ظلت المواقف العربية من العدوان الإسرائيلي على
غزة تأخذ منحى الإدانة الإعلامية دون تضمينها بعمل حقيقي على الأرض سواء لوقف العدوان أو اتخاذ إجراءات تخفف من الحصار المفروض على غزة.
منذ اليوم الأول للعدوان كان الموقف العربي هشا بشكل عام، إذ اكتفى بالتنديد والدعوة للتهدئة، وشذت عن ذلك بعض الدول التي أدانت المقاومة صراحة مثل الإمارات.
ومع استمرار العدوان بدأ شيئا فشيئا تتكشف حقيقة دور بعض الدول العربية في العدوان، رغم نفيها المتكرر المشاركة فيه أو حتى دعم دولة
الاحتلال.
وامتدت سلسلة الفضائح من تسريبات تحدثت عن طلب عربي من الاحتلال تدمير المقاومة، حتى الجسر البري الذي يمد "إسرائيل" بما تحتاج وليس انتهاء بمشاركة النظام
المصري بحصار غزة.
"تدمير حماس"
أواخر تشرين الأول/أكتوبر الماضي صرح عضو المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية "حماس"، موسى أبو مرزوق، علانية بحقيقة مواقف بعض الزعماء العرب والسلطة الفلسطينية، من حماس والعدوان على غزة.
وقال أبو مرزوق، خلال استضافته في قناة "الجزيرة" إن قيادات عربية طالبت الغرب بتدمير حركة حماس والخلاص منها، مبينا "أن قادة عربا قالوا للدول الغربية اقتلوهم هذا فضلا عن وصول قذائف تقصف بها المقاومة تنطلق من بلاد عربية".
ولم يكن أبو مرزوق وحده من كشف هذه الحقيقة، فقد أكد الدبلوماسي الأمريكي السابق دينيس روس أن هناك قادة عربا يرغبون بالقضاء على حماس وليس فقط إسرائيل والولايات المتحدة.
وأضاف روس، في مقال له بصحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، "إسرائيل ليست الوحيدة التي تعتقد أن عليها هزيمة حماس" مضيفا: "خلال الأسبوعين الماضيين، عندما تحدثت مع مسؤولين عرب في أنحاء مختلفة من المنطقة أعرفهم منذ فترة طويلة، قال لي كل واحد منهم إنه لا بد من تدمير حماس في غزة".
ونقل عن المسؤولين العرب قولهم، "إذا اعتبرت حماس منتصرة، فإن ذلك سيضفي الشرعية على أيديولوجية الرفض التي تتبناها الجماعة، ويعطي نفوذا وزخما لإيران والمتعاونين معها، ويضع حكوماتهم في موقف دفاعي".
وذكر الدبلوماسي الأمريكي، "أن أولئك الزعماء العرب الذين تحدثوا إليه صرحوا له بموقفهم على انفراد بينما مواقفهم العلنية على خلاف ذلك، لأنهم يدركون أنه مع استمرار انتقام إسرائيل وتزايد الخسائر والمعاناة الفلسطينية، فإن مواطنيهم سوف يغضبون".
وتابع، "لذا فأولئك الزعماء يحتاجون إلى أن يُنظر إليهم على أنهم يدافعون عن الفلسطينيين، على الأقل خطابيا".
كما ذكرت
مجلة الإيكونوميست البريطانية تقريرا قالت فيه إن هناك دولا عربية عديدة تريد إنهاء حركة حماس.
وقالت عن القمة العربية الإسلامية في الرياض التي انعقدت خلال تشرين الثاني/نوفمبر، "إن من السهل تجاهل اللقاء بأنه مجرد دكان كلام تعقده الجامعة العربية عادة، حيث شجب عدد من القادة المعايير المزدوجة للغرب وبخاصة عندما يتعلق الأمر بالفلسطينيين، وهذا كلام صحيح، لكنهم فعلوا هذا في القمة التي شارك فيها الرئيس السوري بشار الأسد، الذي يعدّ من أكبر مجرمي الحرب في القرن الحالي".
وأضافت، "أن أجزاء من البيان الختامي تحمل مفارقة، فبدلا من كسر الحصار، ساعدت مصر على استمراره ولعقدين تقريبا، ولا دولة من دول منظمة التعاون الإسلامي تبيع السلاح للاحتلال، مع أن بعض دولها تشتري السلاح منه".
