نشر موقع "كاونتر بانش" تقريرًا تحدّث فيه عن مساعي دولة
جنوب أفريقيا إلى تطوير برنامجها
النووي.
وقال الموقع، في تقريره الذي ترجمته "عربي21"، إن الدروس المستفادة من برنامج الأسلحة النووية في جنوب أفريقيا عميقة ويتجاهلها إلى حد كبير أنصار عدم الانتشار. فهي تظهر أن النظام، حتى لو كان خاضعًا للعقوبات، لا يزال قادرًا على إظهار الكفاءة وسعة الحيلة في صنع مثل هذه الأسلحة الفتاكة.
وعلى الرغم من تهميش نظام الفصل العنصري الأبيض في جنوب أفريقيا، وهو النظام المنبوذ سيئ السمعة في العالم، إلا أنه تمكن من المضي قدمًا وتطوير ترسانة هائلة من الأسلحة بمساعدة خارجية وسعة الحيلة المحلية.
وأشار الموقع إلى أن مثال جنوب أفريقيا يُظهر أنه من السهل زعزعة أعضاء النادي النووي، ولا يُسمح أبدًا بقبول أعضاء جدد. وإذا فعلوا ذلك، فإنهم يميلون إلى القيام بذلك في انتهاك للفهم المتصور، ومنافسة شرسة للوضع الراهن للدول التي تمتلك الأسلحة النووية المقبولة.
وهذا الفهم كان يشكل، لعقود من الزمن، أحد أعظم حيل الثقة في العلاقات الدولية، إذ وعدت القوى النووية بتفكيك ترساناتها النووية في نهاية المطاف بشرط أن تقاوم الدول غير الحائزة للأسلحة النووية الرغبة في الحصول عليها. وكانت النتيجة احتفاظ أعضاء النادي بترساناتهم البشعة وتحديثها وتجديدها بكل جدية، الأمر الذي يجعل الأعضاء المعنيين من خارج النادي إما يتحدون الوضع الراهن من جانب واحد مثل كوريا الشمالية، أو يحاولون حيازتها مثل إيران.
وأوضح الموقع أن أوجه التشابه بين جنوب أفريقيا وكوريا الشمالية مقنعة بشكل مثير للقلق كما أنها تسفر عن دروس أخرى. فعلى سبيل المثال، إذا كنت لا تحظى بشعبية على الساحة الدولية أو وقعت في مرمى نزاع ما، فلا تزعم مطلقًا أنك لا تملك أسلحة.
وذكر الموقع أن الرئيس الأمريكي جيمي كارتر تلقى رسالة في 6 آب/ أغسطس 1977، من الرئيس السوفيتي ليونيد بريجنيف ورد فيها: "وفقًا للمعلومات الواردة، فإن اتحاد جنوب أفريقيا يكمل العمل على صنع سلاح نووي وإجراء أول تجربة نووية تجريبية". والسماح لدولة الفصل العنصري بامتلاك مثل هذه الأسلحة من شأنه أن "يؤدّي إلى تفاقم الوضع في القارة الأفريقية بشكل حاد، وسيزيد بشكل عام من خطر استخدام الأسلحة النووية". وقد حذّر من أن سياسة منع الانتشار النووي معرّضة للخطر، الأمر الذي يستلزم "بذل جهود نشطة نحو تحقيق أهداف منع ظهور دول نووية جديدة ومنع انتشار الخطر النووي".
يوم 18 آب/ أغسطس من نفس السنة، نظرت دراسة مشتركة بين الوكالات تم تنسيقها من قبل ممثلين عن مجتمع الاستخبارات الأمريكية في الاعتبارات السياسية المتعلقة بإجراء تجربة نووية في جنوب أفريقيا مما يشير إلى أن "المخاوف السياسية المحلية قد تؤيد إجراء الاختبار، وأن هذه المخاوف لها وزن أكبر من اعتبارات السياسة الخارجية في قرار إجراء الاختبار أم لا. مع ذلك، لم يكن هناك "ضغط مفرط" على قيادة البلاد لاختبار سلاح بأي شعور بالإلحاح وقد تم تأييد "نهج أكثر مرونة".
وبيّن الموقع أنه لم يكن القصد من ذلك منح أي نوع من البهجة لجهود منع الانتشار النووي.
وأضافت الدراسة: "بينما نعطي بعض المرونة أو "التنازل" لموقف جنوب أفريقيا فيما يتعلق بتوقيت الاختبار، فإننا لا نرى أي ظروف من شأنها أن تؤدي إلى إنهاء برنامجها طويل الأمد لتطوير سلاح نووي". ولم يكن هناك "تهديد جدير بالثقة" من جانب الغرب لثني بريتوريا عن متابعة الاختبار. وفي الواقع، قد يكون لهذا الأمر تأثير معاكس.
نصح بريجنسكي في مذكرة إلى كارتر بأنه يتعين على واشنطن "الحصول على أكبر قدر من المعلومات حول ما يفعله الجنوب أفريقيون بالفعل، في أقرب وقت ممكن، وقبل مؤتمر لاغوس حيث ستكون هذه قضية رئيسية". ويتطلب القيام بهذا "المطالبة بإجراء تفتيش ميداني لموقع كالاهاري"، ومن الأفضل أن يتم تنفيذه في إطار جهد أمريكي فرنسي مشترك. وإذا لم يكن الأمر كذلك، يكون الجهد فرديا من قبل الولايات المتحدة. واعتبر بريجنسكي أنه من غير المجدي محاولة الحصول على مشاركة الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وتكشف مثل هذه الآراء بعض مقتطفات من تصرفات بريجنسكي الشائكة تجاه الهيئات الدولية حيث كان يفضل - كما فعل مستشارو الأمن القومي الآخرون قبله وبعده - إطلاق يد القوة الأمريكية ويمكن الاستهزاء بمثل هذه الوكالات، عند الحاجة إليها.
