا أن الاقتصاد المصري سيصمد، والذي أصبح يعيش على القروض، فحتى نتخلص من عجز الموازنة المزمن لابد من تحقيق تنمية سنوية لا تقل عن 8 في المئة، وهذا رقم لم يصل إليه الاقتصاد المصري من قبل".
بخصوص فرص التنمية وتحقيق معدلات مرتفعة بيّن رزق أن "التنمية هي الابن الشرعي للاستثمار المباشر والاستثمار المباشر بطبعه جبان ودائماً يبحث عن ملاذ آمن ليستوطن به وهذا غير متوافر فى حالة مصر للأسباب السالف التنويه عنها"، مشيرا إلى أن "التوترات في المنطقة لها تداعيات سلبية على الاقتصاد المصري ولكنها ليست هي لُب القصيد".
واتفق الخبير الاقتصادي مع ما ذهب إليه وزير المالية مؤكدا أن "مصر مقبلة على حقبة اقتصادية صعبة سوف يفقد فيها الجنية المزيد من قوته الشرائية وشح عملات أجنبية قد يتطلب تعويم آخر للجنية المصرى أو استمرار خفضه، مما سوف ينعكس بالسلب على التضخم من طبع النقد إلى ارتفاع كبير للأسعار وسقوط عدد أكبر من المصريين تحت خط الفقر".