صحافة دولية

صحفي بريطاني: لا مثيل للشجاعة التي يتحلى بها الصحفيون العاملون في غزة

أوبورن قال إن الصحفيين في غزة يضطرون لتكريس جزء كبير من وقتهم للحصول على الطعام ومياه الشرب- إكس
دعا الصحفي البريطاني، بيتر أوبورن، إلى إعطاء الأهمية الآن لصوت الصحفيين الشجعان في الميدان داخل قطاع غزة، الذين يخاطرون بحياتهم لنقل الحقيقة، وعدم الاكتراث لصحفيي الاستوديوهات من النماذج الرديئة أمثال جوليا هارتلي بروار، مقدمة البرامج في قناة توك تي في.

وقال أوبورون في مقال بموقع "ميدل إيست آي"، ترجمته "عربي21"، إن الصحفيين في قطاع غزة يجازفون بحياتهم في كل دقيقة من اليوم من أجل أن يخبروا العالم بحقيقة ما يجري في غزة، مشيرا إلى أنه "لا مثيل للشجاعة التي يتحلى بها الصحفيون العاملون في غزة".

يشار إلى أن المذيعة بروار أثارت غضبا واسعا، واتٌهمت بأنها لم تتعامل بأدب مع أحد ضيوفها، بعد أن ظهرت في مداخلة متلفزة تصرخ في وجه السياسي الفلسطيني مصطفى البرغوثي.

تاليا نص مقال بيتر أوبورن:
نشرت مجلة ذي نيشين، التي تصدر في مدينة نيويورك، مؤخراً تقريراً مريعاً حول التحديات الخطيرة التي تواجه الصحفيين الذين يعملون من داخل غزة.

وصف التقرير كيف أنهم، مثلهم مثل بقية الناس في غزة، يضطرون لتكريس جزء كبير من وقتهم للحصول على الطعام ومياه الشرب.

لا يكاد يوجد مكان شاغر للنوم، بينما انعدام الكهرباء وانعدام الهواتف النقالة يجعل عملية إرسال التقارير غاية في الصعوبة إن لم تكن مستحيلة، كما تؤكد ذلك تجربة مراسلينا في موقع ميدل إيس آي.

لا مثيل للشجاعة التي يتحلى بها الصحفيون العاملون في غزة. طبقاً لما تقوله لجنة حماية الصحفيين، قتل ما يزيد على 77 عاملاً في الإعلام في غزة وإسرائيل ولبنان منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول). كثيرون يعتقدون أن المراسلين يتم استهدافهم عمداً، رغم أن الجيش الإسرائيلي ينفي ذلك.

إلا أن أحداً لا يمكنه إنكار أن المراسلين في غزة هم أبطال صنعتنا، إذ يخاطرون بحياتهم وحياة عائلاتهم في ظروف بالغة القسوة، من أجل أن يخبرونا بحقائق الأوضاع داخل غزة. باختصار: هذا هو العمل الصحفي في أجل وأشجع أحواله وأكثرها تضحية وأشدها ضرورة.

إلا أننا شهدنا هذا الأسبوع نموذجاً للصحافة في أردأ مستوياتها. وذلك أن جوليا هارتلي بروار، مقدمة البرامج في قناة توك تي في، التي تتخذ من لندن مقراً لها، شنت هجوماً لاذعاً على السياسي الفلسطيني مصطفى البرغوثي، متهمة إياه بكراهية النساء ("غير معتاد على سماع امرأة تتحدث") ضمن مجموعة من التعليقات التي تركتها عرضة للاتهام بالتنميط العنصري.

تعامل البرغوثي مع الوضع بهدوء وأدب، ورفض أن يتشوش أو يُدفع إلى الخروج عن المسار. ولا يتوقع المرء أقل من ذلك من سياسي فلسطيني مبجل على المستوى الدولي، والذي قضى زمناً رهن الاعتقال لدى الشرطة الإسرائيلية، وتعامل مع خصوم أشد خطراً وأكثر جسامة من هارتلي بروار.

توليد الغضب
ولذلك من المغري أن يقلل المرء من أهمية الحوار الفظ الذي شهدناه عبر قناة توك تي في. لكني أعتقد أن الأمر يستحق التوقف عند هذا الحوار، الذي يخبرنا بالكثير عن كيفية عمل وسائل الإعلام الغربية – وبشكل خاص، حول التغطية المتعصبة والعنصرية للحرب في غزة.

علينا أن نتذكر أن هارتلي بروار ليست أسوأ المذنبين. كنا زملاء في صحيفتي ذي إيفنينغ ستاندارد والصنداي إكسبريس قبل ربع قرن من الزمن. وهي امرأة ذكية، تحمل شهادة في الفلسفة والسياسة والاقتصاد من جامعة أكسفورد. وذات مرة عملت مراسلة في صحيفة الغارديان، وتنحدر من عائلة محترمة توالي حزب العمال.

