ما زال الإسرائيليون بصدد رصد أهم الآثار السلبية التي تركها العدوان على
غزة على علاقاتهم السياسية الخارجية، وآخرها ما ألحقه العدوان من ضرر كبير بالعلاقات مع
تركيا.
وكان الجانبان عملا قبل الحرب على إعادة تدفئة علاقتهما، في إطار تحرك أوسع لتحسين علاقات تركيا مع سلسلة من دول المنطقة، لكن منذ اندلاع العدوان على قطاع غزة، اتخذت أنقرة موقفا جذريا باتجاه تغيير موقفها من "تل أبيب"، وأصبحت الأصوات الصادرة منها أكثر حدة من أي وقت مضى.
السفير مايكل هراري الزميل في المعهد الإسرائيلي للسياسة الخارجية الإقليمية- ميتافيم، والمسؤول السابق بوزارة خارجية
الاحتلال، ذكر أنه "بعيدا عن الخطاب القاسي للغاية تجاه إسرائيل وحكومتها، والوقوف بجانب حماس، فقد انضمت تركيا إلى جنوب أفريقيا في موضوع محكمة العدل الدولية في لاهاي، كما قررت الحد من تصدير 54 منتجا إلى الاحتلال، وتزايدت التقارير عن الاستعدادات لمغادرة أسطول إنساني باتجاه غزة، ما يزيد من سلسلة الإجراءات التركية ضد الاحتلال".
وأضاف في مقال نشره موقع "
زمن إسرائيل" العبري، وترجمته "عربي21"، أنه "في ظاهر الأمر، لا ينبغي أن تُستقبل ردود الفعل القاسية من أنقرة بكثير من الدهشة الإسرائيلية، لأن الحساسية التركية فيما يتعلق بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني، والقرب الإيديولوجي لإدارة الرئيس رجب طيب
أردوغان من حماس، معروف جيداً في تل أبيب، لكن تخوفها يكمن في أن هذه المواقف التركية من حرب غزة ستلقي بآثارها حول القضايا الاستراتيجية، مثل التعاون بمجال الطاقة، أو المجال الأمني، لأن هذه المعضلات ستعتمد، في كل الأحوال، على تقلبات الصراع الإسرائيلي الفلسطيني".
وأشار إلى أن "القضايا المشتركة بين تل أبيب وأنقرة ستقع ضحية لأزمات الساحة الفلسطينية، مع ظهور ثلاثة عناصر مثيرة للاهتمام: أولها أن الأتراك يرون أنهم أمام أزمة غير مسبوقة على المستوى الإسرائيلي الفلسطيني، وفي المنطقة بشكل عام، خاصة في ضوء الأزمة الإنسانية الحادة للغاية بين الفلسطينيين، دفعت أردوغان لاتخاذ خطوة لم يتم القيام بها من قبل، حتى في أوقات الأزمات الصعبة، عندما قرر الإضرار بالعلاقات التجارية بين الجانبين، مع أنه في الماضي، عندما كانت العلاقة صعبة، بما فيها خفض مستوى التمثيل الدبلوماسي، ظلت علاقاتهما التجارية سليمة، بل وازدهرت".
وأوضح أن "مبرر الأتراك في الحد من العلاقات التجارية مع إسرائيل يكمن في كونها لا تسمح بإيصال المساعدات إلى غزة، رغم أن تركيا تنقل عمليا الكثير من المساعدات الإنسانية إلى القطاع، ولكن في ضوء الأزمة غير المسبوقة، فقد تمثلت وجهة النظر التركية في أن ردود الفعل لا بد أن تكون قاسية للغاية، بما فيها بدء التحضير لمبادرة إرسال أسطول بحري إلى غزة، وهي خطوة حادة، ذات إمكانات متفجرة، كما ظهر في المرة السابقة في 2010".
وأكد أن "أردوغان لم يتردد في اتهام نتنياهو بأنه لم يعد شخصا يمكن التحدث معه، لكنه أوضح أنه لا ينوي قطع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل، بل أعاد السفير التركي لديها إلى أنقرة للتشاور، وهي خطوة دبلوماسية مشتركة أثناء النزاع، ولكن في الوقت الحاضر ليس أبعد من ذلك، رغم أن مزيدا من الخطوات التركية مرهونة بالتطورات على الأرض، سواء تم إنجاز صفقة تبادل ووقف لإطلاق النار، أو تنفيذ اجتياح رفح".
وأشار إلى أنه "في كل الأحوال، ليس لإسرائيل أي مصلحة في الإضرار بمستوى العلاقات مع تركيا، رغم الخطاب القاسي والصعب، والإجراءات الأخرى المتخذة من قبلها، لكن من الأفضل إبقاء القنوات مفتوحة، بما في ذلك مع الجمهور التركي، حتى في ضوء النزاع الصعب بينهما، ورغم أن إسرائيل ليس لديها مصلحة في لعب دور مركزي لأنقرة، فمن غير المعروف ما إذا كان من الضروري القيام بذلك، ومتى يمكن استخدام القناة التركية، في ضوء علاقتها الوثيقة مع حماس وإيران".
ودعا الكاتب "الأوساط السياسية الإسرائيلية لتعقّب الزاوية الأمريكية من التوتر الإسرائيلي التركي، خاصة عقب تأجيل زيارة أردوغان إلى واشنطن التي كانت مقررة في 9 أيار /مايو، ولم يتم تحديد موعد بديل بعد، ورغم أنه ليس من الواضح سبب تأجيل الزيارة، لكننا نعلم أن العلاقة التركية الأمريكية ليست مفروشة بالورود، وآخر زيارة لأردوغان للبيت الأبيض كانت في 2019 في عهد دونالد ترامب، فيما تحتفظ إسرائيل بعلاقات وثيقة في الأروقة السياسية في الولايات المتحدة، قادرة على استغلالها، رغم العلاقة المعقدة مع إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن والحزب الديمقراطي".
وشدد على أن "تصاعد التوتر الإسرائيلي التركي سيخلق مشاكل للاحتلال، خاصة في مجال البناء حيث يتم استيراد ما يقرب من 30 بالمئة من الأسمنت من تركيا، و11 بالمائة من البلاستيك والمطاط، فيما تراجعت الصادرات التركية إلى خمس دول في المنطقة هي إسرائيل ومصر والأردن وسوريا ولبنان خلال 2023، والربع الأول من 2024، لما يقرب من أربعة مليارات دولار".
تشير هذه القراءة الإسرائيلية إلى الرغبة التركية بتحدي الاحتلال، ما سيزيد من عدم الثقة بينهما، مع أن الانتقادات الموجهة إليه فيما يتعلق بالعدوان على غزة ليست محصورة في الحكومة ودوائر حزب العدالة والتنمية فقط، بل إنها تصل إلى مختلف أوساط الرأي العام التركي، وأوساط المعارضة والأحزاب العلمانية، التي لا تتردد في إصدار نغمات قاسية وصارخة ضد الاحتلال، ما يعمل على انضمام الساحة التركية إلى عدد غير قليل من ساحات النظام الدولي التي تشكل تحديا ثقيلا للاحتلال، في ظل الأزمة الإنسانية في غزة، وكلها تشير إلى انعدام الثقة الكبير بسياسته العدوانية.