صحافة دولية

ماذا لو كانت إيران تمتلك القنبلة النووية بالفعل؟

إيران أعادت تنشيط برنامجها النووي عقب انسحاب ترامب من الاتفاق النووي معها عام 2018- جيتي
نشرت مجلة "الأتلانتك" الأمريكية تقريرا، استعرضت فيه التهديد الذي يشكله البرنامج النووي الإيراني.

وقالت المجلة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن إيران شهدت خلال الأشهر القليلة الماضية وحدها اشتباكات مع إسرائيل وباكستان، وتحطم طائرة هليكوبتر أسفر عن مقتل الرئيس ووزير خارجيته، ولكن على الرغم من هذه الأحداث المذهلة، فإن التغييرات الأكثر أهمية في إيران غالبا ما تحدث تدريجيا، وبدرجات غير محسوسة.

وأضافت أن أحد هذه التغييرات استغرق بعض الوقت قبل أن يتم تسجيله، لكنه أصبح الآن واضحا للجميع: ففي خروج حاد عن السياسة التي استمرت لسنوات، يهدد كبار المسؤولين الإيرانيين الآن علنا ببناء واختبار قنبلة نووية.

وفي وقت سابق من هذا الشهر، قال كمال خرازي، وزير الخارجية السابق، إن طهران لديها القدرة على صنع قنبلة نووية، وإذا واجهت تهديدات وجودية، فإنها يمكن أن "تغير عقيدتها النووية".


وأضاف في مقابلة مع قناة الجزيرة العربية في 9 أيار/ مايو، إنه "عندما تهدد إسرائيل الدول الأخرى، فإيران لا يمكنها أن تجلس صامتة".

وللتأكيد على أن هذا لم يكن خطأ، كرر موقفه بعد بضعة أيام، عندما ألقى كلمة أمام مؤتمر عربي إيراني في طهران.

وذكرت المجلة أن خرازي ليس مجرد دبلوماسي قديم، فهو يرأس هيئة استشارية في مجال السياسة الخارجية ترفع تقاريرها مباشرة إلى المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي، الذي عين خرازي أيضا في مجلس تشخيص مصلحة النظام، ولم يكن ليتحدث دون مباركة خامنئي.

وبينت المجلة، أن اعتراف المسؤولين الإيرانيين علنا بإمكانية سعي إيران للحصول على سلاح نووي أمر بالغ الأهمية، ويمثل تقويضا للمحرمات السابقة.

ففي سنة 2002، كشفت وكالات الاستخبارات الغربية عن البرنامج النووي السري الإيراني. 

ولسنوات عديدة بعد ذلك، أصر قادة طهران بشكل قاطع على أنه كان جهدا مدنيا وليس له أبعاد عسكرية. بل زُعم إن خامنئي أصدر فتوى تحرم حيازة واستخدام الأسلحة النووية.

وكانت الفتوى دائما مجرد ذريعة على أي حال، وفقا للتقرير.

وأردفت المجلة، بأنه بموجب مبادئ الإسلام الشيعي، يستطيع آية الله إلغاء معظم الأحكام متى شاء، وبالتالي، لم تكن مقولة "لا نستطيع صنع قنبلة لأن لدينا فتوى" حجة مقنعة على الإطلاق، حتى من منظور ديني بحت.

وتابعت "بأن الاحتجاج المتكرر بالفتوى من قبل المسؤولين الإيرانيين جعل التفاخر باحتمال وجود قنبلة من المحرمات، وقد استمر هذا الحظر طوال السنوات الطويلة للمفاوضات النووية الإيرانية مع الولايات المتحدة وخمس دول قوية أخرى، أسفرت عن الاتفاق النووي التاريخي في سنة 2015".

وحتى بعد انسحاب ترامب من هذا الاتفاق في سنة 2018، وإعادة إيران تنشيط برنامجها، ظلت الدولة الإسلامية ملتزمة بالحظر، ولم تصدر الجمهورية مثل هذه التهديدات لفترة من الوقت.

وأشارت المجلة في تقريرها، إلى أنه على امتداد السنتين الماضيتين، بدأ المسؤولون الإيرانيون في الإدلاء بتعليقات متفرقة تلمح إلى وجود تهديد نووي. 

وفي سنة 2021، قال وزير المخابرات آنذاك محمود علوي للدول الغربية إنهم إذا دفعوا إيران لتصبح "قطة محاصرة"، فعليهم أن يتوقعوا منها أن تتصرف بهذا الشكل.