إلا أنها اليوم أصبحت جزءاً من منظومة صحفية كل همها جذب الانتباه وتوليد الغضب. وتجسد هارتلي بروار ذلك من خلال وضع نفسها في مقام أسمى وأهم من الحكاية أو من ضيفها. تحتاج لأن يذكرها أحد بأن الصحفي المتمكن ينبغي عليه دوماً ألا يكون جزءاً من الحكاية.

هذا النوع من العمل الصحفي لا يسمح بما هو ملتبس، ولا بتعدد وجهات النظر، بل يختزل المواضيع المعقدة إلى حلول بسيطة، وهو ما يروق فقط للناس الذين لا يعرفون شيئاً عن المسألة المطروحة للنقاش. وبهذه الطريقة يتم تحقير الخطاب وتسميم الحياة العامة.

وحين يتعلق الأمر بالصراع في غزة، يهدف مثل هذا النوع من العمل الصحفي إلى نزع الإنسانية عن الفلسطينيين. وهنا أتساءل عما إذا كانت هارتلي بروار على استعداد لامتهان مسؤول سياسي بريطاني كبير مهما بدا بليداً، بنفس الطريقة التي مارستها مع البرغوثي.

بشكل عام، ينزع الصحفيون الغربيون إلى معاملة السياسيين الإسرائيليين باحترام أكبر بكثير مما يعاملون به المسؤولين الفلسطينيين. وإليكم هذا النموذج المؤكد لهذا الزعم. يوم الخميس، أجرى مقدم إذاعة إل بي سي إيان دايل مقابلة مع السفيرة الإسرائيلية لدى بريطانيا تزيبي هوتوفلي.

صدرت عن هوتوفلي العديد من التصريحات الصادمة التي كان ينبغي أن تضعها خارج حدود ما هو مقبول؛ فقد رفضت حل الدولتين، وأنكرت حقوق الشعب الفلسطيني، كما أنكرت النكبة. ورغم ذلك لا تكف وسائل الإعلام البريطانية عن إجراء لقاءات معها، وبشكل منتظم.

عاملها دايل بأدب واحترام. أنا هنا لا أنتقد دايل: فلربما ساهم أسلوبه المعتمد على الحديث الناعم في تشجيع هوتوفلي على إصدار تحذير مرعب مفاده أن إسرائيل سوف تستهدف "كل مدرسة، وكل مسجد، وكل منزل".

حكايات باطلة
لكني أعتقد أن من الإنصاف مقارنة تعامل دايل المؤدب مع مسؤولة إسرائيلية كبيرة تنطق بما يكاد يعتبر تحريضاً على الإبادة الجماعية بتلك الإهانات التي دحرجتها هارتلي بروار باتجاه واحد من أرقى السياسيين الفلسطينيين المقدرين.

طوال الحرب على غزة، لم يزل الخطاب الإعلامي منحازاً إلى الجانب الإسرائيلي. والمرة تلو المرة، يتم التعامل باحترام مع حكايات باطلة أو غير موثقة واردة من مصادر إسرائيلية. أظهر تحقيق أجرته مؤسسة ديكلاسيفايد يو كيه أن ما زعمته قناة إخبارية إسرائيلية من أن أربعين رضيعاً أو طفلاً قطعت رؤوسهم في أكتوبر (تشرين الأول) تم نشره دون تحقق أو تدقيق على الصفحة الأولى من كل الصحف البريطانية تقريباً – وذلك على الرغم من أنه غير صحيح.

ونفس الشيء حصل مع المزاعم الإسرائيلية بأن مستشفى الشفاء في غزة كان يستخدم مركز قيادة من قبل حماس. ولاحظت مؤسسة ديكلاسيفايد أن "إسرائيل بإمكانها أن تبالغ في المزاعم أو تفتريها، ممهدة السبيل نحو عملية تطهير عرقي لا هوادة فيها، ليقينها بأن وسائل الإعلام البريطانية سوف تغني معها من نفس دفتر الأناشيد".

يؤرقني اعتبار آخر، ليس فقط أن المعلقين وكتاب الأعمدة ومقدمي البرامج الحوارية في العادة لا يعلمون ما الذي يتحدثون عنه. ولا حتى أنهم يتظاهرون بأنهم يعلمون.

إنها الحياة الوثيرة التي يعيشونها؛ فهم يجلسون في استديو دافئ ولطيف، حيث يحصلون على رواتب سخية تقدر بمئات الآلاف مقابل ما يعبرون عنه من آراء. لا يجازفون بشيء، ولا يقدمون للمتلقين أي حقائق.

لئن كان هناك درس واحد يمكن تعلمه من الاهتياج الأخير لهارتلي بروار، فهو هذا: ينبغي علينا أن نعطي اهتماماً أقل بكثير لصحفيين من أمثالها، واهتماماً أكبر بكثير لأولئك الصحفيين الشجعان، الذين لا تقارن بهم، والذين يجازفون بحياتهم في كل دقيقة من اليوم من أجل أن يخبروا العالم بحقيقة ما يجري في غزة. لربما يهم هارتلي بروار أن تعرف أن كثيراً من هؤلاء الصحفيين هم من النساء.
الأكثر قراءة اليوم
الأكثر قراءة في أسبوع