وذكر الموقع أن الجانب الآخر من برنامج الأسلحة النووية في جنوب أفريقيا كان يتم في إطار السرية شبه المثالية ــ على الأقل عندما يتعلق الأمر بالمعرفة بين أعضاء مجتمع الاستخبارات الأمريكي.
وطوال مراحل تطوير الأسلحة، ظل هناك جهل مستمر حول مدى تقدم البرنامج. كما أصرت بريتوريا على عدم الانضمام إلى معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية، الأمر الذي كان من شأنه أن يضعها في المدار التنظيمي الدولي. فالبقاء خارج نظام معاهدة عدم الانتشار يعني أن البرنامج يمكن أن يزدهر أيضًا دون مضايقات.
وأضاف الموقع أن دولة الفصل العنصري واجهت، خلال الثمانينات، شيئًا من التناقض. وعلى الصعيد المحلي، أثبت نظامها السياسي والاجتماعي على نحو متزايد أنه غير قابل للاستدامة. وعلى المستوى الدولي، وجدت بريتوريا أن خليفة كارتر كان أكثر استيعابًا بكثير. وكان كل هذا جزءًا من مفهوم الرئيس رونالد ريغان حول "المشاركة البناءة"، وهو مصطلح آخر يشير إلى النفاق المحسوب. وكان النفاق هو الذي مكّن التهريب من الازدهار، مع حرص الشركات والكيانات الخارجية على كسب المال من نظام الفصل العنصري. ولكن مع ازدهار المشروع النووي، كان النظام السياسي مريضًا.
وفي سنة 1993، أعلن آخر رئيس لنظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، إف دبليو دي كليرك، أنه قد تم تفكيك جميع الأسلحة النووية الستة العاملة، مما طمأن مسؤولي المخابرات الغربية إلى أن الدولة التي يسيطر عليها المؤتمر الوطني الأفريقي الثوري لن تستفيد بها أبدًا. وقد احتفظت جنوب أفريقيا المسلحة نوويًا، والتي تمت إدانتها رسميًا بسبب نظامها العنصري، بعلاقات تعاون سرية مع الولايات المتحدة وإسرائيل وعدد من الدول الأوروبية، بما في ذلك ألمانيا الغربية. لكن إنشاء دولة نووية في جنوب أفريقيا تديرها إدارة سوداء كانت ببساطة فكرة مروعة للغاية، وانحرافًا لا يطاق بالنسبة لهم، لأن ذلك يعني احتمال أن تصبح جنوب أفريقيا موردًا لليورانيوم المخصب إما لليبيا أو إيران أو منظمة التحرير الفلسطينية، التي أعطت الحركة الدعم خلال سنوات المنفى، كما ورد في صحيفة صنداي تايمز اللندنية (15 آب/ أغسطس 1993).
وقال الموقع إن الخوف من هذا السيناريو أدى إلى تعرض ليبيا للهجوم في سنة 2011 بذريعة التدخل الإنساني، لتبقى على ما هي عليه اليوم. ومن المثير للسخرية أن إسرائيل المذعورة، التي ساعدت بريتوريا في جهودها النووية، كانت ستظل تحت السيطرة وتضطر إلى تقديم تنازلات غير مسبوقة للفلسطينيين، وإضافة إيران إلى هذا المزيج كان من شأنه أن يغذي حسابات الإرهاب.
ومع تطور الأمور، قامت مجموعة صغيرة من المهندسين والعلماء الذين كانت لهم صلات بالبرنامج - وليس أي مسؤول مغامر في حزب المؤتمر الوطني الأفريقي - بتسليط الضوء على مرحلة الانتشار النووي، وكان بينهم جوتهارد ليرش، وجيرهارد فيسر، ودانييل جيجيس، ويوهان ماير. وفي الفترة ما بين منتصف الثمانينيات وسنة 2004، قامت المجموعة بتزويد باكستان وليبيا والهند، وربما إيران وكوريا الشمالية، بمعدات الطرد المركزي.
وأشار الموقع إلى أن الدراسات اللاحقة اعتبرت أن نزع السلاح النووي في جنوب أفريقيا كان بمثابة معجزة، ونموذجًا للضمير الإنساني الصالح. وكما كتب ديفيد أولبرايت وأندريا ستريكر في دراستهما لسنة 2016 حول البرنامج: "تُظهر حالة جنوب أفريقيا أن نزع السلاح النووي ممكن حتى بعد أن تقوم الدولة ببناء أسلحة نووية. لقد أتاح تعاونها المكثف إمكانية التحقق الصارم من نزع الأسلحة النووية من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية، التي ساعدتها واستكملتها دول لها مصلحة خاصة في ضمان تفكيك جميع أسلحة جنوب أفريقيا وحصر اليورانيوم النووي عالي التخصيب. لكن الدروس الأخرى للمشروع لا تقل أهمية: لماذا نحصل على هذه الأسلحة المروعة والساحرة في المقام الأول، وتحت أي ظروف؟".
للاطلاع إلى النص الأصلي (
هنا)