نشرت صحيفة "
لكسبرس" الفرنسية تقريرا، تحدثت فيه عن بعض الشركات التي استغلت الثغرات المتعلقة بالعقوبات للمحافظة على علاقاتها التجارية مع
روسيا، رغم المخاطر السياسية والاقتصادية.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"؛ إن هذه القائمة تضم عشر شركات قارية كبيرة يُشتبه في أنها تستخدم متاهة فروعها الآسيوية للتحايل على
العقوبات الاقتصادية المفروضة على روسيا.
وفي الثالث عشر من شباط/ فبراير الجاري، وفي قاعة اجتماعات سرية في بيرلايمونت، مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل، كانت الأجواء متوترة، حيث جمعت ميريد ماكغينيس، مفوضة الخدمات المالية بالاتحاد الأوروبي، جميع ممثلي الدول الأعضاء الـ 27 المسؤولين عن مراقبة وتنفيذ التدابير الانتقامية التي تم اتخاذها ضد نظام فلاديمير بوتين. وهذه هي المرة الرابعة منذ بداية الحرب في أوكرانيا التي تجتمع فيها هذه المجموعة من الدبلوماسيين وكبار المسؤولين.
وذكرت الصحيفة أنه تم إعداد قائمة سوداء للشركات الأوروبية المتورطة، وعلى مدى أسابيع، كان محققو المفوضية الأوروبية يقومون بتمشيط البيانات الجمركية الروسية وتفكيك الرموز المخصصة لكل منتج، ويقال؛ إن ما يعادل عشرة مليارات يورو من المنتجات التي يُحظر تجارتها مع موسكو قد عبرت الحدود الروسية قادمة من آسيا.
في الأثناء، لن يتم الكشف عن القائمة للعموم ومن السابق لأوانه الحديث عن شكوك مثبتة، ففي نهاية المطاف، يمكن أن يتعلق الأمر بعمليات تسليم تتوافق مع طوابير العقود، أو أخطاء في الترميز، أو عمليات سهو بسيطة، أو محاولات واضحة للتحايل على العقوبات. الأمر الآن متروك للجمارك الفرنسية للتحقيق في ذلك. وإذا ثبتت شبهات
التحايل، فإن الشركة المتورّطة ستتعرض للإجراءات القانونية.
وعلى مدى السنتين الماضيتين، وفي ظل العديد من العقوبات، تم اتباع عدة مسارات، ولم يحصل أي منهم على نتيجة في المحكمة.
وأضافت الصحيفة أنه منذ آذار/ مارس 2022، أقرّ الاتحاد الأوروبي 12 حزمة من العقوبات، لينضم في معظم الحالات إلى تلك التي اتخذتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأستراليا واليابان وحتى كوريا الجنوبية. وقد تم التصويت على الحزمة الثالثة عشرة يوم الأربعاء الموافق لـ 21 شباط/ فبراير، قبل أيام قليلة من الذكرى السنوية الثانية للغزو الروسي لأوكرانيا.
واليوم، هناك ما يقارب 18 ألف إجراء ينظم بدقة تجارة الآلاف من السلع أو القطاعات أو الأفراد أو الشركات. على ضوء ذلك، يؤكد ألكسندر سيلسي، المحامي المتخصص في القضايا الجمركية: "لم نصل إلى هذا الحد من قبل. روسيا الآن في وضع "أفضل" من إيران أو كوبا... ومع ذلك، فإن الاقتصاد الروسي لم ينهر.
وفي حين ارتفع النمو إلى 3 بالمئة السنة الماضية، فمن المتوقع أن يصل إلى 2.6 بالمئة هذا العام، وذلك وفقا لأحدث توقعات صندوق النقد الدولي. لم يتوقع الأوروبيون هذه المقاومة، حيث جعلت المتشائمين وكل أصحاب الأجندة الموالية لروسيا، يقولون إن العقوبات ليست أكثر من حبر على ورق.
العبور عبر دول ثالثة.. تصريحات جمركية كاذبة
حسب عضو البرلمان الأوروبي ناتالي لوازو "عندما نرى عدد الحملات التي تقوم بها روسيا على مواقع التواصل الاجتماعي لإقناع الغربيين بعدم فعالية العقوبات، وأنها تؤثر بشكل خاص على الأوروبيين، فإننا ندرك إلى أي مدى يعد هذا الموضوع حاسما بالفعل بالنسبة لموسكو".
وأضافت: "انخفضت الإيرادات الروسية بنسبة 30 بالمئة مع انخفاض صادرات النفط. أما بالنسبة لمشتريات المنتجات التكنولوجية، فقد انخفضت بنسبة 40 بالمئة. وكذلك أشباه الموصلات، والبطاقات الذكية، والبصريّات والكثير من التقنيات التي حظر الغربيون تسليمها منذ بداية الغزو، وهي مشكلة شائكة بالنسبة للدولة الروسية التي لا تملك القدرات الصناعية اللازمة لتجديد مخزونها. بالإضافة إلى ذلك، تضرر المجمع الصناعي العسكري بشدة، وكذلك الطيران".
وبطبيعة الحال، بحثت موسكو بسرعة عن طرق للتحايل على هذه العقوبات. وفي هذا المجال، يجب أن نعترف بأن الروس يتمتعون بموهبة معينة. يتذكر الكاتب إيجور جران قائلا: "طوال الحقبة السوفييتية، وعلى الرغم من الستار الحديدي، فقد عمِلوا بإبداع لإنشاء دوائر موازية والحصول على السلع الأجنبية.