وأضاف: "إذا دفعونا إلى مثل هذه الاتجاهات، فهذا ليس خطأنا، في إشارة إلى نوايا البلاد النووية.

وقد تم تجريد هذه التلميحات في الأسابيع الأخيرة، حيث وجه العديد من المسؤولين المزيد من التهديدات المباشرة والمشابهة لتهديدات خرازي. 

وتشمل قائمة أولئك الذين تفاخروا علنا بأن إيران قادرة على تصنيع أسلحة نووية، رئيس الوحدة العسكرية المسؤولة عن حماية المنشآت النووية الإيرانية، وعالم فيزياء نووية بارز عرف بأنه لعب دورا رئيسيا في البرنامج، ورئيسا سابقا للوكالة النووية.

وتتمحور النسخة الأكثر تطرفا من هذا التفاخر في أن إيران تمتلك بالفعل أسلحة نووية ولم تختبرها بعد، بحسب المجلة.

وقد صرح عضو سابق في لجنة السياسة الخارجية بالبرلمان بهذا الادعاء في العاشر من شهر أيار/ مايو الجاري.


وفي الشهر الماضي، عندما أدت الهجمات الإسرائيلية على مبنى قنصلية إيران في دمشق إلى تبادل إطلاق النار بين البلدين، أدلى المعلقون الإيرانيون المؤيدون للنظام بتصريحات لم يكن من الممكن تصورها في الماضي. 

وقال محلل موالي للنظام، إنه إذا لم تتحرك الأمم المتحدة ضد إسرائيل، فيجب على إيران "ترك جميع المفاوضات النووية، والكشف عن ذلك الصبي الإيراني الجميل"، في إشارة واضحة إلى "الولد الصغير"، وهو نوع القنبلة الذرية التي استخدمتها الولايات المتحدة ضد هيروشيما سنة 1945.

وقال مهدي خراطيان، رئيس مركز أبحاث إيراني مؤخرا، إن "أجهزة الاستخبارات الغربية أخطأت في اعتقادها بأن إيران لن تتجه نحو تصنيع قنبلة تحت أي ظرف من الظروف". 

وتتحدث وسائل الإعلام التابعة للنظام الآن عن مبدأ "الصبر الإستراتيجي" المعروف الذي يتبناه خامنئي، باعتباره أفسح المجال أمام "الردع النشط"، وهو ما ظهر بوضوح في هجمات الشهر الماضي على "إسرائيل"، ولكن مع تكرار متعمد للغة الردع النووي.

ومن المحتمل وفق التقرير أن يناقش الخبراء ما إذا كان هذا مجرد خدعة أم تغيير فعلي في العقيدة العسكرية. 

وبينت المجلة، أن فهم الجمهورية الإسلامية كان دائما فنا وعلما، ومفتاح هذا المسعى هو التمييز بين تهديد النظام وفعله، ولكن مهما كانت النوايا الحقيقية لكبار الشخصيات في النظام، فإن التحول الخطابي مهم في حد ذاته.

ولأكثر من عشرين سنة، كانت وكالات الاستخبارات الغربية تعتقد أن إيران أوقفت برنامجها النووي في سنة 2003، ولم تتخذ أي قرار لاحق ببناء قنبلة نووية. 

وفي سنة 2018، تمكنت إسرائيل من التسلل إلى الأرشيف النووي الإيراني، وفحص الكثير من محتواه. 

ويبدو أنه لم يتم التوصل إلى نتيجة من هذا المسعى تتعارض بشكل كبير مع التقييم السابق لعملية صنع القرار في طهران. 

وأوضحت المجلة، أن المشكلة تتمحور حول الجهود النووية المدنية التي يمكن أن تكون "ذات غرض مزدوج"، ما يعني أنه حتى من دون أي عمل محدد على التسلح، فإن التقدم النووي الذي حققته إيران جعلها تقترب بشكل خطير من إنتاج قنبلة.

وبموجب اتفاق 2015، وافقت إيران على تخصيب اليورانيوم بنسبة تصل إلى 3.67 بالمئة فقط لمدة 15 سنة، وبالتالي إبقاؤه بعيدا عن المستويات العالية اللازمة للاستخدام العسكري المحتمل، وخفض مخزونها من اليورانيوم المخصب بالفعل بنسبة 98 بالمئة. 

وعندما انسحبت الولايات المتحدة من الاتفاق في سنة 2018، بدأت إيران تدريجيا في توسيع نطاق برنامجها. 

