الفصل
بين
السياسة والعمل في السياسة مهم، ومجرد عمل الفرد -بغض النظر عن كفاءته وثقافته-
في السياسة لا يعني أنه سياسي؛ لأن تصوره أنه أضحى سياسيا سيجعله يتخذ قرارات مضرة
بمستقبله، وسيؤثر بشكل أو آخر على مجتمعه، لذا سنضع محاور لهذا الموضوع.
(1) من هو السياسي
وكيف يفكر؟ (2) السياسة الدولية وعلاقتها بالسياسة الداخلية القرار السياسي، (3) طريق
التفكير السياسي.
1- السياسي هو دواء لواقعه وليس
قاضيا أو مدعيا عاما على مواطنيه، تطوع للعمل مهما كانت دوافعه؛ فهي مشروعة إلا
خيانة الأمانة بكل ما تعنيه من تفاصيل واسعة ودقيقة. وعندما يتحدث السياسي كقاض في
لوم الجمهور معزيا فشله لسلوكهم فهو ليس سياسيا، بل هو هاوٍ مندفع لمصلحة لا علاقة
للجمهور بها إن لم تك مؤذية، ففشله في إقناع الجمهور يستدعي المراجعة والتخطيط
والدراسة، وليس اعتبار الصواب عنده والجمهور لا يعرف الصواب. هذه وحدها تدل أن إقصاءه
يعني أن الجمهور يعرف الصواب.
الأنا العمياء التي تصور للعاملين
في السياسة امتلاك الحقيقة، أو أن الجمهور لا بد أن يكون جميعه مؤيدا لهم على
الصواب والخطأ، وأن لا غيرهم قادر على إدارة البلد؛ هذا النوع لا يجيد الإدارة كما
لا يجيد السياسة.
السياسي هو دواء لواقعه وليس قاضيا أو مدعيا عاما على مواطنيه، تطوع للعمل مهما كانت دوافعه؛ فهي مشروعة إلا خيانة الأمانة بكل ما تعنيه من تفاصيل واسعة ودقيقة. وعندما يتحدث السياسي كقاض في لوم الجمهور معزيا فشله لسلوكهم فهو ليس سياسيا، بل هو هاوٍ مندفع لمصلحة لا علاقة للجمهور بها إن لم تك مؤذية، ففشله في إقناع الجمهور يستدعي المراجعة والتخطيط والدراسة، وليس اعتبار الصواب عنده والجمهور لا يعرف الصواب.
التخطيط
مهم والتغيير لا يأتي اعتباطا، وإنما بالتخطيط (العزم) والتنفيذ المبرمج (الإرادة).
وليس للأمنيات والرغبات تصور عن النتيجة وإن حصلت صدفة، أو لخلو الساحة السياسية
فلا أمنيات. قد تنجح تكتيكيا في مفاصل عدة، لكنك في خمرة الإحساس بالتمكين، لا ترى
غبار العاصفة التي ستقلع ما بنيت؛ لأنك نجحت تكتيكيا لكونك ضمن استراتيجية من يخطط
فعلا ليحكم. وليس الوصول هدفه فحسب، بل استخدام
طاقاتك ومساحة إمكانياتك في مخططه، فلطالما تشجع الدول المحتلة الانقسامات وتوازن
مراكز القوى ضمن أهدافها، فلا تحمل وزر الدماء والفساد والتدهور الاقتصادي؛ لا لأنها
غافلة أو عاجزة، وإنما هي تريد أن يصل هذا البلد إلى درجة من التفكك والهدم بحيث يمكن
أن يقبل أي بناء تخطط له. ويفاخر المستخدم الوسيط بقوته، وهذا سيبرر دوليا لاستخدام
القوة عند الحاجة، بل إبادته عند وصوله إلى الخط النهائي لاستخدامه، فيجري تنظيف الساحة
للمرحلة الأخرى.
فمن
وجد نفسه في هذا الموضع فليحاول إصلاح ما أفسد؛ لأنه لن يجد من يحزن عليه، فالقوى
العظمى صفرية أمام عدوها وإن لم تبدُ صفرية، والقوى الضعيفة تبحث عن التنافسية لإيجاد
محل، فإن ظهر خلاف ذلك فهو خلل، لكن يصدقه من استثيرت غرائزه في السيادة والتملك
فتوقفت منظومته العقلية عن إدراك الصواب.
