ملفات وتقارير

"أوكار الخطر".. ما وراء تصاعد عمليات تهريب المخدرات من سوريا إلى الأردن؟

يشن الجيش الأردني عمليات مكثفة على الحدود مع سوريا ضد مهربي المخدرات- الأناضول
شهدت الأسابيع الأخيرة تطورات دراماتيكية عل الحدود السورية الأردنية في ظل زيادة محاولات تهريب المخدرات القادمة من سوريا وملاحقة المهربين من قبل الجيش الأردني الذي خاض عدة  اشتباكات مسلحة مع المهربين أسفرت عن مقتل واعتقال عدد منهم مطلع الشهر الجاري.

وأعلن الجيش الأردني خلال الأيام الماضية عن عدد من العمليات العسكرية ضد المهربين على الحدود مع سوريا، بينها عملية في السادس من كانون الثاني/يناير الجاري، وأدت إلى مقتل 5 مهربين واعتقال 15 آخرين مطلع الشهر الجاري.

وبعد أيام، شن الجيش الأردني عملية أخرى أدت إلى القبض على 7 مطلوبين على علاقة مع عصابات التهريب وتجار المخدرات وقال في بيان إن العملية الأخيرة جاءت بعد التحقيق مع المهربين الـ 15 المقبوض عليهم في عملية 6 كانون الثاني/يناير  2024.




تجارة رائجة ومصدر دخل للنظام السوري
وحول نشاط عمليات التهريب وزيادتها خلال الفترة الأخيرة قال العقيد الطيار المنشق عن جيش النظام السوري والمحلل العسكري إسماعيل أيوب لـ"عربي21": إن عمليات تهريب المخدرات من الجنوب السوري إلى الأردن لم تكن وليدة اليوم، إنما بدأت منذ أكثر من سنة مع توغل وانتشار الميليشيات الإيرانية على الحدود الجنوبية لسوريا.

وأضاف أيوب أن هذه الميليشيات تعتمد على المخدرات وعمليات التهريب كمصدر دخل لها، إضافة إلى اعتماد النظام السوري على المخدرات كمصدر رئيس للدخل، بعد أن سيطرت الولايات المتحدة على مصادر النفط في شمال وشرقي سوريا، كما سيطرت القوات الروسية على الفوسفات وباقي الموارد الرئيسة في البلاد.

وأضاف أيوب في تصريحاته لـ "عربي21" أن "ما تم ملاحظته خلال العمليات العسكرية التي خاضها الجيش الأردني وإلقاء القبض على مهربين وتجار مخدرات، بحوزتهم أسلحة وعتاد حربي، يؤشر على أنهم مرتبطين بجهات أخرى ليس مجرد مجموعات تهريب، إنما هي مجموعات منظمة مرتبطة بجهات رسمية داخل إدارات النظام السوري، إلا أن النظام لا يصرح بشكل رسمي أنه يرعى عمليات التهريب بل على العكس يحاول إبعاد الشبهة عنه ويدين باستمرار عمليات التهريب".

تهريب لأغراض سياسية
وتعتبر عمليات التهريب من أكثر مصادر جني الأموال سواء كان تهريب سلاح أو تهريب بضائع أو تهريب مخدرات وهو أمر موجود بصورة دائمة في المناطق الحدودية في العالم.

إلا أن ما يحصل على الحدود السورية الأردنية يهدف إلى ناحيتين وفق تصريحات للدكتور بسام العموش الوزير الأردني السابق والذي قال لـ"عربي21"، إن "هدف عمليات التهريب على الحدود الشمالية للأردن يتم بغرض سياسي بالدرجة الأولى تحت عنوان المخدرات إضافة إلى مصادر دخل لمن يقف خلفه من المليشيات الإيرانية المنتشرة على الحدود الجنوبية لسوريا".

وأضاف العموش "أن الهدف الرئيس لعميات التهريب على الحدود الأردنية السورية الذي يشمل عمليات تهريب مخدرات وسلاح بقصد سياسي وهو إضعاف الأردن، وإنشاء خلايا داخل الأراضي الأردنية ويتولى تحقيق هذا الهدف إيران ووكلائها في المنطقة، وهم مصرون على الدخول الذي كانوا يتمنونه منذ أكثر من عشرين سنة سابقة".

وتابع الوزير الأردني السابق أن "أذرع إيران ماتزال تعمل بشتى الطرق لتحقيق هذا الهدف، وهو أمر معلن ومادي وضمن تخطيط إيران الدول المخربة في المنطقة، والتي اتسعت شهيتها التوسعية بعد احتلالها لأربع عواصم عربية على حد تعبير أحد المقربين من الحرس الثوري وهو محمد صادق الحسيني".

وأشار العموش إلى أن "هذه الأذرع الإيرانية على استعداد للقيام بكل ما هو مطلوب في سبيل الدخول إلى الأردن، الذي يخوض حربا حقيقية بالمدفعية والأسلحة الثقيلة بما فيها سلاح الجو الأردني الذي بدأ يضرب أوكار هذه المجموعات المرتبطة بإيران في الأرض السورية".

