يرغب الرئيس الفرنسي إيمانويل
ماكرون، في إجراء تغييرات على محاور الملف
الفلسطيني، من خلال الذهاب في طريق الاعتراف بدولة فلسطينية بعد تحقيق إصلاحات في
السلطة الفلسطينية، وتوازنات إقليمية محددة، وهو الأمر الذي يبدو حتى الآن بعيد المنال، بسبب عدة عراقيل.
وقالت صحيفة "
لوفيغارو" الفرنسية في تقرير ترجمته "عربي21"، إن ماكرون في إطار سعيه المستمر منذ سنوات لوضع محاور جديدة لتسوية الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، انتهى مؤخرا لتوضيح موقفه من الحل السياسي، واختياره لما يسميه "اللحظة المناسبة" للاعتراف بدولة فلسطينية.
وقد أعلن الرئيس الفرنسي الثلاثاء، من ألمانيا أن هذا الاعتراف يشترط الكثير من الإصلاحات والتطورات، إلى جانب توازنات إقليمية وتحقيق "أمن إسرائيل"؛ حيث يرى أن خطوات الاعتراف بدولة فلسطين التي أعلنتها دول أوروبية عديدة على غرار النرويج وإسبانيا وإيرلندا، مجرد "اعتراف عاطفي"، وأن الأمر من وجهة نظره يجب أن يندرج في إطار انخراط الدول العربية في التواصل مع "إسرائيل"، وبناء على إصلاحات في السلطة الفلسطينية، من أجل الوصول إلى نتائج يمكن الاعتماد عليها.
ووفق الصحيفة؛ فإن الرئيس الفرنسي يرى أن شروع السلطة الفلسطينية في القيام بإصلاحات يُعد أمرا لا مفر منه، وهو ما ذكره لرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس خلال مكالمة هاتفية الأربعاء، وهذه الشروط تتضمن محاربة الفساد، وتنظيم انتخابات جديدة على الأراضي الفلسطينية.
وتنبه الصحيفة إلى أن المشكلة في هذه المقترحات هي أن "محمود عباس الذي بلغ من العمر 88 عامًا وفقد شرعيته، يتمسك بمنصبه، ويقوم بكل ما في وسعه منذ سنوات من أجل البقاء في المشهد السياسي".
وبحسب الصحيفة؛ فإن هذا التشبث بالسلطة أثار استياء إيمانويل ماكرون، الذي كان قد طلب في بداية العام 2023 من سفراء فرنسيين سابقين في "إسرائيل"، وقناصل عامين في القدس ومدراء سابقين لجهاز المخابرات الفرنسي، إيجاد اسمين على الأقل من الشخصيات القادرة على خلافة عباس. وهي فكرة اعتبرتها الصحيفة "مثيرة للاهتمام من الناحية النظرية، ولكنها فاشلة من الناحية العملية".
ونقلت الصحيفة عن مصدر دبلوماسي فرنسي أن الإصلاحات التي يطلبها ماكرون، تتمثل في "تغيير قيادة السلطة الفلسطينية عبر الدفع برئيس الوزراء محمد مصطفى، وهو سياسي تكنوقراط يحظى بسمعة جيدة لدى الدول الغربية، ولكن لا يتمتع بأي قدرة على المناورة في مواجهة عباس، وبالتالي فإن هذه الفرضية تبدو معقدة".
وترى الصحيفة أن ماكرون الذي لا يرغب في بقاء أي وجود سياسي لحركة حماس في غزة، يطالب بسلطة فلسطينية إصلاحية وقوية قادرة على الاضطلاع بمسؤولياتها في كامل الأراضي الفلسطينية بما في ذلك غزة. وهي رغبة تتشاطرها معه الولايات المتحدة، التي تعتبر الوحيدة إلى جانب "إسرائيل" القادرة على ممارسة ضغوط على عباس وحلفائه الفلسطينيين.
وتؤكد الصحيفة أن ماكرون جعل من هذه الإصلاحات على رأس السلطة الفلسطينية شرطا أساسيا للاعتراف الفرنسي بدولة فلسطينية. ولكن إلى جانب ذلك فإن هناك شروطا أخرى متعلقة بتوازنات إقليمية جديدة، متمثلة في تطبيع العلاقات بين الدول العربية و"إسرائيل"، ما سيضمن العناصر الأمنية التي تحدث عنها الرئيس الفرنسي، والتي بدأت بـ"اتفاقات أبراهام" الموقعة في 2020 من طرف الإمارات والبحرين والسودان والمغرب.