الجسر البري
منذ كانون الأول/ديسمبر الماضي كشفت وسائل إعلام عبرية، أن الإمارات ودولة الاحتلال وقعتا اتفاقا لتشغيل جسر بري، بين ميناءي دبي وحيفا، مرورا بالأراضي
السعودية والأردنية، بهدف تجاوز تهديدات الحوثيين بإغلاق الممرات الملاحية.
ونفى الأردن صحة التقارير الإسرائيلية، قائلا إذ نقلت وكالة الأنباء الرسمية "بترا" عن مصادر في وزارتي النقل والصناعة والتجارة، قولهم إن هذه الأنباء "لا صحة لها أبدا".
وأضافت المصادر، أن "موقف الحكومة واضح بشأن دعم الأشقاء الفلسطينيين والوقوف إلى جانبهم بكل الوسائل، وأن مثل هذه الادعاءات مرفوضة وهي منشورات هدفها التشويش على الموقف الأردني الثابت تجاه ما يجري في قطاع غزة من عدوان إسرائيلي غاشم".
وكان الناطق باسم الحكومة الأردنية مهند مبيضين قد نفى في تصريح سابق لـ "عربي21" هذه الأنباء وأشار إلى أن الأردن لن يكون جسراً لمرور البضائع "الإسرائيلية".
لكن ما نفته عمان على الإعلام كان واقعا على الأرض، إذ قال مذيع القناة 13 العبرية، إنه "لأول مرة وتحت غطاء من السرية، يتم افتتاح خط تجاري جديد، يلتف حول الحوثيين"، عن طريق السعودية إلى دولة الاحتلال، ويعمل بأقصى طاقته.
وقام مراسل القناة، أمير شوعان، بزيارة المكان، حيث كشف عن الممر البري الذي أنشئ من الخليج العربي، مرورا بالسعودية والأردن ونهاية في دولة الاحتلال، بواسطة الشاحنات.
وذكر المراسل في تقريره، أنه في الأسابيع الأخيرة، ومن وراء الحوثيين، بدأت تجربة لنقل البضائع عبر الممر البري وليس عبر البحر، مبينا أن شكل المكان يعتبر الأكثر سرية.
وأشار إلى أن الشاحنات القادمة من الخليج عن طريق السعودية تصل إلى معبر الأردن، في مسار التفافي حول الحوثيين كما وصفه المراسل شوعان.
وأظهرت مقاطع الفيديو التي وثقها المراسل عبر طائرة مسيرة طابورا من الشاحنات في الطريق إلى دولة الاحتلال.
وحول كيفية النقل، ذكر أن السفن التجارية تصل إلى الخليج العربي، ومن هناك تنقل البضائع عبر الشاحنات الخارجة من دبي، ثم تمر عبر السعودية والأردن، لتصل عبر المعبر الأردني إلى دولة الاحتلال.
وحين تمكن مراسل القناة من أخذ تصريح خاص، تحدث إلى أحد سائقي الشاحنات وقال له: من أين أتيت؟، فرد عليه: من إربد.. ثم سأله مرة أخرى: ماذا لديك بالداخل، ورد عليه: فلفل، وأدوات حديد.. وحينما سأله المراسل عن الحرب في فلسطين، قال ليس لدي رأي.
وكان ذلك بالتزامن مع إطباق الحصار الخانق على أهالي غزة، عن طريق معبر رفح مع مصر، إذ تمنع قوات الاحتلال عبور شاحنات الإغاثة، التي تدخل على دفعات بكميات شحيحة لا تكفي لسد رمق القطاع الذي نزح أكثر من 80% منه داخليا.
مشاركة مصر بالحصار
منتصف الشهر الماضي، فجر محامي الدفاع عن دولة الاحتلال الإسرائيلي قنبلة سياسية أمام محكمة العدل الدولية الجمعة، حين حمل السلطات المصرية، المسؤولية عن نقص دخول المساعدات إلى قطاع غزة.
وقال أحد أعضاء فريق الدفاع عن الاحتلال الإسرائيلي خلال مرافعته، إن مصر هي المسؤولة عن معبر رفح، وبإمكانها إدخال المساعدات، وهي من تتحمل تفاقم الأوضاع في غزة.