وفي ذات السياق يشير العقيد إسماعيل في تصريحاته لموقع "عربي21"، إلى أن "عمليات التهريب نشطت خلال الفترة الأخيرة، بالتزامن مع إخضاع عناصر من المليشيات ذات التابعة لإيران في الجنوب السوري، إلى تدريب إضافة إلى المتعاونين معها في إتمام هذه المهام، فضلا عن انتشار معامل للمواد المخدرة بالقرب من الحدود الأردنية في المناطق التي تسيطر عليها تلك المليشيات، ليتم تهريبها إلى دول عدة وأبرزها الأردن، من خلال الطائرات المسيرة أو المجموعات، وهذا ما يؤكد وجود جهات منظمة تقف خلف عمليات التهريب".

ضعف سلطة النظام السوري وبرودة في التطبيع
وفي سياق متصل ذكر وزير الاتصال الحكومي والناطق الرسمي باسم الحكومة الأردنية، مهند المبيضين أن "ارتخاء وضعف السلطة في سوريا هو سبب التوتر على الحدود الشمالية للأردن معربا عن أمله في أن تلتفت حكومة النظام السوري لـ"الانفلات الأمني على الحدود".

ولفت المبيضين إلى أن "هناك تصعيدا بنوعية الأسلحة التي تستخدم من قبل المهربين على الجانب السوري"، مضيفا في تصريحات صحفية أن الأردن حذرت من خطورة التمدد الإيراني في المنطقة.

من جانبه أشار الوزير الأردني السابق بسام العموش في تصريحاته لـ"عربي 21"، إلى أن "الأردن يتمنى أن يقوم النظام السوري بمنع هؤلاء من عمليات التهريب وبناء على ذلك حاول التقرب من النظام السوري وإعادته للجامعة العربية لكن النظام السوري لم يقابل ذلك بأية خطوة".

وأرجع سبب ذلك إلى أن "الجنوب السوري يخضع لسيطرة المليشيات المدعومة من إيران"، مشيرا إلى أن "هناك على ما يبدو من هو مستفيد من تهريب الكبتاغون المزروع في البقاع الذي يسيطر على حزب الله وتقدر عائدات التهريب بالمليارات وهي تشكل مصدر كبير للأموال التي تعود إلى الحزب والمليشيات التابعة لإيران".

ورغم الخطوات التي تقدمت فيها الدول العربية للتقارب مع النظام السوري إلا أن جميع الشروط التي وضعتها الدول العربية للتقارب مع النظام لم يتم تنفيذ أي منها، ومن أبرز ما تقدمت به الدول العربية تجاه النظام هو الحد من عمليات تهريب المخدرات إلا أنها بدأت تنشط بشكل غير مسبوق، وبالتالي لم يحقق التطبيع العربي مع النظام أي خطوة حقيقة لفك عزلته السياسية.

وقال العقيد إسماعيل أيوب، إن "النظام السوري لم يعد له أي دور محوري في المنطقة بعد سيطرت عدة دول على سوريا، حيث تنتشر القوات الأميركية في الشمال الشرقي إضافة إلى توغل المليشيات الإيرانية وحزب الله في القرار السوري، وبالتالي لا يمتلك النظام أي إرادة أو تأثير وأي تطبيع عربي".

وأضاف أن "ذلك لن يجعل من سوريا هدف للمستثمرين نتيجة حالة الفلتان الأمني وعدم قدرة النظام السوري على السيطرة بشكل مطلق وربما أن تكون خطوات التطبيع سياسية ولن تكون ذات فاعلية إذا لم يتم التغيير السياسي والاستقرار الأمني".

عصابات منظمة وآخر الدواء الكي
ومع تواصل عمليات التهريب ومحاولات الجيش الأردني منع وصول شحنات التهريب إلى الأراضي الأردنية وملاحقة نجار المخدرات داخل الأراضي السورية للوصول إلى مصادر التهريب الأساسية.

وقال مدير الإعلام العسكري في القوات المسلحة الأردنية العميد الركن مصطفى الحيارى، إن عصابات منظمة تقف وراء التهريب من سوريا، مشيراً إلى أنّ المهربين تلقوا تدريبات عسكرية بعمل منظم تقف وراءه أجندات خارجية.

وحمّل الحياري في تصريحات لقناة "المملكة" الأردنية المسؤولية في عمليات التهريب إلى حكومة النظام السوري، مؤكدا أن الأردن تواصل أكثر من مرة مع النظام السوري بهذا الشأن لكن هذا التواصل لم يؤت ثماره.

ولفت إلى أن الجماعات المسلحة تصر على عمليات التهريب وإدخال المخدرات إلى الأردن بالقوة، مضيفا أن الأمر الآن لم يعد متعلقا بإدخال المخدرات فقط بل تعدى ذلك إلى السلاح.

