سلطت صحيفة روسية، الضوء
على حالة التصعيد المتزايدة في
الشرق الأوسط، وما وصفته بـ"العجز
الأمريكي" في إخضاء
إيران للسيناريو الذي تعرض له العراق عامي 1991 و2003.
وقالت صحيفة
"
برافدا" الروسية في تقرير ترجمته "
عربي21"، إن إيران منذ
الثورة الإسلامية في 1979 أصبحت شوكة في حلق الولايات المتحدة وإسرائيل، تمنعهما
من تنفيذ سياساتهما الاستعمارية الجديدة، وتشغل موقعا جيوسياسيا مهما في الشرق
الأوسط، وتتصدى لهيمنة واشنطن على هذه المنطقة الغنية بالنفط.
وأضافت الصحيفة أن الولايات
المتحدة عاجزة عن إخضاع إيران للسيناريو الذي تعرض له العراق في 1991 و2003.
والحديث هنا عن ادعاءات كولن باول أمام مجلس الأمن بأن العراق يمتلك أسلحة
جرثومية، حاملا في يده أنبوب اختبار. وتصوير البلد على أنه يمثل قوى الشر، ثم
تنفيذ عملية عسكرية ضده، وتنصيب رئيس يكون في الحقيقة دمية في يد أمريكا. وحتى
الآن بعد مرور أكثر من أربعين عاما على الثورة الإيرانية، لم تجد واشنطن الجرأة
الكافية لتكرار هذا السيناريو.
وتضيف الصحيفة أنه بات من
الواضح أن إيران الآن ليست بلدا متخلفا كما كانت في الماضي، حيث إنها باتت تمتلك
جيشا قويا وصواريخ طويلة المدى، وأي اعتداء ضدها لن يمر بسلام. إضافة إلى هذه
الحسابات التي تجعل واشنطن تخاف، هنالك شبح الماضي الذي يخيم عليها، إذ إنها في
1980 حاولت تنفيذ عملية صغيرة ضد إيران انتهت ليس فقط بفشل ذريع، بل إنه كان فشلا
أسطوريا.
والحديث هنا عن محاولة
إنقاذ الرهائن المحتجزين في السفارة الأمريكية في طهران في 1979. هذه القصة معروفة
لدى الجميع، رغم أن التفاصيل الدقيقة لهذه العملية تبقى طي الكتمان، وهي كانت نقطة
فارقة أثرت على أسلوب الولايات المتحدة في إدارة الصراعات السياسية والعسكرية.
وتشير الصحيفة إلى أن هذه
العملية تم التفكير فيها بعد أن قامت في الرابع من تشرين الثاني/ نوفمبر 1979
مجموعة من النشطاء الشباب الإيرانيين باقتحام السفارة الأمريكية واحتجاز
الدبلوماسيين العاملين داخلها. وسارعت القيادة الإيرانية لدعم هذا التحرك، وعرضت
على الجانب الأمريكي الإفراج عن الدبلوماسيين المحتجزين في مقابل إعادة الشاه محمد
رضا بهلوي الذي فر من البلاد. ورفضت واشنطن هذا العرض، وقررت في النهاية اللجوء
للحل العسكري.
فكرة العملية
على بعد حوالي 500
كيلومتر جنوب شرق طهران، تم اختيار موقع ليكون مهبط طائرات مؤقت، وكان يفترض أن
تنزل ستة طائرات نقل عسكري من طراز هيروكليس في هذا المكان، ثلاثة منها تحمل قوات
خاصة مكونة من 130 عنصرا، وثلاثة لتوفير الوقود. وكان يفترض أن تصل بعد وقت قصير
مجموعة من طائرات الهليكوبتر المخصصة للنقل التي تقلع من حاملة طائرات تبحر قبالة
سواحل إيران، وبعد أن تقوم بالتزود بالوقود مرة ثانية في المهبط المؤقت، فإنها تحمل
القوات الخاصة وتواصل الطيران إلى نقطة أخرى على بعد 80 كيلومترا من العاصمة طهران.
وكانت الخطة تتمثل في
الاعتماد على مجموعة من السيارات لمداهمة مبنى السفارة التي يحتجز فيها
الدبلوماسيون الأمريكيون وأخذهم إلى أقرب ملعب، حتى تأتي طائرات الهيليكوبتر
لحملهم ثم تطير نحو نقطة ثالثة وهي مهبط طائرات عسكرية مهجور، كان يفترض به هو
أيضا أن تتم السيطرة عليه قبل وصول الطائرات بقليل. ومن هذه النقطة كان يفترض أن
يتم حمل الجميع إلى خارج البلاد.
وترى الصحيفة أن هذه الخطة
كانت معقدة ومتطورة جدا، وكانت تتضمن أيضا فكرة تحريك عملاء واشنطن في إيران لخلق
بعض الفوضى في الشوارع على أمل أن يصرف ذلك انتباه الأجهزة الأمنية عن عملية تحرير
الرهائن، وهو الجزء الذي نجح من هذه الخطة.
