ما أن تنتهي من حصر عدد
الجامعات الأمريكية المشاركة في التظاهر والاعتصام ضد الإبادة الجماعية التي يقوم بها
الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين المحتلة٬ حتى تبدأ من جديد إذا تنضم أخرى إلى الاحتجاج.
فبعد اقتحام واعتقال عدد من الطلاب من حرم جامعة كولومبيا في نيويورك٬ تفجر الغضب الطلابي في باقي الجامعات الأمريكية٬ وتفجر معه أيضا فوبيا الإدارة الأمريكية من الطلاب٬ والتي تعاملت معهم بكل عنف وقسوة٬ وذلك بسبب رافضين لسياسة بلادهم في دعم الاحتلال في إبادته الجماعية٬ ومطالبين إدارة جامعاتهم بوقف تعاونها الأكاديمي مع الجامعات الإسرائيلية، وسحب استثماراتها في شركات تدعم احتلال الأراضي الفلسطينية.
ولم تتوقف الاعتقالات على جامعة كولومبيا فقط٬ بل شملت باقي الجامعات الأمريكية٬ ولم تقتصر الاعتقالات على الطلاب٬ بل تجاوزاتهم لتشمل أساتذة الجامعات المتضامنين مع الطلاب٬ في سابقة لم تحدث منذ عقود داخل الولايات المتحدة.
وعن أسباب الخوف مما يحدث داخل الجامعات والتعامل الوحشي من الإدارة الأمريكية٬ ترى الكاتبة والإعلامية الفلسطينية الأمريكية سمر جراح أن التظاهر المؤيد لفلسطين داخل جامعات النخبة يشكل تهديد للسياسة الأمريكية الداعمة دعما مطلقا للاحتلال.
وأكدت أن: "هذه الجامعات "العريقة" تُخرج قادة أمريكا الذين يعملون في المراكز الهامة في الحكومة والمراكز الاقتصادية والسياسية. فعندما تصل الأمور لحد اكتشاف هؤلاء الطلبة الذين كانوا سيكونون قادة المستقبل في أمريكا، طبيعة النظام وفساده السياسي٬ إذا هناك خطر على أمريكا المستقبلية".
وأضافت أن: "هذا تمرد على النظام الحالي٬ لذا تشاهدون دعوات من أعضاء في الكونغرس والاقتصاد يطالبون بإلقاء القبض على الطلبة٬ يظنون انهم بهذا يمكن أن يخمدوا هذا التمرد".
الشرارة من كولومبيا
تعد المظاهرات التي اجتاحت الجامعة تأييدا لغزة هي الأكبر في تاريخها منذ الحرب الأمريكية على فيتنام عام 1968 ٬ فبعد استدعاء الشرطة للطلاب المطالبين بوقف الحرب الإسرائيلية على قطاع
غزة، قامت إدارة الجامعة بالاستعانة بالشرطة من أجل قمع الطلاب المحتجين.
ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل وصف وزير الخارجية الأمريكي ومدير كالة المخابرات المركزية الأمريكية السابق مايك بومبيو عبر حسابه على منصة إكس قائلا: "ما يحدث في كولومبيا ليس احتجاجا: إنه غوغاء عنيف مؤيد لحماس يهددون ويهاجمون الطلاب اليهود. هذا ليس له مكان في أمريكا ولا ينبغي لكولومبيا أن تسمح بهذه المضايقات في الحرم الجامعي."
ويذكر أن الهيئة الطلابية لجامعة كولومبيا قررت بأغلبية ساحقة تمرير استفتاء يطلب من الجامعة سحب الاستثمارات من الاحتلال الإسرائيلي، وإلغاء افتتاح مركز تل أبيب العالمي، وإنهاء برنامج درجة جامعة تل أبيب المزدوجة."
