نشرت صحيفة "واشنطن بوست" مقالا، للصحفي إيشان ثارور، قال فيه إن "الغضب العالمي تفاقم هذا الأسبوع في أعقاب ضربة إسرائيلية قاتلة أخرى على
غزة".
وتابع: "أدّى القصف إلى اندلاع حريق في أجزاء من مخيم ضواحي
رفح، في أقصى جنوب القطاع، ما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 45 فلسطينيا وإصابة مئات آخرين".
وأردف: "انتشرت في أعقاب ذلك صور الجثث المتفحمة والأطفال الذين يصرخون، ما زاد من الضغوط الكبيرة بالفعل على الرئيس بايدن، لتغيير مسار دعمه القوي للحملة الإسرائيلية".
"الإنسانية المتعثرة"
بعد الضربة، كافح مسؤولو البيت الأبيض، لشرح كيف أن هجوم الاحتلال الإسرائيلي المستمر في رفح لم يتجاوز الخط الأحمر الضبابي الذي وضعه بايدن.
وقال جون كيربي، وهو المتحدث باسم البيت الأبيض للصحفيين: "ما زلنا لا نعتقد أن هناك ما يبرّر عملية برية كبيرة في رفح. ما زلنا لا نريد أن نرى الإسرائيليين، كما نقول، يقتحمون رفح بوحدات كبيرة على مساحات واسعة من الأراضي".
ومهما كانت المعايير المحيطة بـ"الوحدات الكبيرة" و"المساحات الواسعة من الأراضي"، فإن الحقيقة الصارخة هي أن دولة الاحتلال الإسرائيلي قامت بالفعل بطرد مئات الآلاف من الأشخاص الذين لجأوا إلى رفح بعد فرارهم من أجزاء أخرى من
قطاع غزة.
وأدّى استيلائها على المعبر الحدودي الرئيسي إلى مصر وإغلاقه، إلى انهيار العملية الإنسانية المتعثرة. فيما تصف وكالات الإغاثة، قطاع غزة، الذي مزّقته الحرب، بأنه لم يعد هناك مكان آمن للفلسطينيين. بينما يصر المسؤولون الإسرائيليون على أنهم لن يتوقفوا في أي وقت قريب عن سعيهم لهزيمة حركة حماس.
وقال مستشار الحرب، لرئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، تساحي هنغبي، للإذاعة المحلية، هذا الأسبوع، إن حكومته تتوقع شن عملياتها في غزة "لمدة سبعة أشهر أخرى على الأقل".. مضيفا أن "المهمة الموسعة ستكون تعزيز إنجازاتنا وما نسميه تدمير القدرات الحكومية والعسكرية لحماس والجماعات الفلسطينية المسلحة الأخرى في المنطقة".
من استفاد من ولاية ترامب الأولى؟
وفي غضون سبعة أشهر، قد ينشأ نظام سياسي مختلف إلى حد ما في واشنطن. وبحسب ما ورد، فإن نتنياهو التقى هذا الشهر، بثلاثة مبعوثين للسياسة الخارجية يعملون مع الرئيس السابق، والمرشح الرئاسي الحالي، دونالد ترامب، الذي لا يزال بإمكانه الفوز في الانتخابات، على الرغم من إدانته يوم الخميس بـ 34 تهمة جنائية تتعلق بتزوير سجلات تجارية في قضية الأموال السرية في ولاية نيويورك.
وعلى الرغم من أنه من غير الواضح كيف كان سيتعامل مع الأزمة بشكل مختلف عن بايدن، إلا أن الرئيس السابق، استشهد بالاحتكاك بين بايدن ونتنياهو، كدليل على فشل الولايات المتحدة وأعرب عن القليل من التعاطف العام مع معاناة الفلسطينيين.
وأخبر ترامب، المانحين، بأنه إذا عاد إلى البيت الأبيض، فإنه سيشن حملة صارمة على الجماعات المؤيدة للفلسطينيين في الجامعات الأمريكية، بل إنه سيقوم بترحيل الطلاب الأجانب المشاركين في هذه الاحتجاجات.
ويمكن القول إن نتنياهو، الذي استفاد بشكل كبير من ولاية ترامب الأولى، يأمل في الحصول على عائد مماثل في حالة فوزه بولاية ثانية. وفي غضون ذلك، رفض علانية آمال إدارة بايدن في أن تتولى السلطة الفلسطينية زمام المبادرة في إدارة غزة بعد الحرب، ولم يُظهر هو وحلفاؤه أي اهتمام حتى بالانخراط مع البيت الأبيض بشأن إحياء مسارات إقامة دولة فلسطينية.
وعلى عكس رغبات إدارة بايدن، فإن نتنياهو قد يتصرف قريبا بناء على دعوة من الجمهوريين لإلقاء كلمة أمام جلسة مشتركة للكونغرس.