التنفيذ والفشل الأسطوري
مثلت طائرات الهليكوبتر
عنق الزجاجة في هذه العملية. وبعد ساعتين من الطيران ظهرت مشاكل تقنية فيها، وقامت
بهبوط اضطراري في منطقة صحراوية وتم نقل الركاب من إحدى طائرات الهليكوبتر نحو
أخرى. وبعد ذلك واجهت طائرة أخرى مشاكل في نظام الملاحة، وواجهت المجموعة بأكملها
عاصفة رملية، وهو أمر لم يتعودوا عليه. رغم ذلك فقد تواصلت عملية الطيران، بعد أن عادت
طائرة واحدة إلى حاملة الطائرات الأمريكية.
وقالت الصحيفة إن رمال
الصحراء لعبت دورا محوريا في إفشال هذه الخطة الأمريكية، وهذا العامل اعتبره
الإيرانيون تدخلا إلاهيا.
وبسبب حجب الرؤيا
وإعاقة عملية الطيران، إلى جانب تعقيدات أخرى جمعت بين سوء الحظ وسوء التخطيط، بات
واضحا أنه من المستحيل على القوة الأمريكية الوصول إلى وجهتها، فطلب الضباط من
واشنطن اتخاذ قرار حول المواصلة أو الانسحاب. وبعد ساعتين من المشاورات، تم السماح
لهم بإلغاء العملية، وهنا تنفسوا الصعداء، ظنا منهم أن المصاعب انتهت، رغم أنها في
الواقع لا تزال في بدايتها، حيث إن رحلة الرجوع كانت أيضا محفوفة بالفشل.
فعلى الرغم من إلغاء
المهمة، كان لا بد من إعادة تعبئة طائرات الهليكوبتر بالوقود. لكن أثناء هذه
العملية أدت شفرات الطائرات إلى إثارة عاصفة من الغبار وحجب الرؤيا فاصطدمت
طائرتان ببعضهما وحصل انفجار ضخم توفي فيه ثمانية من الجنود الأمريكان.
وهكذا فإنها حتى دون
الدخول في أي معركة، منيت الولايات المتحدة بخسارة فادحة وفقدت أرواحا في هذه
العملية. فتم التخلي عن خمس طائرات هيليكوبتر في قلب الصحراء، اثنتان منها استحوذ
عليها لاحقا جيش الجو الإيراني، فيما فرت القوات الخاصة الأمريكية على متن طائرات
هيروكليس.
تلك الحادثة استغلتها أعلى
سلطة دينية في إيران، معتبرة أن رمال الصحراء كانت حليفا طبيعيا لإيران، وواصفة
إياها بأنها ملائكة من الله، وأن الطبيعة في حد ذاتها تحالفت مع الجمهورية
الإسلامية ضد الشيطان الأمريكي.
وتلاحظ الصحيفة أن
الأمريكان سموا هذه العملية في البداية مخلب النسر، وكانوا يتوقعون أن هذا النسر
سوف يحلق فوق طهران ويحمل الرهائن بكل دقة من عش الإيرانيين ويأخذهم إلى مكان آمن.
إلا أنه في النهاية لم تتم استعادة هؤلاء الرهائن إلا في بداية العام 1981. ولكن
تجدر الإشارة إلى أنه قبل تلك الانفراجة كان هناك مشروعان آخران جهزتهما الولايات
المتحدة لتحرير الرهائن، قبل أن يتم ذلك بشكل سلمي على إثر مفاوضات بين الجانبين.
وتضيف الصحيفة أن عملية
مخلب النسر هذه لم تكن المحاولة الأمريكية الوحيدة في تنفيذ عمليات في إيران، إذ إنها جهزت "مشروع غرير العسل"، نسبة إلى حيوان الظربان أو غرير العسل
الذي يعيش في أفريقيا وآسيا والمعروف بعدم خوفه وبقدرته على التحمل. هذه الخطة
كانت تتمثل في تجنيد قوات خاصة على متن خمسين طائرة، ونقل 12 جرافة في حال ما دعت
الحاجة إلى فتح بعض الطرق، وبدأت التجارب والتدريبات لتنفيذ العملية.
ولكن بسبب المخاوف من
الفشل السابق، فقد قرر القائمون على هذه العملية إلغاء الجزء المتعلق بالجرافات،
والاكتفاء باستخدام الطائرات. وتم إطلاق اسم جديد عليها وهو "الرياضة
الحقيقية"، وكان المخطط يتمثل في إنزال القوات الخاصة من الطائرات في ملعب في
قلب طهران.
ورغم أن المساحة هناك لم
تكن تكفي لهذه العملية فإن المهندسين الأمريكيين كانوا واثقين من أن لديهم
التكنولوجيا اللازمة لتنفيذ الهبوط والإجلاء، فقاموا بإعداد مكان يشبه الملعب
الموجود في طهران وأجروا بعض التجارب العملية، التي أظهرت أن هذه الفكرة أيضا
ستكون نهايتها الفشل، فتم في النهاية التراجع عنها.