مسرحية "حدث
في أكتوبر" التي أنتجها وقدّمها المسرح القومي
المصري في عام 1973؛
من إخراج الراحل الكبير كرم مطاوع، وتأليف إسماعيل العادلي، وأشعار سيد حجاب وألحان
أحمد متولي، ومن بطولة محمود ياسين وسهير المرشدي مع شفيق نور الدين وأشرف عبد الغفور
وأحمد الناغي ومحمود حجازي ونبيل الدسوقي وآخرين.
كانت من وحي المعركة،
وتعبيرا حيا آنذاك عن مقدرة الفنان المسرحي المصري على التفاعل الإيجابي العميق مع
النصر، وذلك عبر الارتجال المنظم، فهي ارتجالية المعركة كما أسماها كرم مطاوع، وهي
التدريب أو التمرين المستمر على النصر، عبر تأكيد جوهر مصر.
وفكرة المسرحية الأساسية
تقوم على فرقة مسرحية تجتمع بعد بدء الحرب لتسأل نفسها: ماذا تفعل وما دور الفنان الآن؟! فيظهر الممثلون بشخصياتهم
الحقيقية، يبحثون عن دور لهم في المعركة، واستعدادهم للتضحية بأرواحهم من أجل مصر،
ويتفق الجميع على أن الفكرة هي التي تقف وراء الفعل، وأنه في البدء كانت الكلمة.
الفكرة ليست فقط
اعرف عدوك، ولكن اعرف نفسك، هكذا يطرحها شفيق نور الدين على الفرقة، ليكون السؤال المبكر
في قلب المعركة عن جوهر مصر، فتأتي الإجابة بأنها مصر الحضارة والسلام، وفي هذا المعنى
يستعيد العادلي مع مطاوع من عالم عبد الرحمن الشرقاوي حديثه عن الكلمة: مفتاح الجنة
في كلمة ودخول النار على كلمة.
يتأمل العمل جوهر
مصر عبر استعادة مشاهد رئيسة من مسرحية إيزيس لتوفيق الحكيم للسؤال عن الذات المصرية،
فجوهر الشخصية المصرية تعبر عنه الأسطورة المصرية القديمة في أوزوريس المصري، العاشق
للزرع والخصوبة والنماء، المحب للإنسان والحياة، المؤمن بأن العالم ملك للإنسانية كلها،
ملك للبشر جميعهم، أما "ست" الشرير القاتل، فلا تمكن مواجهته فقط بالحضارة
والمحبة، فالقيم النبيلة تحتاج لسلاح يحميها، ولذلك تنجب إيزيس (التي تمثلها سهير المرشدي)
حورس الابن، بعد قتل ست الشرير لأخيه في الإنسانية أوزوريس عبر الخديعة والحقد؛ سعيا
للسيطرة على الأرض والنهر والناس، ولذلك تعلم إيزيس حورس (الذي يؤدي دوره أشرف عبد
الغفور)، أن يمسك في يده سيفا، وأن يسعى للثأر من قاتل أبيه، وهو ثأر حضاري؛ لأنه ليس
ثأر فرد بل ثأر وطن بأكمله.
والمسرحية آنذاك تقدم
رسائل مسرحية مهمة عن الحضارة والكلمة والحرب، كما أنها لا تزال في تصنيفها في إطار
المسرح الحديث المعتمد على تلقائية منضبطة للارتجال، والمتخلص من ثقل المناظر التقليدية
لفضاء حر يتنفس مع المبدعين الكبار فنا وخيالا وصدقا.
ومن وجهة نظر المسرحية،
فالبطل فيها هو الشعب المصري، وتؤكد إيزيس لحورس أنه لا يجب أن يكون وحده؛ لأن انتصاره
مشروط بمقدرته على توحيد الجماعة كلها معه، فالجماعة المصرية كما عبرت عنها أشعار سيد حجاب تتلخص في أن مصر تحت الشمس في
أشرف مكان؛ لأن الحرب قاسية حتى مع الانتصار عند أصحاب الحضارة، أبناء أوزوريس الحي
الذي من أجل السلام جاء، ومن أجل الحياة مات، فهو يبعث في حورس المنتصر من جديد، ولذلك
وفي قراءة للمستقبل آنذاك، وفي تعبير عن الحاضر المعاش الآن، تشرح أشعار حجاب البسيطة
السهلة الممتعة، القادرة على التعبير عن الأفكار المهمة بسهولة ويسر، جوهر مصر.