لقد نشؤوا مع فن الحيلة هذا. إنه يخدمهم اليوم. وسواء من خلال دول ثالثة، أو إقرارات جمركية مزيفة، كل الطرق تؤدي إلى موسكو.
بالنسبة للغربيين، فإن الموضوع أكثر تعقيدا حيث يتم استخدام تقنيات معينة، المعروفة باسم التقنيات المزدوجة، وهي تستخدم لكل من التطبيقات المدنية والعسكرية على حد سواء، مثل الدوائر المتكاملة الموجودة في الغسالات، وكذلك في الرؤوس الحربية للصواريخ".
باختصار، تستخدم روسيا نظاما "مساميا"، وتشير التقديرات إلى أن ما قيمته 2.6 مليار يورو من المكونات المصنعة في الغرب، التي من المرجح أن تستخدم لأغراض عسكرية، دخلت إلى روسيا السنة الماضية. وقال أندريه بوزنياك، خبير العقوبات في الوكالة الوطنية لمكافحة الفساد؛ إنه "عُثر على ما يقارب 3000 مكون أجنبي في أوكرانيا في الأسلحة الروسية والإيرانية".
الدور التركي الجديد
أشارت الصحيفة إلى وجود قائمة أخرى صادرة عن المفوضية الأوروبية يعود تاريخها إلى 14 أيلول/ سبتمبر، وحصلت عليها صحيفة "لكسبرس"، توضح حجم الظاهرة: بالنسبة لحوالي 120 نوعا من المنتجات، ارتفعت الواردات الروسية من آسيا الوسطى وتركيا وصربيا وتايلاند وفيتنام بنسبة تزيد عن 100 بالمئة خلال الأشهر الاثني عشر الماضية. ومن المؤكد أن جزءا من هذه الشحنات توضح إعادة توجيه المشتريات الروسية.
منذ بداية الحرب، وجدت تركيا التي تعرف بمهارة كيف تتعامل مع الوضع، دورا جديدا لنفسها في خريطة التجارة العالمية: المتمثل في منصة إعادة الشحن. ظهرت في إسطنبول وأنقرة مئات "الشركات العازلة" في الأشهر الأخيرة. ويقدر اتحاد الغرف وبورصة السلع التركية، عدد شركات التجارة بالجملة التي أنشأها رجال الأعمال الروس بين شبط/ فبراير 2022 وفي صيف سنة 2023 بنحو 2000 شركة.
علاوة على ذلك، يشجع الكرملين هذه التجارة الموازية بقوة، حتى لو دفع الثمن باهظا. وقد ارتفع متوسط سعر الصادرات التركية إلى روسيا بنسبة 80 بالمئة خلال السنتين الماضيتين، وذلك وفقا لحسابات أغاثا ديسماري، الخبيرة الاقتصادية في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية.
ومن المؤكد أنه مع تزايد حزم العقوبات، اضطرت الشركات الغربية إلى التحقق من نوايا عملائها. في المقابل، في حالة الصلب على سبيل المثال، الذي كانت روسيا تاريخيا من كبار منتجيه، أصبح المشترون الأوروبيون مطالبين الآن بالتحقق من أن مشترياتهم لا تحتوي على أدنى جرام من الفولاذ الروسي، حتى لو كانت قادمة من دول ثالثة. ومع ذلك، هناك دائما ثغرات في النظام.
لعبة القط والفأر
تعرف كاترينا زابرودكينا، وهي مستشارة روسية متخصصة في صناعة السيارات، عيوب النظام جيدا. فهي تقدر أنه تم بيع ما يقارب 114 ألف سيارة جديدة من علامات تجارية غربية أو كورية أو يابانية السنة الماضية في روسيا، أو ما يقارب 13 بالمئة من إجمالي التسجيلات. لكن كيف دخلت؟
ويبيع الموزّعون عديمو الضمير سيارات جديدة للمستوردين الكازاخستانيين الذين ينقلونها إلى قيرغيزستان حيث يتم تسجيلها، ويتم تخفيض قيمتها لتقليل الرسوم الجمركية. ويتم بعد ذلك شحن السيارات إلى روسيا، حيث يكون كلا البلدين جزءا من نفس منطقة التجارة الحرة. وحسب زابرودكينا، فإن "كل منتج له طريق تجاري خاص به. أيا كان ما تريده، فسوف يظل العمل تجاريا دائما. وطالما أن هناك طلبا، سيكون هناك عرض".
ويبدو أن المشرّعين الغربيين يعملون على اكتشاف الثغرات وملئها، إنها بمنزلة لعبة القط والفأر. ومن جانبها، تقترح ناتالي لوازو أنه "قبل كل شيء، ينبغي إنشاء وكالة دولية للتحقق من العقوبات لأن كل دولة عضو تفعل ذلك بطريقتها الخاصة". أما فيما يتعلق بتعزيز الترسانة، فيعتقد كثيرون أنه يمكن أن نذهب أبعد من ذلك في فرض العقوبات على الهيدروكربونات الروسية. ومن عجيب المفارقات أنه حتى بعد أن أغلِقت صنابير خطوط أنابيب الغاز الأوروبية، فإن الغاز الروسي مازال يصل إلى أوروبا عن طريق السفن، في هيئة غاز طبيعي مسال.
ووفقا للنتائج التي أصدرها معهد الطاقة والتحليل المالي، وهو مركز أبحاث أمريكي، كانت فرنسا في الفترة ما بين كانون الثاني/ يناير إلى أيلول/سبتمبر 2023، ثاني أكبر مستورد للغاز الطبيعي المسال الروسي، بعد إسبانيا وقبل بلجيكا. وهي تجارة تمت حتى الآن بشكل قانوني تماما.