كلية بارنارد التي انضم عدد من طلابها إلى اعتصام جامعة كولومبيا٬ وتم إلقاء القبض على عدد منهم كما تم طرد ثلاث طالبات من الكلية ومن السكن الجامعي٬ وكان من بينهم ابنة النائبة الأمريكية إلهان عمر٬ إسراء حرسي.
وعبرت النائبة في حسابها عبر منصة إكس عن دعمها لابنتها قائلا: "لقد قادت إسراء دائمًا بشجاعة وتعاطف، بدءًا من تنظيم مسيرة مدرسية على مستوى الولاية في الذكرى العشرين لكولومبين في سن 15 عامًا، إلى قيادة أكبر تجمع للمناخ للشباب في مبنى الكابيتول في بلادنا في سن 16 عامًا، والآن تدفع مدرستها للوقوف ضد الإبادة الجماعية".
جامعة نيويورك أيضا ردت على ما حدث في كولومبيا٬ حيث تظاهر عدد من طلاب جامعة نيويورك وقرروا الاعتصام٬ ولكن الأمر لم يدم طويلا٬ فقد اقتحمت الشرطة الأمريكية حرم الجامعة اعتقلت أكثر من 130 شخصًا٬ وأعلنت شرطة نيويورك توقيف 133 شخصًا.
جامعة ذا نيو سكول قام عدد من طلابها بإقامة اعتصام في حرمها للتضامن مع غزة٬ رغم تهديد الجامعة لهم بالطرد والإيقاف٬ كما طالب الطلاب العشرات من الطلاب بمقاطعة منتجات الاحتلال وسحب استثمارات الجامعة من شركات الاحتلال الإسرائيلي.
جامعة ييل فقد أوقفت الشرطة الأمريكية، 47 طالبا على الأقل خلال وقفات تضامن مع الفلسطينيين. وقالت جامعة ييل، في بيان، إنها طلبت مرارا وتكرارا من الطلاب المتظاهرين مغادرة ساحة الجامعة، وحذرت من احتمال توقيفهم، أو مواجهة تأديب جامعي.
جامعة كاليفورنيا في بيركلي فقد أقاموا مسيرة في حرم الجامعة تضامنا مع غزة٬ وأعلنوا الانضمام إلى الحركة الوطنية في الجامعات من أجل فلسطين حرة. كما أغلقت السلطات الأمريكية حرم جامعة كال بولي هومبولت، وهي جامعة عامة في مدينة أركاتا في ولاية كاليفورنيا، بعد أن احتل متظاهرون مؤيدون للفلسطينيين مبنى في الحرم الجامعي.
جامعة بوسطن اعتقلت الشرطة الأمريكية 100 من متظاهر من المؤيدين للقضية الفلسطينية في حرم الجامعة، وقامت الشرطة بفض اعتصامهم.
معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا اقتحمت القوات الأمريكية حرم الجامعة وقامت باعتقال الطلاب الرافضين للإبادة الجماعية والمطالبين بقطع العلاقات الأكاديمية والاستثمار مع الاحتلال الإسرائيلي.
وكان ائتلاف معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا من أجل فلسطين٬ قد أعلن أنه سيبدأ في اعتصام مفتوح تحت شعار "علماء ضد الإبادة الجماعية" وسيبقى في كريسج لاون حتى يلبي معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا مطالب الكشف عن العلاقات البحثية مع إسرائيل وقطعها، وإسقاط التهم الموجهة ضد منظمي الطلاب، والدعوة إلى وقف إطلاق النار.
من الجامعات الأخرى (
جامعة ولاية أريزونا - جامعة دنفر - جامعة إيموري - جامعة جورج واشنطن - جامعة ولاية أوهايو - جامعة تكساس في أوستن) ولايزال انضمام الجامعات الأمريكية مستمر حتى كتابة هذا التقرير.