واليوم، وفقا للوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة، تمتلك إيران أكثر من 5000 كيلوغرام من اليورانيوم المخصب، بما في ذلك أكثر من 120 كيلوغراما نقية بنسبة 60 بالمئة، أي أكثر بعدة مرات من الضروري لمعظم الأغراض المدنية، وهي خطوة قصيرة جدا. 

ولا تعتبر إيران الدولة الوحيدة غير الحائزة للأسلحة النووية في العالم التي قامت بتخصيب اليورانيوم إلى هذه المستويات فحسب، بل إنها تمتلك بالفعل ما يكفي من المواد لصنع ثلاث قنابل على الأقل.

وعندما زار إيران الشهر الماضي، قال رافائيل غروسي، المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، إن البلاد على بعد أسابيع فقط، وليس أشهر، من القدرة على صنع القنابل. 

وقال إن وكالته ليس لديها صورة كاملة عن برنامج البلاد، ما يعني أنه يمكن أن يكون أكثر تقدما. 

وتم إثبات هذا التقييم في تقرير مكون من 112 صفحة أعده غروسي قبل اجتماع مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية الشهر المقبل في فيينا. 

وإذا لم تتمكن إيران من إقناع الهيئة بأنها لا تزال ملتزمة بالتزاماتها بموجب معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية، بما في ذلك منح حق الوصول الكافي لمفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، فإنها قد تواجه اللوم أو إحالتها إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، بحسب المجلة.


فهل نحن على مشارف أزمة حادة إذن؟
تقول المجلة: "على سبيل المثال، تجري إيران والولايات المتحدة منذ أشهر محادثات سرية في مسقط، حيث تركزان على القضية النووية، ولعل شيئا ما في هذا المعنى الفرعي يفسر أيضا التعازي الغريبة التي قدمتها الولايات المتحدة لوفاة الرئيس إبراهيم رئيسي، على الرغم من تورطه المعروف في جرائم ضد الإنسانية".

وكما قال مؤخرا المحلل كريم سجاد بور المقيم في واشنطن، فإن خامنئي يبلغ من العمر 85 سنة، ومن غير المرجح أن يغير استراتيجيته التي اتبعها منذ فترة طويلة. 

ويشير سجادبور إلى أنه طالما بقي خامنئي على قيد الحياة، فإن طهران لن تحاول صنع قنبلة نووية، لكنها ستستمر في اتباع "الخيار الياباني"، الذي يستلزم الوقوف على العتبة النووية دون تجاوزها. 

وربما يكون القرار الأخير لكسر المحرمات الخطابية هو محاولة للإعلان عن موقف إيران تجاه اليابان، إذ يمكن أن تأمل طهران في أن يكون وضع العتبة الخاص بها أكثر وضوحا لردع أي هجوم أمريكي أو إسرائيلي.

وسوف "يغفر لمراقبي المنطقة إذا وجدوا هذا التفسير غير مطمئن، على الرغم من معقوليته، نظرا لإيديولوجية طهران التخريبية وتعهداتها بتدمير إسرائيل"، وفقا لتقرير المجلة الأمريكية.

وشدد خامنئي على تلك التهديدات خلال جنازة رئيسي، عندما التقى بزعيم حماس إسماعيل هنية، ووعد بأن العالم سيرى "اختفاء إسرائيل" واستبدال فلسطين بها، من النهر إلى البحر.

وختمت المجلة تقريرها بالقول: "عندما يموت خامنئي، ستشهد إيران تغييرات كبيرة، وسوف تنتقل السلطة إلى آخرين، بما في ذلك على الأرجح بعض الأفراد التابعين للحرس الثوري الإسلامي. 

وأضافت: "سوف تتبع ذلك فترة صعبة، مع عواقب غير متوقعة، سواء في الرياض أو تل أبيب أو أبو ظبي أو واشنطن، لا أحد يريد أن يرى طهران المضطربة قادرة على الوصول إلى الأسلحة النووية".

وبينت: "يتعين على الولايات المتحدة وغيرها أن تظل راغبة في بذل كل ما في وسعها لتقويض برنامج إيران النووي، فلقد كان المنظر الواقعي كينيث والتز يعتقد أن إيران النووية من شأنها أن تساعد في الواقع على استقرار المنطقة، ولكن حتى حلفاء والتز الأيديولوجيين يعترفون بأنه من الأفضل عدم القيام بهذه المقامرة".