وأضاف الحياري إن الهدف من تهريب السلاح إلى الأردن هو بناء حواضن ترعى التهريب في الداخل الأردني.

وعلّق على تهريب السلاح بالقول: "ما واجهناه هذه السنة تهريب أسلحة نوعية مثل صواريخ الآر بي جي وغيرها وهدف هذه الأسلحة هو مواجهة قوات حرس الحدود ومواجهة الأجهزة الأمنية والقوات المسلحة بشكل عام، وذلك لإضعاف هذه الأجهزة وبالتالي إضعاف الدولة الأردنية وتحويلها إلى دولة مخدرات".

من جانبه قال العقيد إسماعيل أيوب، إن "زيادة عمليات التهريب أجبرت الجيش الأردني ملاحقة تجار المخدرات في الأراضي السورية وهذا ما حصل بالفعل بعد أن نفذ سلاح الجو الأردني عدة غارات جوية استهدف بيوت مهربين إلى أن عمليات الرصد الجوي لا يمكن تحديد من يكون داخل المنزل بدقة ما أدى إلى سقوط ضحايا من المدنيين".

فيما أشار العموش إلى أن "الأردن يقاتل وسيستمر في مكافحة عمليات التهريب المنظمة والمطلوب تغليظ العقوبات القانونية على المستهلكين والتجار والمهربين"، مشيرا إلى "ضرورة تنفيذ هذه المطالب من الحكومة الأردنية ومجلس النواب والمتفق عليه شعبيا ورسميا لرفض دخول عملاء إيران إلى الأردن مهما كلف الثمن".

زعيم الطائفة الدرزية يمد يده للأردن
وحول زيادة عمليات تهريب المخدرات في جنوب سوريا أعلن زعيم طائفة الموحدين الدروز في سوريا، الشيخ حكمت الهجري، تأييده للضربات الأردنية التي تستهدف تجّار المخدّرات في سوريا، قائلاً: "عدونا وعدو الأردن واحد".

جاء ذلك خلال استقبال الشيخ "الهجري" لـ وفد من البلدات والقرى الجنوبية لمحافظة السويداء، من أهل المناطق الحدودية مع الأردن.

ودعا الهجري الأردن إلى تحديد ضرباته وضرورة التحقّق من عدم إلحاق أضرار بالمدنيين، لافتا إلى أن معالجة تهريب المخدرات يجب أن تتم بعيدا عن الأماكن المدنية مشيرا إلى أن الميليشيات الإيرانية في سوريا هي "الحامي لتجارة المخدرات".

مبادرة حركة رجال الكرامة
وفي سياق متصل أعلنت ما تسمى بحركة رجال الكرامة إحدى أكبر الفصائل العسكرية في السويداء، مبادرة من تسعة بنود موجهة إلى الأردن لتجنّب موت المدنيين خلال ملاحقة تجار المخدرات.

وأعلنت الحركة استعدادها لملاحقة جميع المتورطين بتهريب وتجارة المخدرات، بعد تقديم الجانب الأردني قوائم بأسماء المتورطين.

وانتقدت الحركة في بيانها النظام السوري وحملته المسؤولية المباشرة عن ملف المخدرات من تسهيل تحويل جنوبي سوريا إلى منطقة تخزين وتهريب، ودعت الحركة المجتمع المحلي والوجهاء والمرجعيات الدينية للوقوف عند مسؤولياتهم.


ودعت الحركة في بيان لها وجهته إلى الأردن أمس طالبت فيه وقف العمليات العسكرية ضد المواقع المدنية، وتوخي الحذر عند تنفيذ أي عملية، واطلاع الحركة على تحركاتهم العسكرية والتنسيق معها.

كما طالبت الحركة القيادات العسكرية في الأردن المسؤولة عن القصف السابق برفع الضرر الواقع على ممتلكات المدنيين، وتعويضهم على خسائرهم، والتحقيق الشفاف بمصادر معلوماتهم التي تسببت بقتل مدنيين، والاعتذار لذويهم معنويا، وتعويضهم ماليا، ووقف الاستهداف العشوائي للمساكن والأراضي الزراعية، التي تشل الحركة في القرى الجنوبية، وتتسبب بنزوح جماعي عنها.

ودعت الحركة الجهات في الأردن بالطريقة التي تناسبها، تسليمها لوائح بأسماء الموجودين ضمن محافظة السويداء ممن تعتقد أنهم متورطون في تجارة وتهريب المخدرات.

ودعت حركة رجال الكرامة الزعامات الدينية والاجتماعية والتقليدية في كل منطقة أو قرية من الجبل، والعائلات والشخصيات السياسية، لتصدير مواقف واضحة ومعلنة وغير مواربة، ضد كل من يتورط بتجارة المخدرات وترويجها وتهريبها ضمن مناطقهم، وتحديد المتورطين بالاسم، ومؤازرة الحركة في ملاحقتهم.