وزعم المحامي خلال مرافعته أمام المحكمة أن "إسرائيل لم تمنع دخول المساعدات"، وإن مصر كان بإمكانها إدخال المساعدات إلى غزة من اليوم الأول للحرب.
من جهته، نفى رئيس الهيئة العامة للاستعلامات ضياء رشوان، مزاعم وأكاذيب فريق الدفاع الإسرائيلي، قائلا في بيان له، إن تهافت وكذب الادعاءات الإسرائيلية يتضح في أن كل المسؤولين الإسرائيليين، وفي مقدمتهم رئيس الوزراء ووزير "الدفاع" ووزير الطاقة، قد أكدوا عشرات المرات في تصريحات علنية منذ بدء العدوان على غزة، أنهم لن يسمحوا بدخول المساعدات لقطاع غزة وخاصة الوقود، لأن هذا جزء من الحرب التي تشنها دولتهم على القطاع.
وفي محاولة لتدارك الأمر خرج رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي قائلا، إن معبر رفح بين مصر وقطاع غزة مفتوح 24 ساعة طوال أيام الأسبوع، لكن الإجراءات التي تتخذها إسرائيل للسماح بدخول المساعدات تعرقل العملية.
وأضاف السيسي أن هذا جزء من كيفية ممارسة الضغط بخصوص مسألة إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين الذين تحتجزهم حماس في غزة.
محور فيلادلفيا
أواخر كانون الأول/ديسمبر تحدثت مواقع إخبارية عربية، عن عملية للجيش "الإسرائيلي" تهدف لاحتلال الشريط الحدودي بين مصر وقطاع غزة، بالتزامن مع العملية العسكرية جنوب القطاع.
ونقلت وسائل إعلام عربية عن مصادر مطلعة قولها، إن جيش الاحتلال الإسرائيلي أبلغ مصر عزمه السيطرة واحتلال الشريط الحدودي مع مصر، أو ما يسمى محور "فيلادلفيا" حيث طلب من الجنود المصريين إخلاء الحدود تمهيدا لدخول الدبابات.
ومع احتدام المعارك في خانيونس جنوبي القطاع بدأت ملامح عملية عسكرية وشيكة للاحتلال في رفح على الحدود المصرية.
والأسبوع الماضي، كشفت إذاعة جيش الاحتلال، عن اقتراب مصر و"إسرائيل" من التوصل لتفاهمات بشأن مدينة رفح ومحور فيلادلفيا.
وكانت وسائل إعلام عبرية، تحدثت عن وجود "محادثات جادة ومستمرة بين مسؤولين في إسرائيل وبين مسؤولين في مصر من بينهم مدير المخابرات عباس كامل بشأن مسار العمل الإسرائيلي على طول محور فيلادلفيا".
وكان رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، شدد في وقت سابق على "ضرورة أن تسيطر إسرائيل على منطقة محور فيلادلفيا الحدودي بين قطاع غزة ومصر"، حسب تعبيره.
وكالعادة نفى مصدر أمني مصري رفيع المستوى، وجود أي ترتيبات أمنية مع إسرائيل بشأن محور فيلادلفيا بين قطاع غزة ومصر أو قرب التوصل لاتفاق بشأنه، وفقا لما نقلته قناة "القاهرة الإخبارية" المقربة من الحكومة.
ورغم النفي المصري المعتاد، أكدت هيئة البث العبرية، "أن حكومة نتنياهو تعمل مع إسرائيل على إيجاد خطوط عريضة لعملية عسكرية في رفح".
ويؤكد هذه الأخبار إعلان وزير حرب الاحتلال يوآف غالانت اليوم الاثنين، أن "الجيش الإسرائيلي يعتزم الوصول إلى رفح لكن لا يمكن القول متى وكيف".
وعبرت السلطة الفلسطينية رسميا عن تخوفها من إقدام الاحتلال الإسرائيلي على "نقل" معبر رفح الحدودي بين غزة ومصر، إلى مكان آخر، وذلك في تصريحات لرئيس الحكومة الفلسطينية محمد اشتية الاثنين.
وقال اشتية خلال جلسة للحكومة "تحاول إسرائيل نقل معبر رفح إلى مكان آخر".
ويأتي هذا الكلام في ظلّ مخاوف بين الفلسطينيين والمصريين خصوصا من محاولات إسرائيلية محتملة لدفع الفلسطينيين المقيمين في قطاع غزة إلى مغادرة القطاع المحاصر.