حالنا
هو هذا التفاخر والتباهي، وليس حسابا علميا للخسائر ومدى تقدمنا نحو الغايات والأهداف
ودرجاتها، وبذلك نكون ضحايا ونزعم البطولة، فلا نتذمر إن وجدنا العالم ضدنا، ولا يرى
ظلما نحن أول من أنكره بصوتنا العالي.
يأتي
هذا من خلل التفكير المؤدلج الذي لا ينظر بواقعية؛ لأن الجهاز المعرفي يعتمد
البطولات بمفهوم ما ليس بالضرورة مناسبا لواقعنا، وإنما يتبع النصوص المرنة التي يزعم
أنها تنطبق عليه وهو ليس كذلك، كأن يقول؛ إن الله سينصر المؤمنين وهو لا يرى أنه
ليس ضمن مواصفات أولئك المؤمنين في الوعد؛ لأنه لو كان منهم لتحققت أسباب الانتصار
في تخطيطه وسلوكه وتصرفاته وعقليته ونفسيته، وليس بافتراضه الوهمي لتوصيف نفسه وهو
يعدم العدالة بسلوكه ويمثل الظلم، أو يتوقع معجزة على فرضية فرضها لنفسه.
السياسي ينبغي أن يتدرب ويدرس الجغرافيا السياسية والاستراتيجية، وأن يعلم مواطن الضعف في ذاته والعمل كفريق، فالتدريب مهم ومعرفة سير السياسيين ليس كسرديات، وإنما كخلاصات ومادة تفكير في ورشات تفكير سياسي، ويتعلم أن لا تغلبه الأيديولوجيا.
أما
التفكير العلمي، فهو العقل قبل التوكل، وهو الدراسة والتخطيط، والنظرة لواقع الحال
والمتاح، ووضع الأهداف المتتابعة نحو الغايات، ولا شيء مرتجل أو يعتمد على الأمل
بالنجاح، فإن كنت محتلا مهزوما مدمرا لا تملك حقيقة ما يواجه به أعداؤك، فإظهار أنك
بطل هو لإرضاء نفسك، وإظهار كأن ما تحدثه من خسائر تبريرا لعدوك بقتلك، ومشاهدة الأمم
ذلك لأنها ستتصورك المعتدي وهو المظلوم، وأنت خطر على نفسك لتتولى أمرها، فأنت تعمل
ضمن استراتيجية العدو وأنت لا تدري.
تدريب
السياسي:
السياسي
ينبغي أن يتدرب ويدرس الجغرافيا السياسية والاستراتيجية، وأن يعلم مواطن
الضعف في
ذاته والعمل كفريق، فالتدريب مهم ومعرفة سير السياسيين ليس كسرديات، وإنما كخلاصات
ومادة تفكير في ورشات تفكير سياسي، ويتعلم أن لا تغلبه الأيديولوجيا، وإنما ينظر
إلى الحالات من خلال عوامل ثبات الكرسي (لاحظ الجزء الثاني)، وكذلك إزالة سلبيات
الجهاز المعرفي والتربية المعتمدة على المبالغة، وإيهام الذات بما لا وجود له حقيقة، فيكون تفكيره خارج الواقع وهذا من الكوارث، أو يقدم من لا فكرة له عن بناء الدولة، وإنما يسلك الأساليب فوق الدستورية. فهذا ينبغي ترويضه بالتدريب وملء الفراغات
بالفكر السياسي بدل الوهم، أو تتمكن غريزة حب السيادة، عندها يصبح الحديث عن القيم
والتوجهات من مظاهر الفشل؛ لأن هذا العامل في السياسة قد يسلك ما ينكره ليشبع
غريزته في
السلطة، وهو لم يتدرب جيدا على أهداف حقيقية وواقعية أو جادة، وإلا
لجعلها تسير على الأرض. وهذه الحالة بالذات مضرة للمجتمع، وتحبط في عملية التطور
المدني على مسارات متعددة..