وأضافت أن ماكرون يرغب الآن في توسيع هذه الاتفاقات لتشمل دولًا أخرى، على رأسها السعودية التي كانت قد انخرطت في مفاوضات في هذا الصدد عبر الولايات المتحدة، ثم اضطر ولي العهد محمد بن سلمان لتجميدها، بعد أحداث السابع من تشرين الأول/ أكتوبر.
انتقادات حادة لسياسة ماكرون
وتابعت الصحيفة بأنه رغم ذلك فإن الرجل القوي في الرياض كما تسميه لوفيغارو، الذي تواصل معه الرئيس الفرنسي منذ أسبوع، لم يتخل عن رغبته في تطبيع العلاقات مع "إسرائيل"، ولكنه وضع شرطا لاستئناف المفاوضات، يتمثل في التزام تل أبيب بالدخول في مسار لا رجعة فيه لإقامة دولة فلسطينية، في وقت يصر فيه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو على المضي قدما في عملية عسكرية في رفح ومواصلة ما يعتبره الحرب على آخر معاقل حماس، عوضا عن الالتفات إلى الرياض والسلام مع أهم الدول العربية، القادرة على جلب دول أخرى معها.
ولذلك تخلص الصحيفة إلى أن هذه التوازنات الإقليمية، التي يبحث عنها ماكرون، لا تبدو قريبة المنال.
وتنقل الصحيفة عن أحد السفراء العرب في باريس، الذي يشعر بخيبة الأمل من أسلوب الترقب الذي يعتمده ماكرون حيال الاعتراف بدولة فلسطينية، والانحياز الفرنسي إلى "إسرائيل" منذ هجمات السابع من أكتوبر، قوله للفرنسيين: "لا أدري إن كان رئيسكم لديه فكرة محددة في ذهنه".
كما أن سفيرا فرنسيا تواصلت معه لوفيغارو واشترط عدم الإفصاح عن اسمه، أكد نفس هذا الرأي بالقول: "منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر جل التعليمات التي تلقيتها من قصر
الإليزيه عبر وزارة الخارجية كانت تنص على أنه لم يعد هنالك توازن في سياستنا تجاه إسرائيل والفلسطينيين".
ماكرون أمام طريق مسدود
وتشير الصحيفة إلى أن هذا المأزق الدبلوماسي الذي يواجهه ماكرون منذ وصوله للسلطة في
فرنسا، دفع به في مرتين على الأقل، صيف 2022 وبداية العام 2023، إلى توجيه انتقادات حادة لوزارة خارجيته وتوبيخها على ما اعتبره افتقارا للإبداع وبقائها في نفس الأفكار القديمة، في وقت يريد فيه هو العثور على محاور جديدة للتعامل مع هذه القضية.
وفي المقابل؛ يرد أحد الدبلوماسيين في الخارجية الفرنسية على هذه المزاعم بالقول: "نحن نقوم بتقديم المقترحات، ولكن لا يوجد أي داعم لنجاحها، لأن الرئيس الفرنسي لا يريد إغضاب بنيامين نتنياهو".
وقد رد رئيس الوزراء الإسرائيلي مؤخرا على خارطة الطريق المعلنة يوم الثلاثاء، بالقول إنه يرفض إقامة دولة فلسطينية، ويعتبرها مكافأة لحركة حماس.
وبينت الصحيفة أنه رغم هذا التعنت من دولة الاحتلال فإن قصر الإليزيه يرى أن الكرة الآن في ملعب العرب وخاصة السعودية وحاكم دولة الإمارات محمد بن زايد، الذي يعتبر أقرب حلفاء باريس في الشرق الأوسط.
واختتمت الصحيفة تقريرها بالقول إن السؤال الذي تطرحه فرنسا على الزعيمين يتمحور حول إمكانية قبول محمد بن سلمان على سبيل المثال بما هو أقل من إقامة دولة فلسطينية في مقابل التطبيع الكامل مع إسرائيل. ولكن حتى هذه اللحظة فإن ابن سلمان، ونتنياهو أيضًا، ينتظران فوز دونالد ترامب في الانتخابات الأمريكية، وعودة المرشح الجمهوري الذي يعتبر مهندس اتفاقات أبراهام، وهي عودة قد تعيد توزيع الأوراق لفائدة اندماج إسرائيل في الشرق الأوسط.