يستمر الاحتلال الإسرائيلي بالتهديد والتلويح بتنفيذ عملية برّية، في محافظة
رفح، جنوب قطاع
غزة المحاصر، وهي المنطقة التي تضم أكبر عدد من النازحين، منذ انطلاق حرب الإبادة المستمرة في شهرها السابع على التوالي، إلاّ من أيام هدنة تكاد تكون معدودة على أصابع اليد الواحدة.
وأكملت حرب الاحتلال الإسرائيلي الشّرسة المائتي يوم، وسط استمرار تضييق كافة خيارات النجاة والأمان للفلسطينيين المحاصرين، بين القصف والاجتياح وانعدام المنظومة الصحية.
ورصدت "عربي21" أحوال الفلسطينيين، والخيارات المطروحة أمامهم، في ظل الاستمرار بالتهديد لاجتياح رفح، الذي بات خيارهم الأخير للبحث عن بصيص الأمان.
"هَيْنا قاعدين"
يقول أبو محمد (60 عاما) إنه لن يتحرك من مدينة رفح إلا في حال خروج الناس كلها ووجود خطر حقيقي وليس مجرد تهديدات، مضيفا أن "اليهود الملاعين بهددوا برفح دايما علشان يضغطوا في المفاوضات".
ويضيف أبو محمد في حديثه لـ"عربي21": "تعبنا كثيرا، لغاية ما قدرنا نؤسس حياة، ولو بسيطة ومتواضعة ومليانة تعب هنا.. أروح أنزح على مكان تاني ومش على بيتي علشان أبدأ من تحت الصفر! لا هينا قاعدين لغاية ما ربنا يفرجها".
ويوضح أنه "مش بسيط إنه تجهز أغراضك الأساسية من الصفر، بدون مصدر دخل وفرصة عمل، ومجرد إنك تقدر توفر أسطوانة غاز صغيرة للطهي أمر صعب ومكلف، وكل هذا علشان نتجنب توليع النار والحطب والخنقة، حتى الحطب والخشب صار سعره غالي".
ويقول: "أنا مش صرت أحب النزوح، بس زهقت وأنا بتحرك من مكان لمكان، لهيك أنا مش متحرك إلا لو لقيت كل الناس تحركت ونزحت، وإن شاء الله لما أتحرك المرة الجاية تكون على بيتي بس".
"تركت خلفي كل شيء"
بدوره، يكشف أبو ناهض (58 عاما) أنه تحرك من رفح باتجاه منطقة مخيمات جديدة للنازحين في المنطقة الوسطى، موضحا: "قررت أعمل هيك علشان أطلع براحتي قبل الزحمة والعجلة، وقبل ما نطلع مستعجلين بسبب القصف والاجتياح المحتمل" .
ويقول أبو ناهض لـ"عربي21": "قبل هيك كنا في منطقة الصناعة في خانيونس وتركت خلفي كل شيء، مع قرار الإخلاء واشتداد القصف، ما بدي أغلط هذا الغلط تاني، معي وقت ألم كل أغراضي وعفشي بسيارة نقل، وهيك رح أعمل والأمان بوجه ربنا".
"النزوح مش هرب"
من ناحيته، يقول أبو حسن (54 عاما) إنه سينزح من رفح حال أعلن الاحتلال عن عملية برية فيها، مضيفا: "أنا من سكان شرق رفح، وهي من الأماكن الأولى التي من المتوقع اجتياحها نظرا لقربها من الحدود".
ويوضح أبو حسن في حديثه لـ"عربي21": "النزوح مش هرب ولا خوف، إنما بقاء في
قطاع غزة حتى آخر نفس، ربنا بقول لنا نحافظ على أنفسنا، ومجرد بقائنا على هذه الأرض يعتبر مقاومة وصمود".
بدورها، تقول شهد (23 عاما) إنها بالأصل من غزة ونزحت مع عائلتها إلى مدينة دير البلح، وسط قطاع غزة، موضحة أن "أهلي لسة مش عارفين إيش يعملوا، يضلوا في الدير ولا يتحركوا تجاه النصيرات أو الزوايدة (مناطق في وسط القطاع أيضا)".
وتضيف شهد لـ"عربي21": "دير البلح ورفح ما صار فيهم عمليات كبيرة مثل ما صار في مناطق أخرى وبخاصة شمال غزة، لهيك هي بنظر الناس مناطق مهددة ودخولها مسألة وقت، لهيك الناس بتحاول تسبق الوقت وتدبر اللي بتقدر عليه من أمورها لتجنب الصعوبات اللي مروا فيها خلال فترات النزوح السابقة".
وتكشف أنه "طبعا إحنا مش ضامنين اليهود ولا ذرة، مجهزين أهم أغراضنا في شنط، حتى نحملها سريعا حال اضطررنا للنزوح، والفكرة مش إنه الأماكن اللي دخلها الجيش سابقا صارت آمنة، مهو دخل مستشفى الشفاء قبل هيك، ورجع لها وخرّب الدنيا وقتل الآلاف".
وتضيف: "مش معنى إنه دخل منطقة يعني مش رح يرجع لها، ومش معنى إنه ما دخل مكان إنه رح يدخلها حتما، ليش احنا بنتوقع من الاحتلال يكون منصف بالقتل والتدمير؟".
من ناحيته، يقول محمود (34 عاما) إن حدثت عملية رفح فإنها تعني بالنسبة للناس اقتراب انتهاء الحرب وعودة النازحين، كاشفا أنه "هيك بينك وبين حالك أو حتى داخل دائرتك الضيقة بنحكي يا رب يدخلوا رفح ونخلص ويرجعوا أهلنا من الجنوب".
ويضيف محمود في حديثه لـ"عربي21": "طبعا أعوذ بالله ما بنتمنى لأحد الدمار أو الحرب، لكن الواحد هيك بقول بسبب قديش هو تعب من هذه الحرب الطويلة".
تجدر الإشارة، إلى أن وزارة الصحة الفلسطينية في غزة، الثلاثاء، أعلنت عن ارتفاع حصيلة الشهداء في قطاع غزة إلى 34,183 غالبيتهم من النساء والأطفال، وذلك منذ بدء العدوان على القطاع في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي.
وأوضح بيان للوزارة، أنه خلال الـ24 ساعة حتى صباح الثلاثاء، أسفرت حصيلة الضحايا عن 32 شهيدا و59 مصابا وفق ما وصل إلى المستشفيات، مشيرا إلى أن "عدد المصابين الإجمالي ارتفع إلى 77,143 جريحا جراء الحرب الضارية في يومها الـ200 في قطاع غزة".
وأردفت الوزارة بأن الاحتلال الإسرائيلي ارتكب ثلاث مجازر ضد العائلات في قطاع غزة، وصل منها إلى المستشفيات 32 شهيدا و59 مصابا خلال الـ24 ساعة الماضية.
ويشن جيش الاحتلال منذ فجر الثلاثاء، قصفا عنيفا على مناطق متفرقة في قطاع غزة بالتزامن مع توغل آلياته في بلدة بيت حانون، فيما أطلقت فصائل المقاومة الفلسطينية رشقة صاروخية من شمال القطاع باتجاه المستوطنات الإسرائيلية.