إن الوقوف في وجه بايدن، الذي انخفضت شعبيته بين الإسرائيليين، في الأشهر الأخيرة، قد يساعد في تعزيز الدعم الذي يحتاجه نتنياهو من اليمين الإسرائيلي، وكسب التأييد بين نظرائهم في الولايات المتحدة. كما أنه يسرع في حدوث تحول أعمق في العلاقة بين الولايات المتحدة ودولة الاحتلال الإسرائيلي.
كتب زملائي هذا الأسبوع: "على مدى السنوات الـ 16 الماضية، ابتعد نتنياهو بشكل حاد عن الشراكة الثنائية مع الحزبين التي انتهجها أسلافه وقام باحتضان الجمهوريين وازدراء الديمقراطيين، وهو موقف ينعكس بشكل متزايد في نهج كل حزب تجاه إسرائيل".
وفي مقال يبحث في دور رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي في توسيع الفجوة المتزايدة، حتى مع بقاء بايدن مؤيدا قويا لدولة الاحتلال الإسرائيلي ويتعرض للانتقاد من قبل الكثيرين في اليسار الأمريكي لكونه متواطئا في مقتل عشرات الآلاف من المدنيين في غزة.
وليس نتنياهو وحده من ينتظر ترامب. والأدلة أكثر وضوحا على أن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، ينتظر انتصار ترامب، وهو ما من شأنه أن يساعد الكرملين على الأرجح في تعزيز غزواته غير القانونية للأراضي الأوكرانية.
كذلك، يتابع الصحفي، إيشان ثارور، في مقاله: "أفاد زملائي الشهر الماضي بأن ترامب ودائرته الداخلية قد حددوا شروط التسوية المحتملة بين موسكو وكييف والتي سيحاولون الوصول إليها إذا وصلوا إلى السلطة".
وأضاف: "أفادوا بأن "اقتراح ترامب يتألف من دفع أوكرانيا للتنازل عن شبه جزيرة القرم ومنطقة دونباس الحدودية لروسيا، وفقا لأشخاص ناقشوه مع ترامب أو مستشاريه وتحدثوا بشرط عدم الكشف عن هويتهم لأن تلك المحادثات كانت سرية".
ومن شأن مثل هذه الخطوة أن تؤدي إلى كسر التحالف عبر الأطلسي الذي تم بناؤه لدعم مقاومة أوكرانيا للغزو الروسي. فهو من شأنه أن يعزز ابتعاد الجمهوريين عن أمن أوروبا في وقت يتراجع فيه عزم الغرب بشأن أوكرانيا. وسيكون ذلك علامة أخرى على المودة الواضحة التي يكنها ترامب للرجل القوي في الكرملين.
وكتب زملائي: "خلال السنوات الثماني التي قضاها كحامل للواء الحزب الجمهوري، فإن ترامب قاد تحولا صارخا في التوجه السائد للحزب ليصبح أكثر ترددا في التدخل الأجنبي مثل المساعدات العسكرية لأوكرانيا. ولطالما أثنى ترامب على بوتين، وأعرب عن إعجابه بحكمه الديكتاتوري، وبذل قصارى جهده لتجنب انتقاده، وكان آخرها بعد وفاة المعارض السياسي أليكسي نافالني في السجن".
ويؤكد الصحافي: "ذكر زملائي في تقاريرهم، هذا الأسبوع، عن تزايد التوترات بين كييف والمسؤولين في إدارة بايدن، حيث تضغط أوكرانيا على حلفائها الغربيين لتخفيف القواعد المتعلقة باستخدام بعض أسلحتهم على أهداف على الأراضي الروسية. لقد ساد التشاؤم بشأن ما يمكن أن تحققه القوات الأوكرانية عسكريا هذا الصيف، مع شن روسيا هجمات جديدة".
وقال جون بولتون، وهو مسؤول الأمن القومي السابق لترامب والمنتقد الصريح الآن: "أعتقد أن أفضل ما يمكن أن نأمله حتى الانتخابات هو الوصول إلى طريق مسدود. بوتين ينتظر ترامب".
وأوضح بولتون أن فريق ترامب "يفكر في هذا الأمر بشكل منعزل، وأن هذا مجرد أمر يتعلق بأوكرانيا وروسيا، إنهم يفكرون في الأمر باعتباره نزاعا إقليميا، وليس نزاعا حول مستقبل الأمن الأوروبي بأكمله والنظام العالمي بالتالي".
من جهته، قال مستشار الرئيس باراك أوباما للأمن القومي، توم دونيلون: "إن علاقة الإعجاب التي لا يمكن تفسيرها بين الرئيس السابق ترامب وبوتين، إلى جانب عداء الأول غير المسبوق لحلف شمال الأطلسي، لا يمكن أن تمنح أوروبا أو أوكرانيا أي ثقة في تعاملاته مع روسيا".
وأضاف: "إن تعليقات ترامب التي تشجع روسيا على فعل ما تريد مع حلفائنا الأوروبيين هي من بين أكثر التصريحات إثارة للقلق والخطورة التي أدلى بها مرشح حزب كبير للرئاسة. ويمثل موقفه خطرا واضحا وقائما على الأمن الأمريكي والأوروبي".