وفي تعليقها على ما يحدث في الجامعات الأمريكية قالت الأكاديمية الفلسطينية والمديرة التأسيسية للبرنامج الأكاديمي للدراسات العربية والمسلمة في المهجر، البروفيسورة رباب عبد الهادي، والتي قامت إدارة جامعة سان فرانسسكو بإلغاء مساقها التدريسي عن فلسطين٬ قالت إن طلاب الجامعات لعبوا دورا كبيرا في إحياء حركة التضامن الواسعة الموجودة بكل أنحاء العالم، والتي تشهد تطورا نوعيا ليس فقط في التضامن مع فلسطين، ولكن مع كل الحركات الاجتماعية الشعبية للتغيير حول العالم.
وأكدت في حديثها لـ"عربي21" أن صناع القرار باتوا يخشون ما يقوم به الطلاب٬ بعد أن أدركوا صعوبة فوزهم في الانتخابات القادمة بعد كل الاحتجاجات والتظاهرات التي خرجت ضدهم، رفضا للسياسات المؤيدة والداعمة للاحتلال".
النضال العابر للقارات
ورغم خروج مظاهرات في عدد من المدن الأوروبية منذ بداية العدوان الإسرائيلي على غزة٬ إلا أن الجامعات الأوروبية كانت في معزل عن هذه المشاركة٬ ولكن ما حدث في الجامعات الأمريكية من فض للاعتصامات واعتقال وتضييق على الطلاب٬ دفع بعدد من الجامعات الأوروبية للقيام بتظاهرات مماثلة.
بحسب بيانات موقع "منظمة النزاع المسلح ومشروع بيانات الأحداث "التي تتبع النشاطات السياسية من حول العالم. فمنذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي وحتى منتصف نيسان/ أبريل الحالي، شهدت الدول الأوروبية أكثر من 3100 مظاهرة ترتبط بالحرب في غزة، وفي الولايات المتحدة خلال الفترة ذاتها كان عدد التظاهرات والأنشطة 2700 تظاهرة ووقفة.
في حين استمرت المواجهات بين المتظاهرين والشرطة في الجامعات الأمريكية، بقيت المواجهات في حرم الجامعات الأوروبية محدودة. يرجع محللون الفارق في الاحتجاجات بين القارتين إلى اختلاف ثقافات الاحتجاج، بالإضافة إلى القوانين التي تنظم حرية التعبير ولوائح الجامعات، وسلوكيات أجهزة الأمن.
من أمام معهد الدراسات السياسية بالعاصمة الفرنسية باريس، قام عدد من الطلاب بالتظاهر والاعتصام في مبنى الجامعة منذ الخميس الماضي٬ وردد المتظاهرون هتافات داعمة للفلسطينيين ورفعوا الأعلام الفلسطينية على النوافذ وفوق مدخل المبنى. ووضع عدد منهم الكوفية الفلسطينية. وطالب المحتجون إدارة الجامعة بإدانة الإبادة الجماعية التي يقوم بها الاحتلال.
وتدعو "لجنة فلسطين" إلى إدانة واضحة من قبل إدارة الجامعة لممارسات إسرائيل وإنهاء التعاون مع كل المؤسسات أو الكيانات التي تُعتبر ضالعة في قمع الشعب الفلسطيني.
أما في العاصمة الألمانية برلين فبدأت الشرطة بإزالة خيام المعتصمين المؤيدين للفلسطينيين والذي أقاموه خارج مبنى البرلمان لمطالبة الحكومة بوقف صادرات الأسلحة إلى الاحتلال٬ وإنهاء ما يقولون إنه تجريم لحركة التضامن مع الفلسطينيين.
وأزالت الشرطة الخيام وأبعدت المتظاهرين بالقوة وأغلقت المنطقة المحيطة لمنع وصول محتجين آخرين.
وفي بريطانيا التي تنظم كل يوم سبت مظاهرة كبيرة تجوب شوارع لندن. يري محللون أن أحد أسباب انخفاض الاحتجاجات داخل الجامعات في بريطانيا هي أن كافة أطياف الشعب بما فيهم شباب الجامعات يشاركون في التظاهرات الأسبوعية.